هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذر الكاتب والصحفي البريطاني، باتريك كوكبيرن، في مقال له في صحيفة "آي نيوز"، من المخاطر المرتبطة بمحاولة دول كبرى مثل روسيا وبريطانيا وإيطاليا إبطال الانحدار الاقتصادي الذي تعاني منه.
وأوضح في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، أنه "يندر أن يكون الانحدار الوطني بالسوء الذي يبدو فيه، إلى أن يحاول أحد ما إبطاله".
وقال إن "المشكلة التي تواجه الزعماء الذين يتبنون برنامجا لإبطال الانحدار، هي أن التحديات التي تواجه بلدانهم تكون في العادة بالغة التعقيد ومتجذرة إلى الحد الذي لا يجدي نفعا عمل شيء بشأنها. ولذلك فهم يلجأون إلى تحميل اللوم على كواهل الآخرين، من المهاجرين إلى صندوق النقد الدولي".
وأضاف أن روسيا وبريطانيا وإيطاليا "تختلف عن بعضها البعض في مدى ما وصلت إليه من انحدار، إلا أن أياً منها لم تفلح في إفراز زعامات قادرة على التعامل مع ذلك الانحدار".
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
إن البلدان التي تكون في حالة من انحدار وحوش كاسرة متقلبة المزاج. وقد تفرز قادة يسعون إلى إبطال عملية الانحدار من خلال المجازفة ببعض المغامرات التي لم تجرب من قبل. وعادة ما يثبت ذلك أنه أخطر بكثير مما كانوا يتصورون، ولكنهم لا يملكون التراجع لأن وجودهم السياسي نفسه يصبح حينها في مهب الريح.
تظهر المتلازمة السياسية لاعتراض الانحدار في أكثر حالاتها فتكاً الآن في روسيا وبريطانيا وإيطاليا – ويفضي في العادة إلى نتائج مدمرة للذات من النوع الذي كان يمكن التنبؤ به. لكن أفجع محاولات الإحياء الوطني على الإطلاق هي تلك التي قام بها فلاديمير بوتين حينما غزا أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط، معتقداً اعتقاداً جازماً بأن جيوشه لن تواجه أي مقاومة.
في حالة أدنى مستوى، زعم كل من ليز تراس وكوازي كوارتنغ أن بإمكانهما إطلاق عملية إحياء وطني من خلال ميزانيتهما المصغرة والراديكالية في الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول، إلا أنها ما لبثت أن ارتدت عليهما وانفجرت في وجهيهما. وبعد يومين صوت الإيطاليون لصالح حكومة شبه فاشية من المرجح أنها ستلوم المهاجرين والمدافعين عن حقوق الشواذ والنقابات المهنية، من بين آخرين، وتحملهم مسؤولية ما تعانيه إيطاليا من مشاكل.
اقرأ أيضا: وزير خارجية إيطاليا: "حرب الخبز العالمية" بدأت ويجب إيقافها
والذين يتظاهرون بالسعي للتراجع عن الضعف الوطني عادة ما يسرعون عملياً من وتيرته من خلال بيع صيغ زائفة تتعهد باستعادة الحيوية والنشاط. والبلدان التي قد تكون نجحت في إدارة انحدارها النسبي لعقود تسرع من العملية من خلال الكشف عن أنها أكثر اختلالاً من الناحية الوظيفية حتى مما كان يظنه النقاد والخصوم.
خطيئة بوتين الكبرى
وروسيا هي أفضل مثال على ذلك. فالحرب في أوكرانيا، التي كان من المفروض أن تعيد روسيا إلى موقع القوة العظمى الذي كان الاتحاد السوفياتي يحتله ذات يوم أفضت إلى العكس تماماً. فروسيا بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا سوف تصبح أقل قوة ونفوذاً مما كانت عليه من قبل.
ما زال يتعذر تفسير بعض أكبر إخفاقاتها. فمن المفروض أن روسيا تملك سلاح جو قوي، لدرجة أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أنفقوا عشرات المليارات من الدولارات لتطوير وصناعة طائرات باهظة التكاليف للتصدي لهذا الخطر. إلا أن سلاح الجو الروسي أخفق بشكل مزر في إثبات وجوده في سماء أوكرانيا، ولم يفقد حتى الآن سوى ما يقرب من 55 طائرة من ذوات الأجنحة الثابتة حتى الآن، بحسب ما صرحت به مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسيل مقراً لها.
لقد كان مستوى الانكسار الذي مني به الجهد العسكري الروسي فوق التصور، بل لا يوجد ما يشير إلى أنه بلغ قد منتهاه بعد. لم ترسل موسكو من الجنود للقتال في أوكرانيا إلا النزر اليسير. وعندما شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومها المضاد في محيط خاركيف في شهر سبتمبر/ أيلول، لم تواجههم سوى وحدات روسية غير نظامية ما لبثت أن ارتبكت وولت الأدبار، تاركة خلفها عرباتها ومعداتها. ثم أعلن بوتين تعبئة عامة جزئية لتجنيد 300 ألف مقاتل جديد، في عملية بالغة التعقيد لم تمارسها روسيا منذ سنين. في نهاية المطاف لم تملك السلطات المحلية سوى احتجاز من تمكنت من وضع أيديها عليهم وحولتهم إلى الجيش.
من يبقى من المجندين يحصل على زي شتوي وقطعة سلاح وتدريب لمدة شهر، وهذا بالمقارنة مع 12 أسبوعاً من التدريب الذي كان المجندون الروس يحصلون عليه قبل الحرب الأوكرانية. وهذا يعني أن القوات التي يتم نشرها حديثاً لن تكون لديها القدرة إلا على حراسة نقاط التفتيش والقيام ببعض المهام الأخرى غير القتالية. ولو زج بهؤلاء الرجال غير المدربين بما فيه الكفاية في الوحدات المقاتلة، فلا ريب أن فعالية وكفاءة هذه الوحدات سوف تتردى.
ما من شك في أن انعدام قدرة الدولة الروسية على المنافسة عسكرياً أمر بالغ الأهمية لأنه كان لديها وفرة من الوقت من قبل لتقوم بذلك. قد تظل روسيا قوة نووية، ولكنها من جميع الاعتبارات الأخرى سوف لن تتجاوز كونها واحدة من القوى الكبيرة في أوروبا، ولكن أضعف مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ أن هزم بطرس العظيم الجيش السويدي في بولتافا داخل أوكرانيا في عام 1709. أي شيء يقترب من إلحاق الهزيمة بروسيا لن يكون مرحباً به من أي أحد لأن الصين والهند ليسا وحيدين في الرغبة في تجنب تفوق الولايات المتحدة – مثلما حصل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991. كما أن الدول الأعضاء في أوبيك مثل المملكة العربية السعودية ترغب في الاحتفاظ بالقدرة على المناورة، وهو ما قد يفقدونه في عالم أحادي القطبية تقوده أمريكا.
لا تكاد تجد أحداً يعرف ما الذي يفعله أو لماذا
بالغ بوتين في تقديره لقوة روسيا بينما قلل من قدرات أوكرانيا، ومعها حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي. لقد قرر غزو أوكرانيا متجاهلاً نصائح وجهها له خبراء عسكريون ودبلوماسيون بألا يقدم على ذلك، والذين يقال بأنهم فزعوا حينما علموا بأنه فعلها. منذ ذلك الحين وانفتاحه على الآراء المخالفة والنصائح التي ترده من داخل النخبة الروسية في حالة نضوب مستمر، حتى لم يعد أحد تقريباً يعلم ما الذي يفعله أو لماذا.
يزدري المثقفون الغربيون فرض بوتين على نفسه عزلة عن أصحاب الخبرات الحقيقية. إلا أن زعماء كل من بريطانيا وإيطاليا لا يختلفون عنه كثيراً من حيث الاتصاف بنفس الخصلة، فهم أيضاً يزعمون أنهم قادرون على إبطال الانحدار الوطني. لا ريب أن السياسيين الذين يبيعون زيت الثعابين من غير المحتمل أن يرحبوا بوجهات نظر أي شخص أعلم منهم بالثعابين أو بالزيت. إلا أن الخطر الأكبر يأتي من زعماء مثل بوتين، أولئك الذين باتوا يصدقون ما يبثونه من دعاية.
كان سيلفيو بيرلوسكوني وبوريس جونسون متشابهين من حيث خطاباتهم ومشاريعهم الطموحة، مثل الجسور الضخمة، ولكن كان يندر أن يفعلا شيئاً يستحق الذكر في هذا المجال أو ذاك. في المقابل، كانت تراس على استعداد للتخلص من كبار رجال الحكومة مثل السير توم سكولار نظراً لاحتمال أن يعيق أجندتها التنموية التي تشبه في مدى واقعيتها قفزة ماوتسي تونغ الكبرى للأمام.
برنامج إبطال الانحدار
إن المشكلة التي تواجه الزعماء الذين يتبنون برنامجاً لإبطال الانحدار هي أن التحديات التي تواجه بلدانهم تكون في العادة بالغة التعقيد ومتجذرة إلى الحد الذي لا يجدي نفعاً عمل شيء بشأنها. ولذلك فهم يلجأون إلى تحميل اللوم على كواهل الآخرين، من المهاجرين إلى صندوق النقد الدولي، كما هو متوقع حدوثه في حالة الحكومة الإيطالية الجديدة.
كرئيسة للوزراء، سوف يتوجب على جورجيا ميلوني أن تحافظ على تماسك تحالف من الأحزاب المتباغضة. بالرغم من أن السياسات الإيطالية والبريطانية تزداد تشابهاً، إلا أن الفرق بينهما هو أنه في بريطانيا تتواجد الفصائل المتناحرة داخل الحزب وليس خارجه.
اقرأ أيضا: الإسترليني يرتفع بعد تراجع بريطانيا عن خطة خفض الضرائب
قد تختلف روسيا وبريطانيا وإيطاليا عن بعضها البعض في مدى ما وصلت إليه من انحدار، إلا أن أياً منها لم تفلح في إفراز زعامات قادرة على التعامل مع ذلك الانحدار. ولكن بقدر ما هم عليه من سوء، فإن الوصوليين من أمثال جونسون وبيرلوسكوني أقل خطراً من بوتين – وربما أيضاً تراس – التي تعاني من قصر نظر لا يختلف كثيراً عن الحماقة الصرفة.
يخفق زعماء البلدان التي تعاني من انحسار قوتها وتراجع أدائها الاقتصادي في الأخذ بالحسبان أن تلك الإخفاقات تعتبر سبباً ممتازاً لعدم هز القارب. أي أنه ينبغي تجنب الصراعات العسكرية والصدمات المفاجئة.
لا ريب في أن أداء بوتين في أوكرانيا رديء، ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا لم تكونا أفضل أداء في العراق وأفغانستان. يندر أن يكون الانحدار الوطني بالسوء الذي يبدو عليه – إلى أن يحاول أحدهم إبطاله.