آراء ثقافية

"الكوميديا الإلهية جحيم الشرق والغرب".. دانتي بمذاق عربي

"الكوميديا الإلهية" من أهم أعمال الأدب العالمي- عربي21
"الكوميديا الإلهية" من أهم أعمال الأدب العالمي- عربي21
احتفت إيطاليا مع بقية دول أوروبا العام الماضي بالذكرى 700 لوفاة الشاعر الإيطالي دانتي أليغييري (المولود في فلورنسا في غرة يونيو 1265 والمتوفى في رافينا في 14 سبتمبر 1321)، الذي صنّفت ملحمته "الكوميديا الإلهية" من أهم أعمال الأدب العالمي و"أروع الملاحم الشعرية في القرون الوسطى، حيث تصف الواقع المخزي أو الخرافي الذي كان يسيطر عقول الناس آنذاك من أساطير الآلهة والعقائد الدينية والخيالات التي لا طائلَ منها. دانتي شرح سبب تسمية ملحمته بالملهاة، لانتقالها من الشقاء إلى السعادة.

وبعد مرور ربع قرن من نشرها جاء الأديب الروائي بوكاتشيو جيوفاني وأضاف "الإلهية" أي: التقديس والكمالية، حيث إنّ الملحمة اتّصفت بالطابع الديني ممزوجًا بالطابع الإنساني، وتعدّ مخالفة ملحمتَيْ هوميروس مستهدفة الإنسان بما فيه من فضائل أو رذائل، كتبها الشاعر بلغة عاميّة، لغة فلورنسا وبأسلوب يسير، قريبة إلى لهجة ربّات البيوت آنذاك".

كان من المفترض أن تشارك هذه المسرحية سنة 2021 في الذكرى المئوية السابعة لوفاة دانتي أليغييري، وهو المشروع العربي الوحيد الذي كان سيعرض في كافة المدن الإيطالية، عن الكوميديا الإلهية. المسرحية عرضت ضمن مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة وتناولها النقاد وخاصة نقاد نشرية المهرجان منوهين بها رغم عدم تتويجها.

Image1_1220222102332998418.jpg

المسرحية جاءت بمذاق شرقي أراد المخرج من خلالها أن يبرز وعي الشرق بالموت وما بعده، وسبق الغرب في ذلك. "الكوميديا الإلهية جحيم الشرق والغرب" عنوان يتنزل ضمن هذا التصور، تصور تبنته شركة "فن الضفتين" من خلال شراكة مع المركز الثقافي الايطالي بتونس، والمركز الثقافي والاجتماعي التونسي بروما، والمركز الجهوي للرقص باومبريا (ايطاليا)، وجمعية قرطاج موزاييك بروما، عبر تقديم وصياغة نص تونسية للأستاذ لسعد بن حسين القاص والمترجم ومدير بيت الرواية السابق في تونس. وقيل إن أليغييري أخذ عن أبي العلاء فكرة الملحمة ومضمونها في الملحمة الإلهية.

ويرى نقاد أن شهرة رسالة الغفران كانت رافدا غذى الكوميديا الإلهية، حيث تبدأ رسالة الغفران بخروج ابن القارح من القبر كسائر سكان القبور، تلبية لنفخة الصّور. كان دانتي مطلعا على رسالة الغفران "كما أكد لويس عوض، بل تأثّر بقصّة المعراج، ويبدو أن رسالة الغفران للمعرى كانت بين يدي دانتي، وقد قرأها عن ترجمة لاتينية ضائعة.  قامت رسالة الغفران على ثلاثة محاور رئيسة: الحياة الآخرة، الحديث عن الزندقة، المسائل اللغويّة والأدبيّة، ونجد قواسم مشتركة كثيرة بينها والكوميديا الإلهية، لكن الأمر لا يصل إلى حد التماثل. رسالة الغفران فن الملحمة أو خلافا للكوميديا الإلهية التي هي بناء شعري مبني على مائة نشيد.

شارك بالتمثيل في هذا العمل كل من بشير الغرياني، البشير الصالحي، محمد توفيق الخلفاوي، جميلة كامارا، محرز الغالي، شيماء العوني، هيثم البوغانمي، هادية عبيد، آدم الجبالي، كمال زهيو، هناء الوسلاتي، أحمد روين. 


Image1_12202221049837827232.jpg

أما التصميم الكوريغرافي فقد تكفل به لوكا بروني، فيما تولى تصميم ملابس ماريو فراريو، وأعد الموسيقى التصويرية زياد الطرابلسي. العمل ضخم ومكلف، ويتطلب طاقات بشرية، وهي مغامرة أقدم عليها المخرج حافظ خليفة، ممثل ومخرج تونسي خريج المعهد العالي للفنون الدرامية ومقيم بين تونس وإيطاليا، لفت عليه الانتباه بمسرحية "حس القطا" ثم "جوانح المحبة" ومع "طواسين"، بدأ يستلهم نصوصا مرجعياتها من التراث العربي للمعري، وابن حزم والحلاج، ثم قرر الجمع بين الشرق والغرب عبر مسرحية "الكوميديا الإلهية".

قسّم دانتي الكوميديا الإلهية إلى ثلاثة أقسام: الجحيم المطهّر، والجنة الأرضيّة والسماويّة، وتضمّ مئة أنشودة متكاملة، في الجحيم أربعٌ وثلاثون أنشودة، أمّا في المطهر والجنة فيحتوي كل منهما على ثلاث وثلاثين أنشودة.

"تبدأ رحلة دانتي بما هو مبغض ومزعج في بيئة الجحيم، حيث هناك وادي الظلمات ووادي العذاب الأليم، كما أنّها تقع في باطن الأرض البعيدة من سماء الآلهة، فتسقط الأرواح كالأوراق الجافة التي فارقت غصونها، فيعبرها دانتي مع الشاعر فرجيل رمز الحكمة الشعرية ويتجولان معًا في الطبقات السبع ثمّ يتصادفان بالدرك الأسفل حول بيئة الشيطان التي تقع في أبعد بقعة من الآلهة، وتعرف بمنطقة الزمهرير.


Image1_12202221139840156784.jpg

بعد مرور يومين من الرحلة يصل الشاعر إلى المطهر ويستغرق فيها أربعة أيام، فتتمثل له بجبلٍ في الأرض يقابل منطقة الجحيم وله قمة بارزة، يقع في مركز الأرض، والمطهر ذو سبع مناطق، وفيها المذنبون يكفرون عن ذنوبهم، يختلفون عن سكان الجحيم بأنهم قد تابوا إلى آلهتهم، ولذا فإنّ أملهم في النجاة يكاد يكون سبيلهم إلى النعيم، بحيث إذا نجت أرواح من المطهرين؛ ترحّلت إلى عالم الخلد والجنان، فيهتز الجبل كله ويصبح الجميع ممجدين، وفي قمة الجنة الأرضية تظهر حبيبته رمز الحب والجمال التي أحبها حبًا طاهرًا خالدًا، وهنا يودّع فرجيل ليصحب محبوبته في السماوات السبع ذات الكواكب المتحركة، ثم يطيران إلى عرش الآلهة حولها تسع دوائر من لهيب، فيها جوقات الملائكة تسبح للآلهة وعظمتها في ألوان ومناظر مبهرة، إلى أن يصلا إلى السماء العاشرة حيث تتكون من أربع مناطق تسكنها الأرواح الخالدة المضيئة".

رحلة دانتي في عالم الجحيم، كانت محور الاهتمام، حيث وادي الظلمات ووادي العذاب، وفيه تتساقط أرواح الناس، يعبر البطل الوادي مستعينا بالشاعر فرجيل رمز الحكمة، ويتجوّلان معا في الطبقات السبع من الجحيم.

المسرحية التي تنضح بمحاور الحب والخير والشر، حملت دانتي من الدرك الأسفل للجحيم وصولا إلى الجنة المرور بـ " المطهر". الضوء الساطع في آخر المسرحية كان إيذانا بإعلان انتصار المعرفة على الجهل. وللبحث عن المعنى كان لا بد له من لغة شاعرية ومكان غرائبي ليتحقق العبور إلى العالم الروحي بحثا عن المعنى والكمال. كان التكامل جليا التكامل حيث تناغمت شاعرية النص وجمالية الخشبة: المكان غرائبي عجائبي خارج عن المألوف، الضوء المبهر الساطع الذي صوّبه المخرج من الخشبة نحو الجمهور، أثناء مغادرة الممثلين للجحيم في اتجاه الجنة، لم يكن سوى قبس من العقل والمعرفة والحكمة للعبور نحو الجنة، ولا خلاص إلا من خلال النور المقدس، نور العقل والتبصر.

التعليقات (1)
نسيت إسمي
الجمعة، 02-12-2022 08:34 م
1 ـ (الكتاب: دانتي والإسلام.. سماوات الأنوار) السؤال الذي يُلخّص مضامين كتاب كامبانيني وهو ما معنى إسقاط المصدر التاريخي الذي استقى منه دانتي نص الكوميديا، أو لنقل البناء الكوسمولوجي للكوميديا بشكل أدقّ؟ ثمة نزوع في القراءة الإيطالية لإضفاء طابع الفرادة على نصّ دانتي، سيما وقد غدا الرجل العمدة والأساس الذي انبنت عليه الهوية اللّغوية الإيطالية. تفكيك الأسطورة الدانتية هو مسٌّ وانتهاك لتلك القداسة بحسب الموقف المحافظ. وقلّة من الكتّاب الإيطاليين ممّن تجرأوا، مثل ماسيمو كامبانيني، على إعادة اكتشاف دانتي، أي من حيث الإحاطة بمصادره وروافده في بناء نصّه. نشير أنّ مقاربة كامبانيني لدانتي لا تعني مسًّا من قيمة الرجل أو حطّا من إبداعه، بل بخلاف ذلك ثمّة إجلالٌ وتقديرٌ، وإنّما الشيء الذي أراد أن يصل إليه الرجل وهو ما يتلخّص في التساؤل التالي: ماذا سيتبقّى من دانتي بعد نزع الأسْطَرَة عنه؟ وذلك بعد كشف الأبعاد المستوحاة من فلسفة الفارابي وآراء ابن سينا وابن رشد بالخصوص. ففي نكران الأبعاد العميقة والجوهرية لنصّ دانتي، وهو ما يعني "التغافل" عن المخزون الفلسفي القوي الحاضر في نصّه، هو نزوع لفصل الارتباط الوثيق بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية سيما إبّان فترة الانتقال من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة .. هناك نقطة مهمّة يحوصل بها المؤلّف كتابه، وهي نابعة من إلمام كامبانيني المهمّ بالفلسفة الإسلامية جعلته يتنبّه إلى مصادر دانتي وإلى المسكوت عنه في مؤلفاته. في حديثه عن الروح العَقَدية الثالوثية لدى دانتي يقول: ليس الأمر مبنيّا على إثباتات "منطقية"، كما حاول أن يفعل ذلك القديس توما الأكويني، بل يقوم على أساس إيمانيّ أو على أساس الحقيقة المملاة من قِبل الكنيسة، وهو ما يتجلّى في نصّ الكوميديا في الكانتو الرابع والعشرين بخصوص الجنة. من جانب آخر يقول كامبانيني: جرى الاهتمام بالعلاقة الرابطة بين "الكوميديا الإلهية" والتراث الإسلامي، والواقع أنّ مختلف مؤلّفات دانتي، مثل "المملكة" و"المأدبة"، ترشح بهذا التأثّر الواضح. 2 ـ (رسم روسيتي في لوحات شهيرة) روسيتي من أندر من امتلك المواهب الثلاثة؛ النثر والشعر والرسم على نفس القدر من البراعة والإتقان، وانتشرت رسومه على المطبوعات والمنسوجات والزجاج الملون بصورة كبيرة .. ولا يمكننا الحديث عن روسيتي إلا والمدرسة الرمزية ملاصقة لسيرته الذاتية والتي تعني ترميز الأشياء من خلال اللون، وترميز الوضعية للحالة أيضًا وظهور الرموز الصغيرة والكبيرة في اللوحات والتي في معظمها رموز دينية أو أسطورية، وظهرت جلية في خلال لوحة "بياتريس المباركة"؛ وهي لوحة تذكارية رسمها بعد وفاة زوجته وكان هدفه الاحتواء الرمزي لوفاة بياتريس. في اللوحة، ترى لحظة صعود بياتريس إلى السماء. وكان لكل لون استعمله روسيتي معناه الواضح في الترميز؛ أي توصيل المعنى والحس دون المثالية في النقل .. لا يمكننا التغاضي عن هوس روسيتي باللون الأخضر ودرجاته واستخدامه في كل لوحاته تقريبًا، حيث كان يقوم بوضع جرار وقوارير اللون الأخضر حول سريره أثناء النوم باستمرار، وله جملة شهيرة إزاء هذا الأمر يقول فيها: "أنا أتنفس الأخضر ليلاً لتخضوضر لوحاتي في الصباح مثل العشب النامي على قبر حبيبتي"، يقصد هنا زوجته المتوفاة . 3 ـ (قصة دانتي وبياتريس) كانت بياتريس بورتيناري من فلورنسا وابنة أحد المصرفيين الأثرياء، والمحبوبة الأشهر للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري. معظم ما نعرفه عنها يأتي من أعمال دانتي. وفقًا للكاتب، كانت علاقتهما تجسيدًا للرومانسية والحب العذري، والذي غالبًا ما يكون سرًا ودون مقابل ويعتبر شكلًا منزهًا للغاية للإعجاب بشخص ما. ولكن من خلال معايير العصر الحديث، كانت العلاقة غير موجودة تقنيًا. قال أنه التقى بها مرتين فقط طوال حياته: في المرة الأولى عندما كان دانتي يبلغ من العمر تسع سنوات فقط، لكن ذلك لم يمنعه من الوقوع في حبها. في المرة الثانية والأخيرة، بعد ثماني سنوات في أحد الشوارع، بالكاد يتبادلان التحية المتواضعة في الشارع الفلورنسي. لكن الصورة المحيرة لبياتريس حملها خيال دانتي على مر السنين، ألهمت الكاتب لخلق أعماله الأكثر أهمية. حيث تمتلئ نصوص سيرته الذاتية برسائل حب لها، واختتم الكوميديا الإلهية بآية حداد لوفاتها، حيث تظهر كروح سماوية ترشده خلال رحلته إلى الحياة الآخرة. 4 ـ (النساء في حياة روسيتي) الشخصيات النسائية “ليزي، فاني، وجين” تركن تأثيرًا لا يمحى على عمل روسيتي الأدبي والفني. ومكنته من تقديم صورة أكثر إشراقًا وأكثر واقعية للحب والعواطف البشرية في اتزانها واضطرابها، استقامتها ونزواتها. وأخيرًا فقد برر روسيتي كون أعناق نساء لوحاته الطويلة ءسواء هؤلاء الثلاثة أو الأخريات في لوحاتهء بأنها ترمز للكبرياء والاعتداد بالنفس والتمنع والشفاه النضرة المرتفعة للإغواء وأن السيدات العصيات على الانقياد في العلاقات أيًا ما كان نوعها هن الأكثر إغراء واشتهاء وجدارة بالحب. تلك العبارة تذكرنا بقول شاعرنا الرومانسي نزار قباني: أحلى الشفاه التي تعصي .. وأسوأها تلك الشفاه التي دومًا تقول: بلى