مقالات مختارة

هستيريا التشويه الصهيوني لفوز الفريق المغربي

هيفاء زنكنة
1300x600
1300x600

منح الفريق المغربي متابعي بطولة كرة القدم، في أرجاء العالم، ساعات فرح نقية قلما يحظى بها الكثيرون، خاصة من ( الشعوب العربية والافريقية والمسلمة والأمازيغية). مع ملاحظة أن هذه التوصيفات ليست من عندي بل أنها خلطة مُسميات أُطلقت على الفريق المغربي، من قبل المشجعين والنقاد والمعلقين، كل حسب إنتمائه القومي والديني، إما اعتزازا بالانتماء أو مشاركة بالفوز أو «النصر»، المعروف بندرته في عالمنا.

كما نجح الفريق في توحيد مشاعر الفخر والاعتزاز بالانتماء والهوية بين المشجعين المماثل، الى حد كبير، بما ساد حول تنظيم البطولة، بالإضافة الى التعبير الجماهيري الرمزي، برفع الأعلام، الدال على حضور وتجذر عدالة القضية الفلسطينية. وهو إنجاز لم يغب عن أنظار أجهزة الإعلام الصهيونية، داخل كيان الاحتلال الصهيوني وخارجه، فشنت حملة مكثفة تجمع، بشكل مباشر وغير مباشر، وعلى مختلف المستويات، بين التشويه والتلفيق و «مظلومية الضحية الأبدية» المتناسلة عبر الأجيال.

وقد وجدت، عند قراءتي، عددا من المقالات المنشورة ضمن الحملة، خاصة تلك المنشورة على المواقع الصهيونية الأمريكية، التي تقدم نفسها كمؤسسات فكرية ومراكز سياسات « تفتخر بتحدي الأكاذيب والتحريفات السائدة عن إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، تركيزها على « المظلومية» وكونها ضحية عداء مستديم. وهو مفهوم استطاعت الحركة الصهيونية تسويقه عالميا قبل تأسيس الكيان الصهيوني ولاتزال بعد تأسيس الكيان بمسميات مختلفة، لعل مثالها الأبرز، أخيرا، ما وصفه مركز أمريكي صهيوني بأنه «الواقع الإسرائيلي للعيش وسط بحر من الرفض والعداء المطلق»، مشيرا بذلك إلى «مشاعر العداء والغضب التي تعرض لها المراسلون والصحافيون الإسرائيليون، في قطر، مما أجبر الكثيرين منهم على العودة إلى إسرائيل»، ومتباكيا بأن «جميع المراسلين والصحافيين الإسرائيليين تعرضوا تقريبًا للإذلال والعداء والتهديدات العلنية».

وتزخر الحملة الصهيونية بأمثلة ردود الفعل الجماهيرية ضد مراسلي الكيان الصهيوني أثناء «مهرجان الكراهية»، حسب التسمية الصهيونية لبطولة كأس العالم.

من بين الأمثلة التي نشرت، عبر الفيديو، استخدام الجمهور تعابير غاضبة على غرار : «أنتم غير مرحب بكم هنا. لا إسرائيل، فقط فلسطين!» و «لايوجد شيء اسمه إسرائيل». وكيف اضطر أحد المراسلين إلى القول بأنه من البرتغال وسارع مذيع إلى القول بأنه من الأكوادور إزاء استهجان الجمهور لوجودهم. واعتبرت «مؤسسات الفكر» الصهيونية حمل المشجعين للأعلام الفلسطينية ترويعا وترهيبا ضد المراسلين، في ذات الوقت الذي ترى فيه أن قتل الأطفال الفلسطينيين، وقصف وتهديم البيوت، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات الاحتلال ومنع الفلسطيني من العودة إلى وطنه، فعلا ضروريا للقضاء على الإرهاب وبيع بضاعة «السلام».

ولم تسلم قطر التي وافقت، حسب موقع «منتدى الشرق الأوسط» الصهيوني الأمريكي الذي يترأسه دانيال بايبس، على «استضافة المراسلين والمشجعين الإسرائيليين مؤقتا» من رذاذ الهجوم، فكان الاستطراد بأن الاستضافة تمت «على الرغم من موقف قطر المعروف المتمثل في الترويج للكراهية المعادية لإسرائيل ومعاداة السامية ودعم منظمة حماس الإرهابية»، وكيف أن الموافقة تمت بناء على طلب «غير قابل للتفاوض من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا) المنظّم للبطولة»، خاصة وأن قطر حصلت على دعم الاتحاد فيما يخص منع حضور المثليين. ويخلص موقع المنتدى إلى «أن الكراهية التي يعيشها الإسرائيليون في قطر هي عينة تمثيلية للدول ذات أسوأ أنواع الالتزام الثقافي والديني بمعاداة الصهيونية.

ومع ذلك، ليس هناك شك في أن مثل هذا العداء لم يكن ليحدث لولا السياسة والمناخ الرسميان المناهضان لإسرائيل الذي تصر قطر على الحفاظ عليه وتمويله محليًا وإقليميًا». يتعامى الموقع هنا في خلاصته عن ذكر أن شعوب الكثير من دول العالم، من بينها بريطانيا صاحبة وعد بلفور، وأمريكا الراعية الأولى للكيان، باتت، في العقود الأخيرة، جراء وحشية وعنصرية النظام الصهيوني، متهمة هي الأخرى، كما العرب والمسلمين، بمعاداة الصهيونية حينا والسامية حينا آخر وذلك لوقوفها بجانب نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني. لم تعد القضية الفلسطينية تقتصر على الشعوب العربية والإسلامية، كما يدّعي الصهاينة لتبرير جرائمهم، بل امتدت ليتم تبنيها كرمز عالمي لتحقيق العدالة، في أرجاء العالم، خاصة بعد نجاح وشعبية حركة المقاطعة الاقتصادية والثقافية.

لذلك كان من الطبيعي أن ترتفع درجة الهستيريا الصهيونية في حملة التزوير والتشويه، إزاء الحماس الجماهيري العارم لفوز الفريق المغربي، وإصرار الفريق على الربط بين الفوز الكروي الآني والأمل بالنصر الفلسطيني متمثلا برفع العلم واحتضانه عند كل فوز. ومن الطبيعي أن تزداد الهستيريا شراسة، فكل «ألف مبروك لأسود الأطلس»، « ومبارك لكم الفوز» على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الاتصالات الهاتفية واللقاءات العائلية والبرامج التلفزيونية والاحتفالات في الأماكن العامة، تحول تدريجيا إلى «مبارك لنا الفوز». صار عنوانا ونشيدا وأغنية واستعادة للأمل في الوحدة الجماهيرية والتحرر من عبودية الاحتلال الصهيوني في وقت تحاول فيه حكومات عربية إقناع الشعوب بأنها ضعيفة، بلا قدرة على التغيير، وأن الحل الوحيد هو التطبيع وتناول ما يرميه الغرب إليها من فتات «اتفاق أبراهام» بمباركة أمريكا.

هل صحيح أن ما عبر عنه لاعبو الفريق المغربي ومن قبله التونسي من حب للشعب الفلسطيني وإيمان بقضيته، عبر رفع العلم، ما كان سيحدث لولا «السياسة والمناخ الرسميان المناهضان لإسرائيل في قطر» كما يدّعي دعاة الحملة الصهيونية؟ لا أظن ذلك، فتحرير فلسطين مطلب يمتد عميقا في وعي الشعوب، كان قبل المونديال وسيبقى بعده، ثم أن مساندة القضية الفلسطينية ومناهضة الكيان الاستيطاني الصهيوني ليست جريمة تُشعر المرء أو الحكومات بالعار. إنها موقف مبدئي أخلاقي وانساني وقانوني يرفع الرأس فخرا واعتزازا ويُفرح القلوب كما فعل فريق أسود الأطلس، ونأمل أن يفعل دوما.

القدس العربي

التعليقات (0)

خبر عاجل