تقارير

مسيرة مؤرخين فلسطينيين لقضية عادلة وهوية متجذرة

وليد الخالدي ورشيد الخالدي.. نموذجان للمؤرخين الفلسطينيين المساهمين في ترسيخ هوية قضيتهم
وليد الخالدي ورشيد الخالدي.. نموذجان للمؤرخين الفلسطينيين المساهمين في ترسيخ هوية قضيتهم
يعتبر التأريخ بشقيه الشفوي والبحثي النظري لمسارات القضية الفلسطينية وتطورها، أحد أهم الأعمال التوثيقية الهامة والجوهرية للحفاظ على سيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية وتطورها ومنتوجات الشعب الفلسطيني المتعددة المشكلة لها؛ ولهذا نستحضر سيرة نموذجين من المؤرخين الفلسطينيين هما الدكتور وليد الخالدي والدكتور رشيد الخالدي.

وليد الخالدي

مؤرخ فلسطيني من مواليد عام 1925. تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد وكتب بإسهاب عن تهجير الفلسطينيين سنة 1948. وهو أحد مؤسسي مؤسسة الدراسات الفلسطينية، التي تأسست في بيروت في كانون الأول (ديسمبر) 1963 كمركز بحثي مستقل يركز على قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، وكان أمينًا عامًا له حتى عام 2016.

كان أول منصب تدريسي للخالدي في أكسفورد، وهو المنصب الذي استقال منه عام 1956 احتجاجًا على العدوان الثلاثي الذي شاركت فيه بريطانيا. كان أستاذًا للدراسات السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت حتى عام 1982، وبعد ذلك كان زميلا في مركز هارفارد للشؤون الدولية. كما قام بالتدريس في جامعة برينستون. وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم.


                                                                 وليد الخالدي

كان للخالدي تأثير ملحوظ في النطاق البحثي والتطوير المؤسسي والدبلوماسية. لعب عمله الأكاديمي على وجه الخصوص ـ وفقًا لرشيد خالدي ـ دورًا رئيسيًا في تشكيل ردود الفعل الفلسطينية والعربية على احتلال فلسطين، وساهم في تحديد الطرق التي يمكن لفلسطين من خلالها الحفاظ على بقائها في خريطة الشرق الأوسط.ولد الخالدي، وهو واحد من خمسة أبناء لوالديه، في القدس. كان والده، أحمد سامح الخالدي، عميد الكلية العربية في القدس، وينحدر من عائلة لها جذور في فلسطين تمتد حتى قبل الحروب الصليبية.

كانت والدته، عنبرة سلام الخالدي (4 أغسطس 1897 - مايو 1986)، ناشطة نسوية ومترجمة ومؤلفة لبنانية، ساهمت بشكل كبير في تحرير المرأة العربية. كان معلم الخالدي الأول مدير التعليم في فلسطين "جي بي فاريل". من إخوته غير الأشقاء المؤرخ طريف الخالدي وعالم الكيمياء الحيوية أسامة الخالدي.تخرج الخالدي بدرجة البكالوريوس من جامعة لندن عام 1945، ثم درس في جامعة أكسفورد، وحصل على ماجستير في الآداب، في عام 1951.

عمل بعد ذلك بالتدريس في كلية الدراسات الشرقية في أكسفورد، حتى استقال بعد الهجوم الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر عام 1956 ليتولى التدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت.

في الخمسينيات من القرن الماضي، كتب مقالتين عن عبد الغني النابلسي، وهو عالم صوفي وشاعر سوري كتب عن التسامح، ومارسه مع اليهود والمسيحيين الذين التقى بهم. وبتوجيه منه، تمّ إنشاء مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت عام 1963،وله سلسلة طويلة من الدراسات باللغتين الإنجليزية والعربية والعديد من الترجمات المهمة للنصوص العبرية إلى العربية منها: "تاريخ الهاجاناه"، ومذكرات ديفيد بن غوريون وشاريت. كما أنه أنتج أعمالاً مهمة عن سقوط مدينتي حيفا ودير ياسين. أشهر أعماله هي "قبل الشتات"، وهي مقالة فوتوغرافية عن المجتمع الفلسطيني قبل عام 1948، و"كي لا ننسى"، وهي مجموعة موسوعية لتاريخ القرى قام بتحريرها.

أصبح باحثًا مشاركًا في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد عام 1982. تمتد اهتماماته الفكرية الأخرى على نطاق أوسع، من التاريخ الأوروبي الحديث وحتى العلاقات الدولية. أما موقف الخالدي المعلن من القضية الفلسطينية هو حل الدولتين.

كتب في مجلة الشؤون الخارجية: "دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة ضمن حدود عام 1967 في ظل تعايش سلمي إلى جانب إسرائيل تعتبر كمفهوم هي المرشح الوحيد لتسوية تاريخية لهذا الصراع المستمر منذ قرن من الزمان. وبدونها سيبقى الصراع صراعًا مفتوحًا".

كان الخالدي ممثلا لفلسطين في الوفد الفلسطيني الأردني المشترك في محادثات السلام في الشرق الأوسط التي انطلقت في مؤتمر مدريد، قبل اتفاقيات أوسلو. على الرغم من ذلك، لم يشغل الخالدي أي منصب في منظمة التحرير الفلسطينية أو أي من هيئاتها.

رشيد الخالدي

ولد المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي في نيويورك في امريكا عام 1948 وهو من أصل مقدسي. يعمل بروفيسورا للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، ومديرا لمدرسة الشؤون الدولية والمحلية التابع لمعهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا.

أشهر كتب خالدي هو كتاب (الهوية الفلسطينية: بناء وعي قومي حديث) في عام 1997 وهو أكثر كتبه تأثيرا وانتشارا. يقول خالدي في كتابه: إن جذور الهوية الفلسطينية تكونت في أوائل القرن العشرين.

شغل رشيد الخالدي كرسي الأستاذ الراحل إدوارد سعيد للدراسات العربية في قسم التاريخ بجامعة كولومبيا. عملَ في السابق رئيساً لرابطة دراسات الشرق الأوسط، وكان مستشار الوفد الفلسطيني في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية المنعقدة في الفترة 1991 ـ 1993، وهو حالياً رئيس تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية.


                                                          رشيد الخالدي

وضع الأستاذ رشيد الخالدي عدة كتب منها: زرع بذور الأزمة: الهيمنة الأمريكية والحرب الباردة في الشرق الأوسط (2009)؛ القفص الحديدي: قصة النضال الفلسطيني من أجل الدولة (2006)؛ انبعاث الإمبراطورية: بصمات غربية ومسار أمريكا الخطير في الشرق الأوسط (2004)؛ الهوية الفلسطينية: بناء وعي قومي حديث (1997)؛ تحت الحصار: صناعة القرار داخل منظمة التحرير الفلسطينية إبان حرب 1982 (1986)؛ السياسة البريطانية تجاه سوريا وفلسطين، 1906-1914 (1980).

كما كتب أكثر من 90 مقالاً تتناول جوانب مختلفة من تاريخ الشرق الأوسط. حصل رشيد على درجة البكالوريوس من جامعة ييل في عام 1970،  حيث كان عضوًا في جمعية رأس الذنب،  ثم حصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة أكسفورد في عام 1974،  وبين عامي 1976 و1983 عمل الخالدي في التدريس بدوام كامل كأستاذ مساعد في قسم الدراسات السياسية والإدارة العامة في الجامعة الأمريكية في بيروت، ونشر كتابين وعدة مقالات كما كان زميلًا باحثًا في مؤسسة الدراسات الفلسطينية،  كما درّس في الجامعة اللبنانية.

أصبح رشيد ناشطًا سياسيًا في بيروت أثناء إقامته فيها خلال حرب لبنان عام 1982، وقال في مقابلة "كنت منخرطًا بعمق في السياسة في بيروت" في السبعينيات، واستُشهد بالخالدي في وسائل الإعلام خلال تلك الفترة تارة كمسؤول في وكالة الأنباء الفلسطينية وتارة أخرى كمتحدث باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما نفاه الخالدي، حيث أكد أنه ليس مُتحدثًا باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وأشار إلى أنه "تحدث كثيرًا مع الصحفيين في بيروت، الذين عادة ما يستشهدون به دون أن يصفوه كمصدر فلسطيني مطلع، ولا أعلم إذا أخطأ البعض في تحديد هويتي في ذلك الوقت"، وقد اختلفت المصادر حول علاقة الخالدي الرسمية بمنظمة التحرير.

بعد عودته إلى الولايات المتحدة أمضى عامين في التدريس في جامعة كولومبيا، قبل انضمامه إلى هيئة التدريس في جامعة شيكاغو في 1987، حيث أمضى ثماني سنوات كأستاذ ومدير لكل من مركز دراسات الشرق الأوسط ومركز الدراسات الدولية فيها، أثناء حرب الخليج الثانية وبينما كان يُدرس في جامعة شيكاغو برز الخالدي كواحد من المعلقين الأكثر تأثيرًا من مركز دراسات الشرق الأوسط".

وشغل منصب رئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية عام 1994، وعمل في التدريس في جامعة جورج تاون، وفي عام 2003 انضم إلى هيئة تدريس جامعة كولومبيا، ويعمل حاليًا أستاذ للدراسات العربية الحديثة. وثمة عدد كبير من المؤرخين الفلسطينيين وثقوا للقضية الفلسطينية بجوانبها المختلفة لتبقى الهوية الوطنية الفلسطينية وترسيخها هدفهم الاسمى .

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم