لقد اختار قيس
سعيد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر موعدا لـ"
انتخابات تشريعية"، وهو تاريخ
له دلالته عند
التونسيين بما هو يوم يؤرخون به لثورة الحرية والكرامة 2010. قيس
سعيد انتهج أسلوب "السطو" على الرموز والمصطلحات لتزيين انقلابه،
فاستعمل مفردات "الثورة" و"السيادة" و"الشعب"
و"الحرية" ليكتسب مقبولية لدى عموم التونسيين، كما قام بالسطو على
تواريخ لها دلالتها في تاريخ تونس ليتخذ منها مواعيد لمسارات انقلابه انطلاقا من
تاريخ عيد الجمهورية 25 تموز/ يوليو الذي اتخذه يوما لانقلابه على مسار ديمقراطي
وعلى برلمان شرعي وعلى مؤسسات دستورية منتخبة. لقد اتخذ من 20 آذار/ مارس، ذكرى
استقلال تونس، موعدا لـ"استفتاء" مزيف على "دستور" وضعه بنفسه؛
دون استماع لا إلى آراء رجال القانون الدستوري ولا إلى آراء رجال السياسة ممن لهم
عليه أسبقية النضال والتجربة.
ورغم أن
قيس سعيد
نصّب هيئةَ انتخابات ورغم خرقه للصمت الانتخابي صبيحة فتح مكاتب الاقتراع، فقد
كانت النتائج صادمة حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة وفق تصريح هيئة بوعكسر المنصّبة 8.8
في المائة، وهي أضعف نسبة عرفتها المواعيد الانتخابية منذ 2011. المعارضة تقول إن
النسبة الحقيقية هي في حدود 2 في المائة، وهو تقدير له ما يدعمه بالنظر إلى حالة
المقاطعة. وقد أكد مراسلو عديد المحطات الإذاعية أن مكاتب الاقتراع التي زاروها
كانت خاوية على عروشها إلا من أنفار قليلين.
النسبة الضعيفة لا يمكن فهمها على أنها موقف الناخب التونسي من المترشحين، فهم لا يعرفونهم أصلا لكونهم في الغالب نكرات وبدون تجارب سياسية ويفتقرون إلى أدنى ثقافة سياسية أو برامج عملية. تلك النسبة كانت في الحقيقة موقفا من مسار 25 تموز/ يوليو 2021، وموقفا من قيس سعيد شخصيا
هذه النسبة
الضعيفة لا يمكن فهمها على أنها موقف الناخب التونسي من المترشحين، فهم لا
يعرفونهم أصلا لكونهم في الغالب نكرات وبدون تجارب سياسية ويفتقرون إلى أدنى ثقافة
سياسية أو برامج عملية. تلك النسبة كانت في الحقيقة موقفا من مسار 25 تموز/ يوليو
2021، وموقفا من قيس سعيد شخصيا الذي تأكد فشله في تحقيق ما وعد به، بل على عكس
ذلك فقد تسبب في عزلة تونس خارجيا وفي فقدانها كل حظوظ التبادل التجاري والتعاون
الاقتصادي مع العالم الخارجي وخاصة مع شركائها التقليديين. لقد تسبب قيس سعيد في تقديم
صورة سلبية حول تونس، مما زاد في نفور المستثمرين ورجال الأعمال وفي تراجع صندوق
النقد الدولي عن وعوده بتقديم قرض -غير ذي أهمية- على أقساط تمتد لأربعة أعوام.
إننا نوشك في
تونس بعد ثلاثة أعوام من حكم قيس سعيد على أن نكون في دولة غير قابلة للتحكم وغير
قادرة على تصريف شؤون مواطنيها، بعد عجزها عن توفير ما يكفي من مواد غذائية أساسية
ومن أدوية.
نسبة المشاركة
الهزيلة كانت معاقبة صامتة من الشعب التونسي المسالم لرئيس جاء بانتخابات شفافة ثم
انقلب على الدستور وعلى ناخبيه، وأدمن على إلقاء خطابات التخوين والتشويه وبالغ في
التنكيل بمخالفيه أمام المحاكم بتهم لا يملك عليها دليلا.
كما اعتبر قيس سعيد يوم خروج الناس متظاهرين ضد المنظومة السابقة يومَ "تفويض شعبي" له كي يُقدم على الانقلاب، فعليه اعتبار يوم العزوف الواسع عن الانتخابات يوما لـ"سحب الوكالة"
لقد كان يوم 17 كانون
الأول/ ديسمبر 2022 يوما لـ"سحب الوكالة" من قيس سعيد، وهو الذي أكد
مرارا على حق الشعب في "سحب الوكالة" ممن لم يكن في مستوى المسؤولية.
وكما اعتبر قيس سعيد يوم خروج الناس متظاهرين ضد المنظومة السابقة يومَ
"تفويض شعبي" له كي يُقدم على الانقلاب، فعليه اعتبار يوم العزوف الواسع
عن الانتخابات يوما لـ"سحب الوكالة".
جبهة الخلاص
الوطني بقيادة الأستاذ أحمد نجيب الشابي عقدت ندوة صحفية عاجلة فور الإعلان عن
النتائج، ودعت فيها قيس سعيد إلى الاستقالة واعتبرته فاقدا للشرعية، ودعت الأحزاب
السياسية الأخرى واتحاد الشغل إلى حوار وطني يبحث فيما بعد قيس سعيد.
ما هي استعدادات جبهة الخلاص الوطني وبقية القوى المعارضة واتحاد الشغل حتى لا يتولى "طرف" خفي الانقضاض على اللحظة السياسية، وقيادة عملية "إنقاذ" حان وقت إنجازها بعد استنفاد قيس سعيد كل طاقته وحرق كل أوراقه
ثمة أسئلة يمكن
طرحها حتى لا نتعامل مع الحدث بعفوية وسطحية وحتى لا نستعجل إعلان الفرحة بخيبة
مسار قيس سعيد الانقلابي: ألم يكن ممكنا لهيئة بوعسكر الانتخابية تزوير الانتخابات
بشكل أوسع بما يجعل نسبة المشاركة المعلنة مقبولة وبما يضفي شرعية على برلمان قيس
سعيد القادم؟ لقد سبق لهيئة بوعسكر تزوير نتائج ما سمي بـ"الاستشارة الالكترونية"
وما سمي بـ"الاستفتاء على دستور الجمهورية الجديدة"، فما الذي منعها من
ممارسة تزوير واسع وهي هيئة منصّبة وقد بررت لمن نصّبها خرقه للصمت الانتخابي
صبيحة الاقتراع؟
هل تكون
"جهة" أو "جهات" تنتظر نتائج الانتخابات لتعرية قيس سعيد
بالصندوق ولكشف زيف شعبيته التي بنى عليها كل مساره حتى يتم "التصرف"
بما يقتضيه الحال، خاصة والبلاد تمر بمرحلة صعبة اجتماعيا وسياسيا؟ ما هي
استعدادات جبهة الخلاص الوطني وبقية القوى المعارضة واتحاد الشغل حتى لا يتولى
"طرف" خفي الانقضاض على اللحظة السياسية، وقيادة عملية
"إنقاذ" حان وقت إنجازها بعد استنفاد قيس سعيد كل طاقته وحرق كل أوراقه،
وإنجاز كل ما هو مطالب به لتمهيد الطريق إلى "بديل" سيستفيد من قلق
الناس لبسط نفوذه بأسلوب أكثر شراسة مما حاول فعله قيس سعيد بتوجيه من غرفة
الانقلاب؟
twitter.com/bahriarfaoui1