الجزائر بين سعيد والمعارضة التونسية وسياسات الهيمنة الدولية

مرة أخرى، تحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن تونس في حوار إعلامي صريح. وجاء حديثه مختصرا ومكثفا لخص فيه الرؤية الجزائرية الرسمية لهذه العلاقات الثنائية، ورسم الثوابت الخمسة التي تحكم هذه العلاقة.

يتمثل الثابت الأول في قوله "تونس لن تنهار، وستخرج منتصرة من أزمتها". فهو مدرك أن تونس تمر بأزمة خطيرة وشاملة، لكنه أراد أن يبعث برسالة أمل من خلال التأكيد على كونه واثقا بأن تونس ستتغلب على هذه الأزمة. فالجزائر مدركة أن أمن البلدين مترابط جدا، وأنه في حال انفجرت الأوضاع في تونس لأسباب سياسية أو اقتصادية وأمنية، فإن جارتها الغربية ستكون عرضة للتداعيات والمخاطر. وبما أن الرئيس تبون استعمل "لن" الزمخشرية، فإن ذلك يتضمن "التزاما رسميا" بأن القيادة الجزائرية قررت الوقوف إلى جانب تونس، وأن تبون عازم على دعم صديقه قيس سعيد في هذه الظروف الصعبة. وما الاتفاقية التي عقدت بين البلدين، والتي لا يزال معظم التونسيين يجهلون فحواها، إلا دليل على هذا الدعم الموعود.

بما الرئيس تبون استعمل "لن" الزمخشرية، فإن ذلك يتضمن "التزاما رسميا" بأن القيادة الجزائرية قررت الوقوف إلى جانب تونس، وأن تبون عازم على دعم صديقه قيس سعيد في هذه الظروف الصعبة. وما الاتفاقية التي عقدت بين البلدين، والتي لا يزال معظم التونسيين يجهلون فحواها، إلا دليل على هذا الدعم الموعود

أما الثابت الثاني ففي قوله "خلي تونس تحل مشاكلها والجزائر موجودة في حال تم طلب المساعدة". هذه المسألة مرتبطة بسابقتها، لأن هناك أكثر من طرف في الجزائر لا يقبل أن تعتمد تونس كليا، وتحديدا الرئيس سعيد، على جارته الغربية لتتحمل معه وعنه الأعباء المالية المتراكمة. وتقول هذه الأطراف إن الشعب الجزائري الذي يواجه عديد الصعاب هو الأولى بالدعم. لهذا أكد تبون على أن التونسيين وفي مقدمتهم السلطة عليها أن تتحمل المسؤولية، وأن تبحث عن الحلول، ثم يأتي في درجة ثانية طلب المساعدة عند الحاجة. وفي كل الأحوال لا يتعلق الأمر بهبة أو مساعدة بدون مقابل.

يتجلى الثابت الثالث في إشارته إلى أن الجزائر "لن تتدخل في الشؤون الداخلية لتونس"، وهي مسألة جد حساسة. فهو يعلم كرئيس له مصادره، أن التونسيين عموما يدركون أهمية العلاقة مع الجزائر، لكنهم في الآن نفسه يتخوفون منذ حكم الرئيس بورقيبة من كل سياسة قد تحشرهم ضمن الاستراتيجية الجزائرية. لهذا السبب استجاب بورقيبة لمعظم طلبات الجزائر في بداية الاستقلال مقابل الحفاظ على استقلالية القرار التونسي. من هنا كان من الطبيعي أن يوجه تبون رسالة طمأنة إلى الفاعلين التونسيين من خلال التأكيد على أن الجزائر لا تنوي الهيمنة على تونس والعمل على إخضاعها، إذ إن هناك من التونسيين من اعتقدوا بأن استقبال الرئيس سعيد لزعيم البوليساريو خلال القمة اليابانية الأفريقية جاء بطلب أو ضغط ضمني من الجزائر، وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات التونسية المغربية.

في المقابل، لن تسمح الجزائر "بالتدخل في شأن تونس؛ لا لأنفسنا ولا لأي طرف آخر". فالرئيس تبون مدرك تماما أن تونس أصبحت مجالا للتدخل من قبل أطراف دولية عديدة نظرا لتراجع وزنها وتعدد الجهات الطامعة فيها، ويعلم أيضا مدى خطورة ذلك على الجزائر تحديدا. لهذا رفع "فيتو" في وجه هذه الحكومات، بما في ذلك أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي. فتدويل الملف التونسي من شأنه أن يخلط معظم الأوراق بكامل منطقة المغرب العربي.

أما الثابت الرابع في السياسة الخارجية للجزائر تجاه تونس، فيتمثل في قول الرئيس تبون "نكّن كل الاحترام للشعب التونسي بكل أطيافه"، وأثنى بالخصوص على الطبقة السياسية في تونس التي وصفها بـ"الوطنية والواعية"، خلافا لما ذهب إليه سعيد في أكثر من مناسبة.

يرفض أن يورط الجزائر في لعبة الفرز والتقسيم واستقطاب الولاءات. يعلم جيدا تعقد الخارطة السياسية والحزبية التونسية وكذلك الاجتماعية والمدنية، لهذا أكد على أن النظام الجزائري يتخذ نفس المسافة من جميع الأطراف، ويحترم الجميع بمن في ذلك حركة النهضة

إنه موقف صائب ومتزن وذكي، فهو يرفض أن يورط الجزائر في لعبة الفرز والتقسيم واستقطاب الولاءات. يعلم جيدا تعقد الخارطة السياسية والحزبية التونسية وكذلك الاجتماعية والمدنية، لهذا أكد على أن النظام الجزائري يتخذ نفس المسافة من جميع الأطراف، ويحترم الجميع بمن في ذلك حركة النهضة التي كانت تربطها بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة علاقة قوية، ويبدو أن الأمر لم يتغير كثيرا رغم الصداقة التي تجمع بين رئيسي البلدين. وحتى لا يثير حفيظة الرئيس التونسي، أشار تبون إلى أن "قيس سعيّد إنسان نزيه ومثقف"، وكأنه ضمنيا يدعوه إلى عدم الذهاب بعيدا في اشتباكه الحالي مع الإسلاميين، حيث إن هناك موقفا دوليا واسعا حول التأكيد على عدم التورط في قمع شامل لحركة النهضة؛ نظرا لوزنها وأهميتها في المشهد التونسي الراهن.

وختم تبون تصريحه بالتأكيد على قوة العلاقات الثنائية قائلا: "لن ننسى أنها القاعدة لثورتنا المجيدة، وتونس منذ الاستقلال إلى اليوم لم تضر الجزائر". وتكتسب هذه الإشارة أهمية خاصة إذا تم ربطها بالضغوط التي تمارس على تونس من أجل استدراجها نحو سياسة التطبيع، فالجزائر قلقة من موافقة الكونغرس على تعيين "جوي هود" سفيرا للولايات المتحدة بتونس، وهو الذي لم يُخفِ أن من بين أهدافه الدفع نحو تقريب المسافة بين تونس وتل أبيب، وهذا من شأنه أن يضع الجزائر في وضع إقليمي حرج وخطير على أمنها القومي.