بدأنا الأسبوع الماضي التذكير بسلسلة الأحداث الأكثر من مأساوية؛ التي حاول
فيها التيار الوطني بمكونه المخلص -وبعضه الأبرز أحد مؤسستي الدولة- إزالة حسني
مبارك، فتورط خلال عام ونصف العام فحسب في مجيء الجنرال الحالي الأكثر سوءاً منه. ونواصل
النقاط التي نراها أبرز وأكثر مرارة، وصولاً لمحاولة وضع "نقطة بأي سطر مفيد
مناسب" لإفاقة البلاد والعباد من الحال المستعصي الحالي:
11- أسرّها الجيش (المؤسسة الأولى بالبلاد والرسمية شبه الوحيدة) في نفسه إذن
منذ آذار/ مارس 2011م لما رأى إصرار شباب الثورة على انتخابات ديمقراطية، فأبدى
مرونة وتقبلاً للفصيل المؤسسي غير الرسمي القابل للوصول إلى الحكم، لم يستفد
الأخير من تجربته المريرة في 1954م، فتقبل التكرار بحسن نية. تداعت الأحداث عليه
منذ استفتاء آذار/ مارس 2011م، مروراً باستبعاد مرشحين أقرب للتوافق داخلياً
وخارجياً (الراحل الدكتور أحمد زويل بداية ونموذجاً).
12- جاء الرئيس محمد مرسي للحكم مكتوف اليدين والقدمين، مكبلا بدولة تعمل
بأقصى كفاءة ضده ومؤسسات تمهد لاعتقاله وحزبه وفصيله؛ بالإضافة لمعارضة تسير
بمنظومة استدعاء الشيطان لإفشاله.
13- قرّب الرئيس الراحل وزير دفاع أجاد التمثيل أمامه وادعاء التدين، وتكاتف
18 عضواً في المجلس أكبر منه سناً لإفهام مرسي أن الرجل/ الجنرال ضدهم. غرَّر الأخير
بالجميع -إضافة للقوى الوطنية المدعاة- واستمال الخارج، واستجاب لمخابرات إقليمية
ودولية حتى استطاع تفريق الجميع في الداخل والعصف بالتجربة الديمقراطية الوليدة
الغضة الطرية الخضراء بما تعنيه من مثالب وطموحات.
14- أتم الجنرال تغريره بوعد البسطاء بالرخاء الذي لم يأت منذ الراحلين محمد
علي وجمال عبد الناصر.. استجاب الكثيرون على أمل بعودة الاستقرار خاصة مع
الأزمات
المتلاحقة التي عانت
مصر منها، لرغبة بالمحيطين العربي والدولي في إفشال مرسي، فضلاً
عن شيء من عدم الخبرة شاب المحيطين بالأخير. فرغم أمانته الشديدة -رحمه الله- لكن
دون أن يؤتى من القوة ما يناسب التحديات المحدقة به، مع اعتقاد البسطاء أو بسطاء
الثقافة والفهم مهما علت وارتقت بهم المناصب أن المؤسسة العسكرية هي الوحيدة
القادرة على لمّ شمل البلاد وإعادة الاستقرار إليها، ومن هذه الزاوية تحديداً
استمد الجنرال صلاحيته للحكم!
15- أخر الرئيس مرسي أمله في استطاعته لملمة فوضى الحالة المصرية، وكان من
المفيد أن يخرج للجماهير معلناً أن التحديات والمعوقات تزيد عن قدرته على البقاء
أو إمكانية التحكم بمقدرات البلاد، كما وعد عند توليه السلطة.
16- قصرت الخبرة في الحفاظ على التجربة الديمقراطية كلها، فلم يدرك الفصيل
المؤسسي غير الرسمي الحاكم بعد نحو عام أنه يُنزع من الحكم إلا في الساعات الأخيرة
من الانقلاب، وبالتالي جاءت القرارات متأثرة بعنصر المباغتة والسرعة وفرط ثقة
الطرف الآخر به، مما سهل على المُدبرين إتمام ما بدأوه!
17- لجأ الفصيل المؤسسي المغادر للحكم مضطراً بعد القبض على أبرز قدراته
البشرية وإصابته بالشلل المالي؛ إلى تكرار تجربة 25 يناير من استنفار اعتصام مماثل
متناسياً سياقه الداخلي والمحلي والدولي، لكن ضاق المكان بهم فاختاروا رابعة
والنهضة -رحم الله شهداءهما وخفف عن مبتليهما- فكانت النتيجة بالغة المأساوية.
وكان هذا في القاهرة الكبرى وحدها، أما على مستوى الجمهورية فشهدت ميادين أخرى
كثيرة مواجهات حسمتها سذاجة التفكير وتعجله وعدم منطقيته، وإلمام المؤسسة العسكرية
بالموقف وفرط قوة التابعين للجنرال والموالين للمصلحة منهم!
18- رفض الفصيل المؤسسي -الذي كان حاكماً- نفسه التنازل عن شرعية حكمه أو
الاعتراف بالنظام المدعوم محلياً ودولياً، مؤثراً موقفاً أخلاقياً أدى لمزيد من
سجنه والتنكيل به ومطاردته، بالإضافة لوقوع هذا الفصيل في نفس خطيئة محاولة إعادة
سيناريو 25 يناير، مما أدى بالنظام وحلفائه للجوء للمخطط البديل وهو العصف به
ومؤيديه بدعاوى الإرهاب، وبقية المنظومة الكلامية المحفوظة والمعروفة!
19- تمكن الجنرال من الحكم والانفراد بحكم البلاد والتلجج وتذبذب الوعود،
ومع انسحاب أبرز القوى المناوئة سلمياً له زادت معاناة المصريين وتفاقمت، ازدادت
الأسعار والديون، استفحلت الأزمات، انعدمت الحريات، دفنت الديمقراطية برضا رسمي
عالمياً، أصبح الوضع داخل البلاد لا يطاق.
20- استمر الجنرال في منهجه التدميري المستهين بالدولة وشعبه ليقينه بأن
المصريين على مدى زمني متقارب لا يريدونه ولو استطاعوا لتخلصوا منه في أقرب فرصة،
فأيقن النظام ألا ظهير له يمكن أن يحميه، فتمادى في الظلم أكثر.
21- انشغل كبار المقاومين السلميين المفترضين -بما فيهم ثلة من المؤسسة
التي كانت حاكمة سابقاً- بتأمين حياة أنفسهم موقنين بأن مقولتهم وخططهم للحفاظ على
ما تبقى من مصر فشلت كلها، تركوا نحو 100 ألف معتقل يذوون ويكادون يغادرون الحياة،
والملايين يعانون، لم يعد من خطاب من الأساس لحل الأزمة، والقضاء على النظام
الفاسد، وبدلاً من هذا عمدوا لمزيد من الخلافات لإلقاء تبعة ما يحدث على بعضهم
البعض.
أما كيفية الخروج من كل هذا فيلزمه -عفواً مع بالغ التواضع- إعادة قراءة
المقال من بدايته، فلا نعد ولا نأمل ولا نتطلع لما لا نستطيع، نراعي الله في
أنفسنا وآمالنا وأحلامنا، نوقن بأن السياسة "علم له أصول وفنون ومكائد"؛
ولا تعرف الأخلاق إلا ظاهرياً حتى تتمكن أمتنا حضارياً فتستعيد الرحمة، ولكن دون
هذا مجهودات بالغة التكثيف يبدو أن بيننا وبينها أمداً بعيداً.. نتعلم أن الدماء
أمرها خطير ومؤثر ومؤسف وإهراقها على يد الظلمة ووقوفنا عاجزين في مصر كما اليمن
وسوريا وغيرهم يفقدنا أعز ما نملك ويفقدنا قدراتنا دنيوياً وأخروياً.
فيجب أن نتعامل مع المواقف بشرف كافٍ، نقدر للخطو قبل موضعه، وما نراه مهيناً
اليوم قد نقبله مضطرين خوفاً من الأكثر إهانة غداً، حتى يأتي موعد البداية الحقيقي
غير المزيف!