كتاب عربي 21

قبل الارتطام الكبير.. تونس إلى أين؟

صلاح الدين الجورشي
أعلن سعيد حربه على اتحاد الشغل خلال زيارته لوحدات عسكرية- الرئاسة (أرشيفية)
أعلن سعيد حربه على اتحاد الشغل خلال زيارته لوحدات عسكرية- الرئاسة (أرشيفية)
ما زلت أذكر كتابا تحت عنوان "اللا عقلانية في السياسة العربية" لمؤلفه ياسين الحافظ، قرأته وأنا في مرحلة الشباب. استحضرت العنوان وأنا أتأمل ما آلت إليه الأحوال في تونس، وكيف يدار الشأن العام فيها.

فالبلاد أصبحت على مشارف الإفلاس، وهذا ليس ادعاء بالباطل أو تحاملا على الرئيس، وإنما هو معطى ثابت ومتفق عليه جاء ليؤكد مختلف المؤشرات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية التي انهارت بشكل متسارع. في مثل هذه الحال كيف يجب أن تتصرف كل سلطة تواجه وضعا شبيها؟

الرئيس سعيد مشغول في هذه الظروف السيئة والعصبية بالملفات التالية:

هو بصدد وضع اللمسات الأخيرة على البرلمان الجديد الذي تم انتخابه بنسبة ضعيفة جدا وغير مسبوقة في تاريخ البرلمانات في العالم، وهو ما أثبتته صحيفة نيويورك تايمز. ولم يفز في هذا المجلس معظم المقربين من قيس سعيد بسبب الشروط المعقدة التي وضعها في القانون الانتخابي؛ حرصا منه على إبعاد الخصوم بمختلف درجاتهم وأحجامهم.

المسألة الثانية التي تشغل الرئيس سعيد هي مواصلة تضييق الخناق على خصومه أو المتنطعين الذين لم يفهموا دورهم في النظام الجديد. من بين هذه الأطراف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي جاء دوره لتحجيمه وإخضاعه للضوابط الرئاسية، ولَم يكن من الصدفة أن يعلن الرئيس الحرب على الاتحاد من داخل ثكنات العاصمة

وهذا البرلمان الذي لن تأخذه الأطراف الداخلية والخارجية بجدية، خاصة وأنه منزوع الصلاحيات، لا يتمتع بأي قدرة فعلية مقررة في البرلمانات الديمقراطية. حتى الرئيس نفسه علق على النسبة المئوية المتدنية بقوله إن ذلك دليل على عدم إيمان التونسيين بجدوى البرلمان!

أما المسألة الثانية التي تشغل الرئيس سعيد فهي مواصلة تضييق الخناق على خصومه أو المتنطعين الذين لم يفهموا دورهم في النظام الجديد. من بين هذه الأطراف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي جاء دوره لتحجيمه وإخضاعه للضوابط الرئاسية، ولَم يكن من الصدفة أن يعلن الرئيس الحرب على الاتحاد من داخل ثكنات العاصمة. حصل ذلك في وقت كانت القيادة النقابية تستعد فيه بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني لتقديم مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة. وبلغ الأمر بالسلطة حد إرسال عناصر أمنية إلى اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد، وذلك في استعراض للقوة يحصل لأول مرة منذ رحيل الرئيس ابن علي.

فسعيد ليس سوى واحد من الذين يعتقدون بأنهم سيقدرون على تقليم أظافر الاتحاد بحجة فصل النقابي عن السياسي، لكن سعيد إذا أصر على ذلك فإنه سيزيد من عزل نفسه أكثر فأكثر، وقد يعجل ذلك بتوسيع دائرة المواجهة الاجتماعية والسياسية أيضا.

تونس قد فقدت عقلها السياسي وأصبحت تخضع كليا لنوع من العبث الذي يطال حاليا الدولة والدخل القومي والتوازنات المالية ومرتكزات المجتمع المدني. وما يُخشى حقا هو أن تؤول الأوضاع في النهاية إلى فتنة تخلف وراءها آثارا عميقة في الأنفس والعمران

هكذا يتبين أن الأوضاع في تونس تزداد سوءا وغموضا. فالاقتصاد تتقاذفه القرارات المرتجلة والخاطئة مما جعل المؤسسات الدولية توجه التحذير تلو التحذير، حتى أصبحت البلاد على حافة الإفلاس.

وهو ما أكد بكل وضوح أن تونس قد فقدت عقلها السياسي وأصبحت تخضع كليا لنوع من العبث الذي يطال حاليا الدولة والدخل القومي والتوازنات المالية ومرتكزات المجتمع المدني. وما يُخشى حقا هو أن تؤول الأوضاع في النهاية إلى فتنة تخلف وراءها آثارا عميقة في الأنفس والعمران.

لا أحد قادر اليوم على إيقاف قطار الرئيس الذي تزداد سرعته نحو هدف لا يعلمه إلا هو، لكن عند الوصول يُخشى أن تكون تونس التي عرفناها رغم كل النقائص والثغرات والعثرات والمؤامرات؛ قد تلاشت وأصبحت كيانا مهشما. فهل يتوقف القطار أو على الأقل يغير اتجاهه قبل الارتطام الكبير؟
التعليقات (1)
متابع
الإثنين، 06-02-2023 06:21 م
كأنه موكل بنتونس لتدميرها، لن يتوقف القطار، وسيرتطم قطعا، وأرى أنه مقبل على حل النقابات، واشتعال البلد؛ فهو رجل غير سوي ويعاني من سايكوباتية مقيتة ودهمائية قذرة، وهو إلى الجنون أقرب منه إلى العقل... كل تصرفاته تشي بضيق أفق وتفاهة وقلة حيلة وهشاشة ونزق وعناد بلا معنى سوى التمكين لنفسه. أقسم أن بن علي أشرف منه.. على الأقل بن علي كان واضحا وإن شاب تصرفاته الكثير من الخسة والجبن.