قضايا وآراء

التغول الصهيوني والخيارات الفلسطينية

محمود النجار
الأناضول
الأناضول
يلاحظ المتابع للشأن الفلسطيني حجم الإجرام الذي تمارسه قوات الاحتلال تجاه الفلسطينيين بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الفاشية مؤخرا، وما نتج عن ذلك من قتل بدم بارد، ومن هدم للبيوت ومحاصرة لبعض المناطق في الضفة الغربية ومصادرة للأراضي والشروع في بناء مستوطنات جديدة، والتحريض على سكان القدس، إضافة إلى كثير من الإجراءات التصعيدية الأخرى، وذلك بدعم من اليمين المتطرف الذي يعزز وجوده بين صفوف المستوطنين والمتطرفين الحاقدين على كل ما هو فلسطيني أو عربي أو مسلم، والذين لا ينفكون يطلقون التهديد والوعيد، ويعبرون عن تطرفهم بكل الوسائل المتاحة.

وفي الأثناء يبدو موقف السلطة الفلسطينية صعبا ومرتجفا؛ فهي واقعة بين الالتزام بالشق الخادم للمصالح الإسرائيلية من اتفاقية أوسلو وتفاهماتها اللاحقة معه، وبين القلق من فقد ما تبقى من مؤيديها، وخصوصا من أبناء حركة فتح الذين خرج كثير منهم عن الطوق في عملية تمرد تتفاقم وتيرتها يوما بعد يوم، وخصوصا في منطقتي جنين ونابلس، فهم في النهاية فلسطينيون، ولا يمكنهم أن يقفوا متفرجين على انتهاكات قوات الاحتلال تجاه أهلهم وإخوتهم في المصير.

يبدو موقف السلطة الفلسطينية صعبا ومرتجفا؛ فهي واقعة بين الالتزام بالشق الخادم للمصالح الإسرائيلية من اتفاقية أوسلو وتفاهماتها اللاحقة معه، وبين القلق من فقد ما تبقى من مؤيديها، وخصوصا من أبناء حركة فتح الذين خرج كثير منهم عن الطوق في عملية تمرد تتفاقم وتيرتها يوما بعد يوم، وخصوصا في منطقتي جنين ونابلس

وقد كان لقيام السلطة باللجوء إلى هيئة الأمم المتحدة ثم إلى محكمة العدل الدولية أثر سيئ عليها؛ حيث قام الاحتلال بعملية انتقامية، وذلك بمنع تسليم السلطة المبالغ المستحقة لها من الضرائب والرسوم الجمركية، وهو ما سيؤثر بالغا على السلطة التي تعتمد على هذه المبالغ في دفع الرواتب وتسيير الوزارات، إضافة إلى مخصصات أسر الشهداء.

وقد أشارت التقارير الإخبارية إلى خطورة هذه الإجراءات الصهيونية التي أضعفت موقف عباس والسلطة، ووضعتهما في موقف صعب أمام الجماهير الفلسطينية الغاضبة، لا سيما بعد أن أعلن عباس عن وقف التنسيق الأمني، وهذا ما يعده الاحتلال خطا أحمر؛ فالاحتلال يطالب بشراسة بما يصب في مصالحه، ويتجاهل مصالح الفلسطينيين، ويضرب بها عرض الحائط، ويتنصل من الاتفاقات التي نصت عليها معاهدة السلام، وما تلاها من تفاهمات، تلك التي أخذت شكل القوانين الملزمة ما دامت في مصلحته، بينما لا يعبأ بالشق الذي يصب في مصلحة الجانب الفلسطيني، وهو وحده من يقرر ما يكون وما لا يكون، مندفعا بغرور القوة وقدرته على الخروج من المساءلة الدولية من خلال الضغوط التي يمارسها على الأشخاص والدول، مستعينا بأصدقائه في أوروبا والولايات المتحدة؛ متجاهلا القرارات الدولية، وبيانات منظمات حقوق الإنسان المنددة بإجراءاته، وغير مكترث بالجانب الإنساني للشعب الفلسطيني الذي يئن على مسمع العالم وبصره، ولا يجد له نصيرا في عالم يزن بموازين عدة؛ فما هو حرام هنا، حلال هناك، وما هو حلال هنا، حرام هناك. وتقع أشد أنواع التمييز في الحقوق على عاتق الشعب الفلسطيني الذي اعوجّ ميزان قضيته، ولم تنصفه موازين البعيد ولا القريب.

إن الخيارات المطروحة أمام السلطة الفلسطينية محدودة، ولا تخرج عن ثلاثة خيارات؛ أولها: الإذعان لمطالب الكيان الصهيوني المدعومة بالدبلوماسية الأمريكية، بأن تعود السلطة للتنسيق الأمني، وأن تتولى ملاحقة حملة السلاح من الشباب الفلسطيني الغاضب، وبذلك ستتورط السلطة مع أبناء شعبها، وستخسر كثيرا من رصيدها المتآكل أصلا.. وثانيها: أن تصر على موقفها، فتبقي على وضع القطيعة الأمنية؛ فتعمد قوات الاحتلال إلى تجميد أموال الضرائب والرسوم الجمركية، وتتحرك للتخلص من محمود عباس المنتهية ولايته منذ سنوات طويلة، واستبداله بآخر يتعهد بالانبطاح الكلي لقرارات وتوجيهات المحتل.. وثالثها: الانتظار على أمل أن تسقط حكومة نتنياهو الآيلة للسقوط فعلا..

لأول مرة منذ عشرات السنين، يجتمع اليمين واليسار في جبهة واحدة ضد نتنياهو وحكومته الهجينة؛ ففي حين يتفق اليسار واليمين على معارضة إجراءات الحكومة المتطرفة وخصوصا فيما يتعلق بالتعديلات القانونية بحيث يتم تجريد المحكمة العليا من صلاحياتها؛ يحشد اليمين المتطرف قواه لمواجهة المعارضين، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهات ربما تتطور إلى حرب أهلية

ويبدو الخيار الثالث للسلطة هو الأكثر صوابا؛ حيث يتعرض نتنياهو لمشاكل مركزية كبرى، قد تطيح بحكومته، والمتمثلة في حجم المعارضة الداخلية، والتظاهرات الضخمة، التي لا تهدأ حتى تعود من جديد، حيث لأول مرة منذ عشرات السنين، يجتمع اليمين واليسار في جبهة واحدة ضد نتنياهو وحكومته الهجينة؛ ففي حين يتفق اليسار واليمين على معارضة إجراءات الحكومة المتطرفة وخصوصا فيما يتعلق بالتعديلات القانونية بحيث يتم تجريد المحكمة العليا من صلاحياتها؛ يحشد اليمين المتطرف قواه لمواجهة المعارضين، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهات ربما تتطور إلى حرب أهلية، أو ربما تصل الاحتجاجات إلى العصيان المدني الذي سيشل مرافق الدولة، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الحكومة.

لكن على الصعيد الشعبي، ثمة خيارات راديكالية، لا علاقة لها بالدبلوماسية ومطالب الكيان المحتل وتوجيهاته، تتمثل بالتصعيد داخل الضفة الغربية بدعم من قطاع غزة؛ تحركه نار الانتقام للشهداء الذين يسقطون بشكل يومي؛ بما قد يشكل انتفاضة ثالثة تلوح شرارتها في الأفق؛ وما العملية التي نفذها الشاب خيري علقم التي نجم عنها مقتل سبعة صهاينة وجرح عشرة آخرين إلا دليلا صارخا على استعداد الشباب الفلسطيني لمزيد من العمليات التي يُتوقع أن تزداد وتيرتها، على الرغم من الاستنفار الأمني الضخم للشرطة والقوات المسلحة الإسرائيلية..

في ظل الحالة المتوترة في الأرض المحتلة على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث الطوق الأمني المحكم على الضفة الغربية ومحاصرة منطقة أريحا التي فقدت سبعة من أبنائها على يد قوات الاحتلال صباح أمس الاثنين، بعد تبادل لإطلاق النار استمر لساعات في مخيم عقبة جبر الواقع جنوب غرب مدينة أريحا، على بعد ثلاثة كيلومترات من مركز المدينة، كما قامت القوات المهاجمة بأسر ثمانية من الشباب المقاوم.. وحيث الإجراءات العنصرية الجديدة ضد الأسرى الفلسطينيين التي صادق عليها الكنيست في 25 كانون الأول/ ديسمبر؛ فإن الأوضاع ذاهبة نحو انفجار قد يتزامن فيه الداخلي الإسرائيلي، والبيني الإسرائيلي الفلسطيني؛ لتعم فوضى السلاح وحرارة الانتقام على الجانبين، بما يعجل في تفجر انتفاضة ثالثة تأكل الأخضر واليابس على الطرفين، وتكون فيها السلطة الفلسطينية الخاسر الأكبر؛ فدورها في هذه الحال سيكون مجهولا ومربكا.

ولأن الثورات لا تنتصر بدون تضحيات جسام؛ وهو ما يدركه الشعب الفلسطيني جيدا، فهو لا يخشى الموت؛ لأنه يؤمن بالشهادة في سبيل الله، وتستوي لديه معادلة الموت والحياة في معركة الحق، بينما يخشى عدوه الموت خشية الفئران من الأسود؛ وهو ما يجعلنا نقول والحالة هذه: "رب ضارة نافعة"، والنصر حليف التضحيات..!

twitter.com/mhmwdal14838046
التعليقات (7)
سعيد سهران
الإثنين، 13-02-2023 03:47 ص
انا شخصيا لا ارى امام السلطة الفلسطينية الا ان ترحل قبل ان تُرحل فهي فاقدة لمشروعية وجودها بمشروعية البندقية وهي منتهية الصلاحية والاهمية وان رحيلها امر لا بد منه لتكتمل صورة النضال الفلسطيني بشكلها الثوري غير المقيد
تقوى علوي
الثلاثاء، 07-02-2023 06:47 م
والله مقالة روعة وأفكارها صحيحة الله يعطيك الصحة لانك بينت لنا كيف يتصرف الاعداء اللئام بارك الله فيك وفي المقاتلين الشجعان في أرض الطهارة والرجولة
عيسى ابو مقدم
الثلاثاء، 07-02-2023 06:36 م
اريد ان اذكر لماذا كانت أوسلو استاذ محمود يجب أن يعلم الجميع أن حرب أكتوبر كانت نتيجه لما آلت إليه الأمور بعد حرب حزيران بلاتفاق بين كيسنجر وكلينتون والسادات والتي من بعدها تم توقيع كامب ديفيد ومن ثم تم الاتفاق على حرب 82 لإخراج الفلسطينيين من لبنان وتشتيتهم في أصقاع الدنيا وفي هذه الحرب تخلى العرب عن الفلسطينيين وكانت نتيجة ذلك أوسلو فلم يعد للفلسطينيين اي بقعة من الأرض عليها هذه نتيجه أدت إلى أوسلو وهذا حالنا اخي وصديقي الاستاذ محمود
Haitham
الثلاثاء، 07-02-2023 05:27 م
مقال رزين ووازن وتحليل منطقي وموضوعي ، ننتظر جديدك
علي م.
الثلاثاء، 07-02-2023 03:20 م
الصهاينة لا يؤمن جانبهم فهم أوغاد وعلى الشعب الفلسطيني أن يتوحد وعلى محمود عباس أن يتوقف عن التعاون الأمني مع اليهود. ويقف الى جانب الشعب كما كان يفعل ياسر عرفات رحمه الله رحمة واسعة. يكفيكم فرقة وخلاف. العالم كله يتوحد وأنتم أصحاب القضية متفرقين. هذا وقت الجد ووقت اليقظة فالعدو لن يترككم ولن يتوقف عن قتل ابناءكم