في الوقت الذي يتزايد فيه
الهوس بالثقافات الأجنبية والآسيوية بين صفوف الشباب
العربي، ما موقف الأجانب من
الثقافة العربية؟ وما الصورة النمطيّة للعرب في بلادهم؟
بحثنا في ذلك من خلال
حوارنا مع طلاب آسيويين ارتادوا الجامعات العربية لتعلم
اللغة العربية، وأشخاص أجانب
وأمريكيين ارتادوا مراكز اللغات ليتقنوا اللغة العربية، والمشترك بينهم هو السعي
لتكوين محادثة كاملة ومفهومة مع شخص عربيّ.
ولابد من أسباب دفعتهم
لتكريس وقتهم وجهدهم في تعلم لغة أخرى غير لغتهم الأم، أوضح أحد الطلاب الكوريين
في الجامعة الهاشمية في الأردن أنه بحث وقرأ عن الثقافة العربية وسافر إلى بعض
الدول مثل المغرب وفلسطين والأردن، ووجد نفسه معجبًا بالأشخاص العرب وعاداتهم
وطعامهم وحتى موسيقاهم، ما دفعه إلى البحث بشكل موسّع عنهم بدافع الفضول، ومع
الوقت والسياحة المستمرة إلى البلاد العربية والتعامل بشكل مباشر مع الأشخاص
العرب، صار مهتمًا بثقافتهم، ويرغب بالتحدث معهم بلغتهم دون أخطاء.
أما إيرين الفتاة الأمريكية
التي زارت الأردن كسائحة، فقد جذبتها ملامح الثقافة العربيّة المختلفة تمامًا عن
ثقافتها، ثم قررت العودة بحقائبها للأردن مرة أخرى واختارت الاستقرار فيها،
فرغبتها في تعليم اللاجئين العرب اللغة الإنجليزية كان الدافع الأول لتعلمها اللغة
العربية؛ فإتقانها للغتهم سيسهل عليها التواصل معهم وتعليمهم.
لكن سفر الأجانب إلى بعض
الدول العربية يتطلب نوعًا من الشجاعة والبحث المكثّف عن استقرار الدولة وأمانها،
كما أن بعض الإعلام الغربيّ قد لا يُظهر الدول العربية بأبهى صورة، وقد يصوّرها
وكأنها بلاد الجحيم والموت، وأكّد على ذلك أحد الكوريين بأن أكثر ما سمعه عن العرب
في كوريا أنهم شديدو الثراء وكثيرو الحروب، ويملكون النفط ويعيشون مع القنابل
والإرهاب، وأنه من الغريب أن يسافر أحد المواطنين الكوريين قاصدًا بلدًا عربيّ.
ولم تختلف الأمريكيّة إيرين
عن رأيه كثيرًا، فأشارت إلى دور الأفلام في رسم صورة الإرهاب للعرب، وأضافت بأن
هذه الصورة السيئة تعتبر الصورة النمطيّة للعرب خاصة في أمريكا، لكنها كانت قادرة
على تمييز الكلام الصحيح من الموضوع؛ بسبب علاقاتها الشخصيّة مع العرب، وكثرة
قراءاتها حول البلاد العربية وحياة من فيها، كما أن حياتها في أمريكا جعلتها تدرك
بأن الإرهاب موجود في كل مكان، وحاضر في أمريكا كما هو في البلاد العربيّة،
فالإرهاب والجريمة لا يستقران في مكان واحد على الخريطة.
وقالت إيرين في نفس
السياق: "إن معظم الأفلام تعرض البلاد العربيّة على أنها بلاد مليئة بالجهل،
وهناك بالتأكيد أشخاص صدّقوا ذلك وأخذوه على أنه حقائق ومعلومات، لذا صدقوا أن
العرب بعيدون إلى حدٍ ما عن التكنولوجيا والتقدم، وإن سُئِلتُ عن ذلك فبكل صدق
سأقول إن هذا عارٍ من الصحة".
والحقيقة أن كل ما يُقرأ
أو يُسمع تثبت صحته من خلال التجربة فقط.
وفي المقابل قد لا ينظر
العرب إلى الأشخاص الأجانب بهذه الطريقة، بل يرى الكوريون أنهم حظوا بالترحيب
الكبير من قبل العرب وخاصة من زملائهم بالجامعة وجيرانهم، ولكن عبّر أحدهم عن
استيائه لمروره ببعض التجارب التي أشعرته بشيء من العنصريّة -على حدّ تعبيره-
فقال: "لقد كنت أتعرض للتنمر خاصة من قبل الأطفال؛ بسبب اختلاف شكلي عنهم،
لكنني وجدتُ أنه كلما تقدّم أحدهم في العمر ازداد خُلُقًا".
وأضاف إلى أن هذه ليست بالظاهرة
التي من الممكن أن يُعمّم فيها على مجتمع كامل، لأنه وجد ترحيبًا جيدًا عند بعض
العوائل الأخرى التي كانت تدعوه لتناول وجبة الغداء معهم، ورغبتهم في جعله يتذوّق
أطعمتهم التقليدية أو القهوة العربيّة الأصيلة.
أما إيرين فقالت: "كانوا يتساءلون عن سبب مجيئي لبلد عربيّ وأنا أحمل الجنسيّة الأمريكيّة وكانت
تعتريهم ملامح الذهول والاستغراب، ووجدتُ أنهم بقدر فضولهم تجاه عالمي ورغبتهم
بتعلم اللغة الإنجليزية، فهم أشخاص ودودون للغاية أيضا".
وأوضحت أنها شعرت بكرم
الضيافة وحسن استقبال الضيف عند العرب كما لم تشعر به في موطنها الأصلي، وأضافت
إلى أنها ما زالت تتعلم هذه العادات الخاصة بالضيف، كالتزاور المستمر لتقوية
العلاقات، واستقبال الضيف بحرارة حتى يشعر بقيمته.
كما أثنى الطرفان على طرق
الاحتفال عند العرب ووصفوها بأنها تشعرهم بنوعٍ من الدفء، ووجد الكوريون بالأعياد
أنها إحدى أجمل سبل التواصل بين العائلة، حيث إنهم شهدوا مراسم الأعياد المباركة
في البلاد العربيّة، ووجدوا أنه خلال العيد يزور الفرد كل عائلته حتى وإن لم تكن
قريبة منه جغرافيًا، وبهذا يكون الترابط الأسريّ أقوى بكثير مما اعتادوا عليه في
كوريا.
وندرك من كل هذا أن
الثقافة العربية لم تفقد بريقها حتى وإن لم تكن في أفضل أيامها، ولا تزال قادرة
على جذب الآخرين وبثّ الفضول والحب في قلوبهم، حتى وإن لم يكن ذلك سهلاً في الوقت
الراهن.