قضايا وآراء

لبنان وتبعات الزلزال.. الخلية الخماسية وشروطها

صهيب جوهر
من سيطفئ الحرائق في لبنان؟- الأناضول
من سيطفئ الحرائق في لبنان؟- الأناضول
لم يسفر الاجتماع الخماسي في باريس بين ممثلين عن وزارات الخارجية في الولايات المتحدة وقطر وفرنسا والسعودية ومصر حول الملف الرئاسي اللبناني؛ عن أي نتيجة مباشرة. وهذا الأمر لم يشكل مفاجأة سياسية داخلية عند القوى الفاعلة وتحديدا حزب الله، بحيث إن المشاركين أنفسهم كانوا يعرفون المناخ الذي سبق الاجتماع، وتحديدا البرودة السعودية.

لكن المؤكد، أن هذا الاجتماع كان محطة أساسية في مسار مناقشة الأزمة السياسية في لبنان، التي تنعكس في نقاشات حول شكل النظام ومدى قدرة النظام الحالي على معالجة الأزمات المتشعبة، وعليه، فإن مجموعة الدول الخمس، هي الخلية الخارجية التي ستؤسس لمؤتمر الحوار الوطني الخاص بلبنان، إذا ما حصلت الجهود الفرنسية والقطرية على غطاء دولي وإقليمي، عندما تنضج ظروف انعقاده بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

لكن تزامنا مع انعقاد المؤتمر، حصل الزلزال المدمر الذي طال تركيا وسوريا، ما يعني الدخول بمرحلة بداية الأزمات، وليس أبدا نهاية لها. فوسط المآسي التي ما يزال الكثير منها يرزح تحت الأنقاض وفي قلب الركام الأمر، فإن هذا يحتم على الدول الفاعلة توجيه اهتمامها إلى مناطق الزلزال، وسط تطورات مترافقة معه في الديموغرافيا والسياسة.

تزامنا مع انعقاد المؤتمر، حصل الزلزال المدمر الذي طال تركيا وسوريا، ما يعني الدخول بمرحلة بداية الأزمات، وليس أبدا نهاية لها. فوسط المآسي التي ما يزال الكثير منها يرزح تحت الأنقاض وفي قلب الركام الأمر، فإن هذا يحتم على الدول الفاعلة توجيه اهتمامها إلى مناطق الزلزال، وسط تطورات مترافقة معه في الديموغرافيا والسياسة

وهذا الزلزال المروع أدى لاستنفار عالي المستوى لكل المنظمات والمؤسسات الإنسانية الدولية والإقليمية، بهدف العمل على المساعدة بانتشال الضحايا وإغاثة المنكوبين، فيما تعكف الدول والأنظمة العالمية والإقليمية على دراسة التأثيرات التي ستنتج عن الكارثة والتحولات السياسية والاجتماعية المترتبة عليه.

وانطلاقا مما خلفته الكارثة على كل المستويات من الضحايا والمصابين والبنى التحتية، تبدو في الأفق علامات إعادة ترتيب المرحلة المقبلة في سوريا، خاصة أن تركيا قبيل الكارثة كانت قد باشرت بأداء دور محوري في شمال سوريا؛ بهدف فتح باب واسع يتيح لها دخول المعادلة الإقليمية القائمة، وعلى قاعدة التوازن بين التراجع الروسي المنشغل في أوكرانيا وأوروبا والتحديات الغربية، وبين النفوذ الإيراني. لكن الأمر ينطوي على حسابات لا يمكن تجاوزها، خصوصا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يتحضر جيدا للانتخابات الرئاسية، كي تعطيه غطاء لتوسيع الدور الإقليمي لتركيا بالتعاون مع حلفائها، وتحديدا واشنطن والدوحة.

بالمقابل، يتسابق قادة أحزاب المعارضة التركية، بمن فيهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، الذي يُقدم نفسه مرشحا للانتخابات الرئاسية، إلى تصويب النقد نحو أردوغان وتحميله مسؤولية الكارثة، واتهام إدارة العدالة والتنمية بالفشل في إدارة الإغاثة، وعدم الاستعداد اللازم قبل الكارثة.

وفيما اعترفت الحكومة نفسها أنها تعرضت في الساعات الأولى للكارثة بتخبط، لكنها سارعت للإمساك قدر المستطاع بأطراف الكارثة؛ من حيث الإغاثة ورفع الأنقاض والتواصل مع العالم كله للمساعدة في أعمال الإنقاذ وانتشال الضحايا. وسيتطلب التعافي من الكارثة وتقليص تداعياتها على أردوغان إظهار العزيمة في محاسبة المسؤولين عن أعمال البناء الفاسد، الذي زاد من الخسائر البشرية بشكل غير متوقع، والشروع الفوري في إعادة إعمار ضخم للمناطق المنكوبة.

وهذا الأمر سيتطلب تخصيص عشرات المليارات من الدولارات ستُضاف إلى الأعباء المالية الأخرى التي تواجه ميزانية الدولة، الناجمة عن الإنفاق الكبير على حزم التحفيز الاقتصادي وزيادة الرواتب لمواجهة التضخم، لكن في المحصلة، فإن مسؤولين اقتصاديين يعولون على قدرة أردوغان في تجاوز الزلزال وتبعاته، والخروج منه منتصرا في الاقتصاد والسياسة.

واستطرادا، فإن أردوغان أمام الأزمات الاقتصادية لروسيا وأوروبا، سيضطر للذهاب باتجاه واشنطن، وهي ستجد نفسها أمام واقع لا يمكن التملص منه، وهي مساعدته في إعادة الإعمار، لكن إدارة بايدن في الوقت نفسه، تتابع عن كثب التأثيرات السياسية الحاصلة عقب الكارثة، ولن تقدم خدمات مجانية للجانب التركي، وهي التي تعمل على إعادة تشكيل خارطة النفوذ السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتسعى الولايات المتحدة على إعداد برنامج عمل وخارطة طريق مستقبلية واضحة مع أردوغان، طالما أنها هي وحدها التي تمسك بحبل نجاته السياسية، وفي الوقت نفسه، تريد قطع الطريق أمام استفادة إيران من الفوضى الهائلة واستثمارها نتائج المأساة الحاصلة في سوريا لصالحها، خاصة أن الجانب التركي قد ينشغل عن متابعة فصول الحركة اليومية في سوريا.

بالتوازي، تبدو واشنطن حريصة على استمرار سياسة خنق النظام في دمشق، على الرغم من الاستثناءات الإنسانية المرحلية للعقوبات على الأسد، فواشنطن خبيرة في فصل الكوارث عن السياسات الاستراتيجية، لذا فإنها تحرص على إغلاق أي منفذ يؤدي إلى استثمار طهران لهذه الكارثة المهولة في ظل الانشغال في أزمتهم المستجدة، والسعي لملء الفراغ الروسي والتركي في سوريا، واستعادة كامل قبضتها على الأسد ونظامه.

لذا، فإن كل  التحديات تؤشر إلى أن لبنان لن يكون بمنأى عن الاهتزازات التي أحدثها الزلزال في سوريا وتركيا، ولن ينفصل عن أي تداعيات محتملة في السياسة قد تتمخّض عنه، خصوصا أنّ جوانب الصراع الداخلي يتصاعد ويعود للمربع الأول، من حيث أخذه لطابع الصراع المذهبي الحاد، بدءا من الشغور الرئاسي أو الصراع النيابي، الذي ينعكس أيضا في اجتماعات الحكومة المرفوضة من الأطراف المسيحية.

وثمة اعتقاد أمريكي ربطا بما تمت مناقشته في اجتماع باريس الخماسي، يقول؛ إن على لبنان الاستفادة من تراجع قدرة إيران في فرض شروطها السياسية في لبنان والعراق، ما يعني أن طهران ليست في موقع قوة يسمح لها بإسقاط خياراتها بالقوة على الأطراف السياسية، كما حدث في العام 2016 بعد حصول الاتفاق النووي، وأنّها في النهاية ستتنازل في عدد من مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، ومنها لبنان، وستقبل بالتسوية. لذا فإن التصور الأمريكي- السعودي يوحي بضرورة الإبقاء على سياسة الضغط المرتفع على إيران وحلفائها في لبنان، من خلال فرض سلة عقوبات رادعة وموجعة.

ياب السفير السعودي عن اللقاء بحجة السفر، يوحي أن الرياض لن تقدم أي التزام سياسي أو مالي طالما لم يبادر لبنان لإظهار جانب من جوانب إنتاج سلطة خارجة عن نفوذ الحزب وتأثيره، وهو ما ظهر واضحا في اجتماع باريس الخماسي بالتزامن مع الانهيارات المالية والنقدية. وهو رهان موجِع على عامل الوقت

وانطلاقا من نقاشات باريس، كانت حركة السفراء الخمسة المعنيين في لبنان باتجاه نبيه بري ونجيب ميقاتي لافتة، خاصة أن الأطراف الخمسة حرصت على تسريب المداولات مع الرجلين حيال إمكانية اتخاذ إجراءات رادعة، أو فرض عقوبات بحق من لا يلتزمون بتسهيل الاتفاق الخماسي، كذلك كان السفراء واضحين حول رسم ملامح ومواصفات معينة لرئيسي الجمهورية والحكومة، أبرزها أن يكون الرئيس إصلاحيا ولا يميل لجهة دون أخرى، ولا يشكل غلبة لطرف على الآخر، وقادرا على استعادة علاقات لبنان مع الدول العربية والغربية.

وغياب السفير السعودي عن اللقاء بحجة السفر، يوحي أن الرياض لن تقدم أي التزام سياسي أو مالي طالما لم يبادر لبنان لإظهار جانب من جوانب إنتاج سلطة خارجة عن نفوذ الحزب وتأثيره، وهو ما ظهر واضحا في اجتماع باريس الخماسي بالتزامن مع الانهيارات المالية والنقدية. وهو رهان موجِع على عامل الوقت؛ الذي لا يحتمل أن يحسب بالسنوات بل بالأشهر، وإلا فالزلزال سيكون لبنانيا هذه المرة.
التعليقات (0)