كتاب عربي 21

الشركات المشتركة المصرية.. الملف المُبهم

ممدوح الولي
واجه بيع الشركات في البورصة تعثرا- أ ف ب
واجه بيع الشركات في البورصة تعثرا- أ ف ب
في ضوء اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي عام 1991 كان برنامج خصخصة الشركات العامة أحد المكونات الرئيسية للاتفاق، وذلك ببيع الشركات المملوكة للحكومة إلى القطاع الخاص، وتم اختيار 314 شركة من بين الشركات التابعة للوزارات، وجعل تبعيتها لوزارة تم استحداثها أُسميت وزارة قطاع الأعمال العام، تولاها رئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي حينذاك بنفسه.

وتم وضع برنامج لخصخصة تلك الشركات خلال خمس سنوات مالية من 1992-1993 وحتى 1996-1997، على أن يعقب ذلك الانتقال إلى خصخصة وحدات القطاع العام الأخرى التابعة لوزارات أخرى، وخصخصة قطاع الخدمات من تأمين واتصالات ونحو ذلك، وبيع حصص المال العام في الشركات الأخرى التي سميت بالشركات المشتركة، لكونها تجمع بين مساهمين في رأسمالها من جهات حكومية وشركات خاصة.

إلا أن طرح الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام في البورصة واجه تعثرا منذ بدايات عام 1997، وتوقف البيع من خلال البورصة عام 1998، بعد أن تراجعت أسعار أسهم شركات الخصخصة عن الأسعار التي تم الطرح بها بنسب كبيرة، ولذلك تم اللجوء إلى بيع الشركات إلى المستثمر الرئيس، الذي يمكنه تطوير تلك الشركات والحفاظ على نشاطها والعمالة بها.

وهو ما واجه مشاكل أيضا بسبب حالة الركود ونقص السيولة حينذاك، إلى جانب الاتهامات للقائمين على برنامج الخصخصة من قبل بعض القوى السياسية ببيع الشركات بأقل من قيمتها، وهو ما يعني التفريط في المال العام. وواكب ذلك صدور قرار جمهوري في أواخر عام 1996 يدعو الوزراء من خلال ممثلي المال العام في الشركات المشتركة التي يساهمون فيها، لدراسة سبل تطويرها وإصلاح هياكلها التمويلية.

117 شركة لا توجد عنها بيانات

وأعقب ذلك في شباط/ فبراير 1997 قيام المجموعة الوزارية للخصخصة برئاسة رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، بطرح جانب من مساهمات المال العام في 18 شركة بمجالات الصناعة والزراعة والإسكان والسياحة، إلى جانب المساهمات في ستة بنوك مشتركة، للتخارج التدريجي للمال العام من تلك الشركات المشتركة التي تم تقدير عددها حينذاك بنحو 359 شركة، وتكليف وزراء آخرين بتجهيز حصص من الشركات المشتركة التي تساهم فيها وزاراتهم كي يتم طرحها تباعا.

وبالفعل تولى ملف بيع تلك الحصص في الشركات المشتركة الدكتور أحمد جويلي، وزير التموين والتجارة حينذاك، للبدء في طرح حصص في 52 شركة وبنكا، إلا أنه مع بطء عمل اللجنة الوزارية التي رأسها جويلي وضغوط صندوق النقد الدولي للبيع للحصص، تم تفويض وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بملف الشركات المشتركة، بالتعاون مع وزارة قطاع الأعمال العام لما لها من خبرة بعمليات الخصخصة، وتم بالفعل بيع عدد من حصص المال العام خاصة التي تملكها البنوك الحكومية كالبنك الأهلي المصري وبنك مصر.

ومع هذا التفويض كان عدد الشركات المشتركة قد وصل إلى 511 شركة، موزعة على القطاعات الصناعية والخدمية والزراعية والمصرفية والنقل والتجارة والطاقة والتأمين، بلغ رأسمالها المدفوع حينذاك 67 مليار جنيه، وكانت 277 شركة منها تحقق أرباحا مقابل 62 شركة خاسرة، و50 شركة تتعادل نتائج أعمالها و117 شركة لا توجد عنها بيانات، بما يوضح صعوبة التعامل مع الملف.

وأصبح الجهاز المركزي للمحاسبات يصدر تقريرا سنويا عن نتائج الرقابة على الشركات المشتركة، خاصة التي يساهم فيها المال العام بنسبة 25 في المائة فأكثر، أما باقي الشركات التي تقل فيها نسبة مساهمة المال العام عن ذلك فكان يطلب منها إرسال بياناتها المالية له، لكن نسبة الاستجابة لم تكن كبيرة من تلك الشركات، وكان هذا التقرير تذهب منه نسخة للبرلمان لكنه لم يكن يتم تداولها بين الأعضاء بسهولة.

بيع 74 حصة في 11 عاما

وفي العام المالي 1999-2000 بدأ بيع أول حصة من المال العام في شركة مشتركة بقيمة 14 مليون جنيه، وتلاها في العام المالي التالي ثلاثة حصص بقيمة 118 جنيها، ثم بلغت الحصيلة للبيع للحصص 879 مليون جنيه في العام المالي الثالث، لينخفض العدد والقيمة في العامين الماليين التاليين، ثم تنشط عمليات بيع الحصص خلال السنوات المالية الأربع من 2004-2005، والذي شهد بيع حصة من شركتى السسويس للأسمنت وسيدي كرير للبتروكيماويات وحتى عام 2007-2008.

وكان أعلى رقم للحصيلة 7.6 مليار جنيه في العام المالي 2005-2006 والذي شهد بيع حصة من شركة أموك والمصرية للأسمدة، ثم تعود الطروحات للانحسار في العامين الماليين التاليين، حتى وصلت إلى بيع أربع حصص بقيمة 50 مليون جنيه في العام المالي 2009-2010، لتتوقف عمليات البيع للحصص في الشركات المشتركة بعدها، لتصل حصيلة السنوات المالية الإحدى عشر لأطروحات الشركات المشتركة 18 مليارا و586 مليون جنيه، من خلال بيع 74 حصة كان للبنوك النصيب الأوفر فيها.

وفي عام 2015 أشارت بيانات وزارة قطاع الأعمال العام إلى أن حصص المال العام بالشركات المشتركة بلغت قيمتها 76 مليار جنيه، تمثل نسبة 21 في المائة من إجمالي رؤوس أموال تلك الشركات البالغة 361 مليار جنيه، وتوزعت قيمة رؤوس أموال المال العام فيها ما بين: حوالي 20 مليار جنيه في شركات الطاقة و13 مليار جنيه في الشركات الصناعية، و12 مليار جنيه في الشركات التجارية، و10 مليارات جنيه في البنوك، ومليار جنيه في النقل، و4 مليارات جنيه في السياحة، وملياري جنيه في كل من قطاعي الخدمات والاتصالات وأقل من نصف مليار جنيه في كل من قطاعي الزراعة والتأمين.

وفي أواخر عام 2017 أعاد مجلس الوزراء تشكيل اللجنة الوزارية المختصة، بالإشراف على طرح مساهمات المال العام في الشركات برئاسة وزير المالية، وعضوية وزراء الاستثمار والبترول والصناعة والتخطيط وقطاع الأعمال العام، بالتعاون مع الوزارات المختلفة بشأن إعادة هيكلة الشركات قبل طرحها.

باقي 503 شركات مشتركة

وفي عام 2020 بلغ عدد الشركات التي أمكن حصرها والتي يساهم فيها المال العام 503 شركات، ما بين شركات قائمة بالإنتاج أو تحت التصفية أو تحت التأسيس، تبلغ رؤوس أموالها 319 مليار جنيه، يساهم فيها المال العام بقيمة 79.5 مليار جنيه بنسبة 25 في المائة من الإجمالي.

وتوزعت تلك الشركات حسب قطاعات النشاط الإحدى عشر ما بين 119 شركة في قطاع الصناعة، و83 شركة في قطاع التشييد، و75 شركة للتجارة، و62 شركة سياحية، و33 في الطاقة، و29 في النقل، و28 في الاتصالات، و25 في الخدمات، و24 في البنوك و13 في التأمين، و12 شركة زراعية. ولا توجد أية بيانات حتى عن أسماء تلك الشركات، ونسب مساهمة المال العام فيها واسم الجهات العامة المساهمة بكل شركة منها، وبالطبع لا توجد بيانات مالية عن أدائها، مما يصعّب مهمة بيعها لكونها مجهولة بالنسبة للسوق، فيما عدا للشركات العاملة بنفس النشاط.

وكان نصيب مساهمات الشركات القابضة المنضوية تحت عباءة وزارة قطاع الأعمال، بالشركات المشتركة حوالي 8 مليار جنيه في 245 شركة ضمن مساهمات المال العام في 503 شركة، وحققت تلك المساهمات للشركات القابضة ربحا بلغ 4.3 مليار جنيه بالشركات الرابحة، مقابل خسارة 1.1 مليار جنيه بالشركات الخاسرة التي تساهم فيها.

ولقد ذكرنا بملف الشركات المشتركة ظهور اسم شركة حلوان للأسمدة كشركة مشتركة، ضمن قائمة الشركات الاثنتين والثلاثين التي أعلن رئيس الوزراء مصطفي مدبولي مؤخرا، تمهيدا لبيع حصص منها سواء في البورصة أو لمستثمر استراتيجي أو بالمزج بين الأسلوبين.

وتردد أن شركة حلوان للأسمدة مطلوب شراء حصة فيها من قبل الصندوق السيادي السعودى وصندوق سيادي في أبو ظبى، بعد شراء الصندوق السعودي العام الماضي حصة في شركة أبو قير للأسمدة، في ضوء ارتفاع الطلب على الأسمدة المصرية بعد الحظر الأوروبي تجاه الأسمدة الروسية، وتحقيق شركات الأسمدة المصرية أرباحا جيدة، وهو ما واكبه الإعلان عن طلب الصندوق القطري شراء حصة في شركة أسمدة مصرية أخرى.

ويظهر المال العام ضمن هيكل رأسمال شركة حلوان للأسمدة البالغ 150 مليون دولار، في نسبة 20 في المائة للشركة القابضة للصناعات المعدنية و17 في المائة لشركة أبو قير للأسمدة، و15 في المائة لصندوق التأمينات الاجتماعية للعاملين بالحكومة، و10 في المائة لبنك الاستثمار القومي، و6 في المائة لشركة مصر للتأمين، و5 في المائة لشركة مصر لتأمينات الحياة، ونسبة مماثلة لصندوق التأمين الاجتماعي للعاملين في القطاعين العام والخاص. وكل الجهات السابقة جهات حكومية بما يشير لكبر مساهمة المال العام فيها، إلى جانب مساهمات بحوالي 12 في المائة لبنكي فيصل وميد بنك -مصر إيران سابقا- وتيسن كروب معا.

وإذا كانت شركة حلوان للأسمدة قد تم وضعها على خريطة الخصخصة، يظل السؤال حول إمكانية معرفة أية بيانات عن الشركات المشتركة الأخرى، حتى يمكن بعدها السؤال عن موعد طرح باقي الشركات المشتركة التي تخطى عددها الخمسمائة شركة، على الأقل لإيقاف نزيف الخسائر لمساهمات المال العام، حيث تسبب التأخر في بيع بعض المساهمات إلى الخسارة الكاملة لقيمة تلك المساهمات، كما حدث من قبل بالنسبة لمساهمات المال العام في بنك التجاريون والمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار وغيرهما، مع استغراق الخسائر لحقوق الملكية بها.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)