الحدث
الأكثر حضورا في المشهد السياسي
المصري حاليا هو الاستعدادات لانتخابات نقابة
الصحفيين التي ستجري يوم 3 آذار/ مارس المقبل، وفي حال عدم اكتمال النصاب القانوني
يتم تأجيلها أسبوعين.
الاستعدادات
للانتخابات بدأت مبكرا حتى قبل أن يتم فتح باب الترشيح رسميا، ومع إغلاق باب
الترشح اتضحت حدود الخارطة الانتخابية، حيث ترشح لمنصب النقيب خمسة مرشحين أبرزهم
مرشح حكومي (خالد ميري) وآخر ينتمي للمعارضة اليسارية (خالد البلشي)، كما ترشح عدد
كبير كالعادة لعضوية نصف مجلس النقابة.
تجري
انتخابات النقابة هذه المرة في ظل حالة غضب متنامٍ للنخب المصرية التي راهنت كثيرا
على نظام السيسي وأيّدت انقلابه على الرئيس الشرعي قبل تسع سنوات، وقد اكتشفت تلك
النخب وبينها بعض النخب الإعلامية خطأ رهانها، مع انكشاف زيف ادعاءات ووعود السيسي
ببناء دولة قوية حديثة، وظهر بديلا لتلك الوعود حالة من الفشل العام السياسي
والاقتصادي والأمني، في ملفات كبرى مثل أزمة سد النهضة، وأزمة الديون الخارجية، ومواجهة
الإرهاب في سيناء، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
تجري انتخابات النقابة هذه المرة في ظل حالة غضب متنامٍ للنخب المصرية التي راهنت كثيرا على نظام السيسي وأيّدت انقلابه على الرئيس الشرعي قبل تسع سنوات، وقد اكتشفت تلك النخب وبينها بعض النخب الإعلامية خطأ رهانها، مع انكشاف زيف ادعاءات ووعود السيسي ببناء دولة قوية حديثة
وقد
كانت القضية الأخيرة تحديدا سببا مباشرا لاقتحام الشرطة المصرية لمقر نقابة الصحفيين
لأول مرة في تاريخها واعتقال صحفيين من داخلها، ثم مصادرة النقابة ذاتها منذ ذلك
التاريخ، وتكفينها بقماش بالٍ بحجة إعادة تطوير واجهتها، وهي عملية وهمية لم تكن
النقابة بحاجة إليها. وحتى لو كانت بحاجة إليها فهي لا تستغرق شهرا أو شهرين لكنها
استغرقت حتى الآن أكثر من 4 سنوات، وقد تيقن الجميع أن الهدف هو تكميم النقابة
ذاتها وليس فقط واجهتها ومداخلها، وهو ما حدث فعلا بمنع تنظيم الفعاليات داخل النقابة
طيلة تلك السنوات، كما تم "تلغيم" سلالم النقابة بأكوام من الحديد لمنع
تنظيم أي وقفات عليها كما كان يحدث من قبل.
كانت
سلالم وقاعات نقابة الصحفيين هي بيت الأمة قبل ثورة يناير، يهوي إليها أصحاب
المظالم ليعبروا عن مظالمهم عبر وقفات على سلالمها أو عبر ندوات ومؤتمرات صحفية في
قاعاتها؛ مع ضمان تغطية تلك الفعاليات صحفيا بحكم الحضور الدائم للصحفيين
والمصورين في نقابتهم. وفي هذا الإطار احتضنت النقابة عشرات الوقفات الاحتجاجية
لفئات عديدة من العمال والموظفين والطلاب وأهالي بعض المحافظات والأحياء.. الخ،
وكانت تلك الوقفات مع غيرها من الفعاليات التي تصاعدت منذ منتصف العشرية الأولى
للقرن الحالي هي مقدمات ثورة 25 يناير 2011، التي كان لنقابة الصحفيين دور كبير
فيها أيضا منذ لحظاتها الأولى.
قبل
خلع مبارك بأسبوع كامل خلع الصحفيون نقيبهم مكرم محمد أحمد، الموالي لمبارك وكاتب
خطاباته، كما خلع صحفيو أكبر المؤسسات الصحفية الحكومية (الأهرام- دار التحرير-
وكالة أنباء الشرق الأوسط- روز اليوسف) رؤساءهم المعينين من نظام مبارك. كانت تلك
العمليات من أبرز مظاهر الثورة التي طالبت بتطهير الإعلام، وبدأت التنفيذ بالفعل
قبل خلع مبارك ومساعديه المقربين.
لم
تكن نقابة الصحفيين طيلة حكم السادات ومبارك منكفئة على نفسها كما هي اليوم، لم
تقصر في دورها النقابي الطبيعي، ودفاعها عن المهنة وعن حرية أعضائها، لكنها في
الوقت نفسه كانت منفتحة على قضايا الوطن الأخرى، محتضنة لكل ما يخدم الوطن والمواطن.
كانت قائدة للنقابات المهنية في تصديها للتطبيع مع الكيان الصهيوني في حياة الرئيس
السادات، وكانت النقابة الوحيدة التي أجبرت مبارك على إلغاء قانون مسيء لحرية
الصحافة بعد إقراره في البرلمان وتصديق رئيس الجمهورية عليه، ونشره في الجريدة
الرسمية، وكانت في طليعة
النقابات المهنية رفضا للقانون الموحد للنقابات الذي
استهدف حصار أنشطتها، والعديد من المواقف الوطنية الأخرى التي لا يتسع المقال
لذكرها.
لكن
النقابة التي تستعد لإجراء انتخاباتها تعيش اليوم أسوأ أيامها، فحرية الصحافة في
حضيض غير مسبوق، حيث تحتل مصر المرتبة 168 في المؤشر العالمي، وتقبع بذلك في
المنطقة السوداء لحرية الصحافة، وهي في المركز الثالث عالميا لحبس الصحفيين (47
يقبعون حاليا في السجون) بخلاف عشرات بل مئات غيرهم سبق حبسهم لفترات مختلفة، بين
أسابيع وحتى سنوات على مدى السنوات التسع العجاف، وهي ضمن الدول الأكثر حجبا
للمواقع (أكثر من 600 موقع)، كما تغيب التعددية والتنافسية في الإعلام، بعد أن
وضعت السلطة يدها على غالبية المنابر الإعلامية من صحف وقنوات ومواقع، لنصبح أمام
إعلام الصوت الواحد، وهو الإعلام الذي ارتكب جرائم يعاقب عليها القانون بحق الشعب
من تضليل وتحريض وإثارة فتن.. الخ.
هذه الانتخابات هي فرصة حقيقية للصحفيين لاختيار مجلس يعيد للنقابة والمهنة هيبتها وكرامتها، ويتمكن من تحسين الظروف المعيشية للصحفيين، وإطلاق سراح السجناء منهم وإعادة المواقع والقنوات والصحف المغلقة، ولتكون هذه التغيرات هي ضربة البداية لتغييرات كبرى في المشهد السياسي عموما
تجري
انتخابات الصحفيين في ظل هذه الأجواء، وفي ظل حالة احتقان عامة لا تستثني الوسط
الصحفي نفسه الذي يعاني مثل غيره من المشاكل المعيشية، حيث تراجعت الدخول الحقيقية
لعموم الصحفيين (باستثناء قلة محدودة)، وأصبح الصحفيون مضطرين لممارسة أعمال أخرى
صحفية أو غير صحفية للوفاء باحتياجاتهم الأساسية، من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وصحة..
إلخ، كما يعيش الصحفيون في غالبيتهم مخاوف الاعتقال لأتفه الأسباب كما حدث للعديد
من زملائهم الذين لا ينتمون لأحزاب أو تيارات سياسية، أو دينية.. فهل ستنعكس هذه
الأوضاع على التصويت؟
المتابع
للانتخابات يلحظ إحجام صحفيين كبار عن الترشح سواء لموقع النقيب أو عضوية المجلس،
وهو عزوف يعكس حالة إحباط لديهم من أي إمكانية للتغيير والإصلاح في ظل الوضع
السياسي الراهن، ناهيك عن احتمالات تعرضهم للملاحقة أو حتى الحبس، لكن آخرين
امتلكوا الشجاعة وتقدموا لخوض المنافسة مستندين بشكل أساسي إلى تاريخهم المهني
والنقابي، وحتى السياسي، غير أنهم يخوضون المنافسة في مواجهة أعداد أكبر من
المرشحين التقليديين الذين لا يحملون تاريخا أو قدرات نقابية، لكنهم فقط يتحركون
في هوامش خدمية أقرب إلى تسول بعض الخدمات والامتيازات الصغيرة من بعض الوزراء
والمسئولين ورجال الأعمال بهدف شراء الأصوات، وهم بشكل عام حكوميون وملكيون أكثر من
الملك، وقد حولوا النقابة خلال السنوات القليلة الماضية إلى ملحق للأجهزة الأمنية.
هذه
الانتخابات هي فرصة حقيقية للصحفيين لاختيار مجلس يعيد للنقابة والمهنة هيبتها
وكرامتها، ويتمكن من تحسين الظروف المعيشية للصحفيين، وإطلاق سراح السجناء منهم
وإعادة المواقع والقنوات والصحف المغلقة، ولتكون هذه التغيرات هي ضربة البداية
لتغييرات كبرى في المشهد السياسي عموما في ظل الاستعدادات لانتخابات رئاسية العام
المقبل.
twitter.com/kotbelaraby