ما بين لقاءات العقبة الأولى (شارون- عباس) في حزيران/
يونيو 2003م، عقبة خارطة الطريق، ولقاءات العقبة الثانية (السرية) في كانون
الثاني/ يناير 2012م، عقبة تبادل الأراضي، ولقاءات العقبة الثالثة الحالية (حسين
الشيخ- نتنياهو) في شباط/ فبراير 2023م، عقبة تبرير التطبيع وإحياء التنسيق الأمني،
وفي الفترات بين كل هذه اللقاءات والمؤتمرات؛ لم ينفك الأردن لحظة عن محاولات
تنشيط عملية التسوية والدفع بها قدما، على أمل إعادة إحياء مسار استمر بإنتاج
الفشل للعرب والفلسطينيين على مدى 32 عاما ملؤها الألم بلا أمل، والتراجع والتنازع
وصولا للتطبيع الذي كان النتاج الحقيقي لهذه العملية على أرض الواقع.
وفي حين طرأت تغيرات جوهرية على مركّبات التمثيل
الشرعية للشعب
الفلسطيني بين لقاءات العقبة الأولى والحالية، استمر ثبات التوجهات
الأردنية دون الاكتراث برفض كل قوى
المقاومة الفلسطينية وغالبية قوى منظمة التحرير
الفلسطينية للمسار القاتل لحقوق الفلسطينيين، حيث ترى هذه القوى أن إعادة إحياء
المسار ما كان ليكون لولا أنه مصلحة صهيونية تحاول أمريكا من خلالها ستر عورة
اليمين الصهيوني المتطرف، الذي يدير ظهره لكل هذه المسارات ويقتات على فرض سياسة
الأمر الواقع، ما يعني عمليا جرّ الساحة الفلسطينية إلى المزيد من الفرقة والتشرذم
والصدامات التي لا تخدم إلا الاحتلال وتمهد أكثر لسياسة التطبيع وتمده بالمبررات
الشكلية على الأقل.
إعادة إحياء المسار ما كان ليكون لولا أنه مصلحة صهيونية تحاول أمريكا من خلالها ستر عورة اليمين الصهيوني المتطرف، الذي يدير ظهره لكل هذه المسارات ويقتات على فرض سياسة الأمر الواقع، ما يعني عمليا جرّ الساحة الفلسطينية إلى المزيد من الفرقة والتشرذم والصدامات التي لا تخدم إلا الاحتلال وتمهد أكثر لسياسة التطبيع وتمده بالمبررات الشكلية على الأقل
ثلاثة مؤتمرات مثلت علامات فارقة في مسارات التسوية
شهدتها العقبة الأردنية، سبقتها محاولات امتدت من أواخر فترة ترامب وصولا إلى ولاية
بايدن التي لم تكن مكترثة أساسا بهذه العملية نتيجة أولوياتها العالمية تجاه قضايا
أخرى رغم تبنيها للمصلحة
الإسرائيلية على أية حال، إلا أن أربعة لقاءات واتصالين
هاتفيين خلال عام ونصف بين ملك الأردن والرئيس الأمريكي بايدن، نجح الأردن من
خلالها في إقناع الطرف الأمريكي بإعادة توجيه اهتمامه لمسار التسوية من جديد، ولو
من باب منع الكيان الصهيوني من أذيّة نفسه جراء سياسات حكومته الفاشية التي تدفع
بظهر الجميع نحو الحائط.
ما زال الأردن يتخذ من القضية الفلسطينية سلّما
لاستدراج دور إقليمي يبرر من خلاله وجود نظامه السياسي دوليا، ويمنع تقويض أهمية
وجوده الإقليمي كنظام وظيفي مهم أمريكيا، وما زال في نفس هذا الإطار يرى في عملية
التسوية مصلحته التي تحقق ذلك رغم أن الكثير من المؤشرات تذهب إلى اتجاه آخر.
فبوجود اليمين الصهيوني المتطرف وتصاعد الفعل الثوري الفلسطيني تتضاءل احتمالات
نجاح أية محاولة لإحياء عملية التسوية السلمية، مما يطرح تساؤلات قديمة جديدة عن
طبيعة الخيارات الاستراتيجية لدى النظام الأردني الذي من المؤكد أنه يدرك هذا
ولكنه لا يزال متخوفا من الخروج عن طبيعة الدور المناط به تقليديا، رغم كل
التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم.
والغريب أنه
ينخرط ويتماهى مع هذا الدور الذي لم ولن يُنتج له إلا تحديات إقليمية جديدة لوجود
لاعبين أكثر قوة وقدرة على تحمل سياسات الإمعان في التطبيع، إذ لا يستطيع هو
مجاراتها ولا تحمّل تبعاتها التي ستتحول شيئا فشيئا لإشكالات داخلية لديه، كونه
بهذه السياسات يضغط على خزان الغضب الشعبي الأردني أكثر فأكثر.
سياسات التهويد والاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية من قبل الحكومة اليمينية المتطرفة ليس له إلا معنى واحد على المدى المنظور وهو عدم إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، مما يعيد طرح أفكار وخيارات أخرى طرح بعضها سابقا كاستخدام أراضي الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، لتُجدد بذلك سياسات حكومة اليمين الصهيوني المتطرف مخاوف النظام الأردني
إن سياسات التهويد والاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية
من قبل الحكومة اليمينية المتطرفة ليس له إلا معنى واحد على المدى المنظور وهو عدم
إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، مما يعيد طرح أفكار وخيارات أخرى طرح
بعضها سابقا كاستخدام أراضي الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، لتُجدد بذلك سياسات
حكومة اليمين الصهيوني المتطرف مخاوف النظام الأردني وتُحيي في نفسه الشعور بغياب
ضمانات البقاء، خصوصا في ظل رضوخ السلطة الفلسطينية لأية طروحات أمريكية وعدم
قدرتها بنيويا وسياسيا على رفض أي منتج أمريكي مهما كان شكله ومحتواه، ما يضع
النظام الأردني أمام معضلة متجددة عاشها من قبل، ولذا فهو يرى أن إقامة الدولة
الفلسطينية بمثابة الضامن الحقيقي والمطمئن الوحيد لهواجسه كونها ستعني تغييب فكرة
الوطن البديل نهائيا عن أية طاولة قرارات.
ولكن تلك الدولة التي لم تر النور؛ كانت وما زالت أبرز
ما عجزت عنه مسارات التسوية في ظروف انتعاش هذه المسارات، فكيف ستنجح في ظل
الانتكاسات المتلاحقة لمسارات التسوية؟ وإن كان الأردن حريصا على نفسه وعلى حقوق
الفلسطينيين، فليس له إلا الذهاب تجاه من يتناغم تاريخيا واستراتيجيا مع مصالحه،
وهو (الأردن) لا زال مترددا بالتفاعل معه وهو تيار المقاومة الفلسطينية الذي لا يرى
إلا فلسطين واحدة هي أرض فلسطين التاريخية، ويرفض فكرة الوطن البديل أو أي فكرة
مشابهة جملة وتفصيلا.
وكان من الأجدى للنظام الأردني بدلا من تدريب عناصر
أمنية لقتال تيار المقاومة، وبدلا من كل هذه الجهود السياسية والأمنية التي يقوم
بها في إطار إحياء تسوية ميتة، أن يبذلها كفاتورة لتوحيد الصف الفلسطيني وتمتين
جبهته على قاعدة حماية الحقوق والثوابت الفلسطينية التي هي حماية تلقائية للأردن أمام
أية محاولة لاستخدامه واستغلال نقاط ضعفه.
لا تعدو نتائج مؤتمر العقبة الأخير أكثر من كونها عملية تنشيط مجانية لمسارات التطبيع الذي ينتزع من الأردن حتى دوره التقليدي، في ظل مزايدات دول التطبيع المهرولة نحو حكومة اليمين المتطرف، أكثر من كونها دفعا لعملية التسوية السلمية باتجاه إقامة دولة فلسطينية باتت بعيدة المنال، في ظل ما تعيشه الساحة الفلسطينية من أزمات وما تشهده القضية الفلسطينية من نكوص عربي رسمي عن دعمها
وفي حين لا تعدو نتائج مؤتمر العقبة الأخير أكثر من
كونها عملية تنشيط مجانية لمسارات التطبيع الذي ينتزع من الأردن حتى دوره التقليدي،
في ظل مزايدات دول التطبيع المهرولة نحو حكومة اليمين المتطرف، أكثر من كونها دفعا
لعملية التسوية السلمية باتجاه إقامة دولة فلسطينية باتت بعيدة المنال، في ظل ما
تعيشه الساحة الفلسطينية من أزمات وما تشهده القضية الفلسطينية من نكوص عربي رسمي
عن دعمها ونزوح نشط للتساوق مع رؤى الاحتلال الصهيوني اليميني المتطرف؛ صاحب سوابق
رفض أي دور أردني في أي إطار سياسي في الإقليم، لا زال النظام السياسي في الأردن
يضع كل رهاناته في نفس السلة وعلى ذات الأرضية المهترئة، ليثبت للجميع أنه يعبر عن
دولة لا تتجاوز وظيفتها بل تذهب بعيدا للقيام بها على حساب مصالح أمنها القومي،
رغم ارتفاع أصوات داخلها مؤخرا للمطالبة بمراجعات لتلك السياسات غير محمودة العواقب،
وإعادة التموضع والاصطفاف على أساسين مهمين؛ الأول متمثل بطمأنة الشارع الأردني
وتهدئته وسحب عرى التوتر من نواصيه، والثاني ذو ملمح استراتيجي باعتماد سياسات
متعددة الخيارات وذات توجهات مغايرة تضع مصلحة الأردن أولا وقبل أي اعتبار آخر،
ولا يكون ذلك حاليا إلا بمغادرة مربع مغامرات التطبيع وتفعيل العلاقة مع تيار
المقاومة الفلسطينية؛ كونها الأقرب تعبيرا ضمنيا وفعليا عن هذه المصالح.
فالمشتركات الاستراتيجية بين المقاومة الفلسطينية وبين
الأردن، الدولة والشعب، أوضح من أن تُشرح ويعيها النظام الأردني جيدا، ولكن
سلوكياته لا زالت عمياء صماء بكماء تجاهها، والأغلب أنه لا زال يفضل المراهنة على
مصداقية دوره في أروقة البيت الأبيض أكثر من المراهنة على مصداقيته أمام شعبه،
والأهم ضمانات وجوده استراتيجيا.