"العطاء لا يقتصر على الأعمار، ولا يتوقف عند الظروف"، هذا الدرس الذي تعلمه الطفلة الأردنية شام الرمحي للكبار، بعدما اختارت أن ترسم البسمة على وجوه الأطفال المحتاجين عبر مبادرة "عيد ونص".
شام (9 أعوام)، أطلقت مبادرتها بدعم من أسرتها قبل عامين، عندما قررت توفير مبلغ مالي في حصّالة صغيرة لجمع النقود، لتتبرع بما جمعته نهاية شهر رمضان لشراء ملابس واحتياجات العيد للأطفال المحتاجين.
الطفولة عنوان المبادرة، والإنسانية مضمونها، فالطفلة الأردنية ومن معها من أقرانها، أرادوا وبأسلوب غير مباشر، أن يعطوا الكبار درسا، بأن الإنسان يمكنه أن يقدم ويساعد مهما كان وضعه المعيشي.
وخلال لقاء أجرته الأناضول مع شام وعدد من الأطفال المشاركين في المبادرة، أعلنوا عن أهدافهم بحماسهم العالي وعيونهم الفرحة، قبل أن يقولوا: "نريد المساعدة".
"عيد ونص"
تقول شام: "مبادرة عيد ونص، تنشر الفرحة للأطفال حتى يشعروا بالعيد، فأنا أجمع في حصّالتي كل عام وأتبرع بما أجمعه، لكن هذا العام أحببت أن أشاركها (المبادرة) مع أطفال آخرين".
ووسط ملامح رضا من والدتها، تضيف الطفلة: "أحب ما أفعله كثيرا، فهذا الأمر يشعرني بالآخرين، وكم هم بحاجة إلى المساعدة، ونحن نستطيع مساعدتهم فعلا".
وبعد لحظة تفكير وحساب، تكشف شام: "أجمع بحصالتي خلال شهر رمضان نحو 30 دينارا (42 دولارا أمريكيا)، وسأشتري بهم ألعابا للأطفال، حتى يفرحوا بها في العيد".
وبمساعدة والدتها، بينت شام، أن "المبادرة اسمها (عيد ونص)؛ لأن المبلغ الذي يتم جمعه يؤمن ملابس العيد لطفل، ويفيض عن حاجته، ونص، هي للتأكيد بأن فرحة العيد ستتحقق لمن يحصل على ما في داخل الحصالة".
وتسعى المبادرة إلى مساعدة الأطفال المنتمين إلى أسر لا تستطيع توفير حاجيات العيد، لا سيما في ظل ارتفاع في نسبة البطالة بالبلاد، التي وصلت في 2021 إلى 24 بالمئة، وفق دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.
المرة الأولى
وبعدما سمعوا عما تفعله شام منذ عامين، قرر عدد من الأطفال المشاركة في "عيد ونص" للمرة الأولى، وبدؤوا بالفعل جمع الأموال في "حصالات" مكتوب عليها اسم المبادرة.
الطفل أسيد جابر (8 أعوام)، يقول وعيناه مليئة بالسعادة: "أنا أجمع النقود خلال شهر رمضان كي أعطيها للفقراء في العيد، وأشارك في مبادرة (عيد ونص) للمرة الأولى".
أما الطفل قيس إكرام (6 أعوام)، فقد رفع حصالة مصنوعة من معدن خفيف، مكتوبا عليها اسم "عيد ونص"، معبرا عن سعادته للمشاركة في المبادرة.
وبنبرة طفولية تملؤها الفرحة، يوضح قيس: "أنا مبسوط لأني اليوم مع شام، وسنجمع بحصالاتنا ثمن ملابس العيد للفقراء".
إظهار أخبار متعلقة
هنا تدخلت الطفلة نور حيمور (7 أعوام)، بقولها: "أنا متحمسة كثيرا للمشاركة بهذه المبادرة؛ لأني سأساعد
الفقراء" من الأطفال.
ويعيش في الأردن 3.8 مليون طفل دون سن 18، يمثلون 40 بالمئة تقريبا من سكانه البالغ عددهم 11 مليون نسمة، بينهم نحو 30 بالمئة غير أردنيين، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف".
مبادرة نوعية
أستاذ علم الاجتماع بجامعة مؤتة (حكومية) حسين محادين، وصف مبادرة شام، بأنها "امتداد لتأثير نوعية التنشئة النفسية والاجتماعية التي تشربتها هذه الطفلة من أسرتها".
وأوضح محادين أن "عمرها الزمني (شام) لا يخولها من ناحية علمية أن تكون مبادرة بالفطرة أو عفوية، لكنها بهذه المبادرة إنما تعزز بعدين من عمل الخير، بالنسبة لها ولأسرتها، كجذر لهذا السلوك المقدّر".
وتابع: "لكن في المقابل، فهذه الطفلة تبث فكرا وسلوكا نوعيين، يمثلان قدوة للآخرين، مفاده أن قيمة المبادرة ليست بالأرقام المالية الكبيرة، بحكم محدوديتها، لكنها أيضا تمثل أفقا جديدا من شأنه جعل الآخرين يقتفون ريادتها".
واختتم حديثه بالتأكيد أن "هذه المبادرة يمكن أن تعمم في أكثر من منطقة بالأردن، لا سيما أنها انطلقت في سيد الشهور رمضان الفضيل، الذي يتسم بأنه يزكي القيم النبيلة التي يتجسد فيها التكافل والإحساس بالآخرين".
ويُعاني الأردن من ظروف اقتصادية صعبة، وارتفاع كبير في السلع، بسبب أزمات الدول المحيطة به، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية الروسية المستمرة منذ شباط/فبراير2022، ما زاد من نسبة الفقر.