ترتبط
التغييرات الكبرى في أي منطقة في العالم بالصراعات، وغالبا ما تكون
صراعات مسلحة،
حدث هذا في أوروبا على مدار خمسة قرون تقريبا، في الفترة التي أعقبت ظهور
البروتستانتية كمذهب جديد منتصف القرن السادس عشر، إلى الحرب العالمية الثانية
منتصف القرن العشرين، التي توقف الاقتتال الأوروبي الداخلي بعدها، وحدث هذا في المنطقة
العربية خلال قتال الدولة العثمانية بزعم استقلال العرب، وغير ذلك من التغيرات
الكبرى في العالم التي أعقبت الصراعات المسلحة.
وقد
دخلت المنطقة العربية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في مرحلة احتراب بدأ بين السنة
والشيعة، ثم انتقل إلى خلافات سياسية داخلية شديدة الحدة بعد ثورات عام 2011،
وشهدت دول أخرى اقتتالا داخليا، وأخيرا انتقلت محاولة الانتقال الديمقراطي في
السودان إلى قتال مسلَّح بين المكونين العسكريين في الدولة، ما يعيد التساؤل: هل
نشهد إرهاصات تغييرات كبرى في المنطقة؟ وهو تساؤل لا يمكن القطع فيه بإجابة
يقينية، لكن الواقع الحالي أقرب لعدم إمكانية حدوث تغييرات كبرى في توجهات وسياسات
المنطقة.
في المنطقة العربية، فقد حدثت التفاعلات بعد الغزو الأمريكي للعراق في ظل احتلال، ولا يمكن إغفال دوره في تقسيم الدولة المحتلة حتى لا تتوحد الجهود ضده، وفي ثورات عام 2011، نجحت مصر وتونس في الحسم السريع، لكن القوى الإقليمية والدولية سرعان ما أدركت خطورة امتداد مسار تغيير النظم الوراثية أو العسكرية إلى باقي المنطقة، فبدأ دعم بقاء نظام علي عبد الله صالح في اليمن، لكي لا تنتقل الثورة إلى باقي دول شبه الجزيرة العربية
أهمُّ
مناحي النظر، ينصرف إلى جهات إنشاء التفاعلات الداخلية، ومَن يتحكم بتلك التفاعلات،
وقد كانت التفاعلات الأوروبية نتيجة تطورات طبيعية داخل مجتمعات القارة، خاصة القسم
الغربي منها، فكانت اتفاقية وستفاليا، ثم
الثورة الفرنسية، ونشْأة المجالس
التشريعية البريطانية، ثم الثورة الصناعية، والحربان العالميتان، حدث كل ذلك نتيجة
تفاعلات داخلية أدت لما وصلت إليه أوروبا اليوم.
أما
في المنطقة العربية، فقد حدثت التفاعلات بعد الغزو الأمريكي للعراق في ظل احتلال،
ولا يمكن إغفال دوره في تقسيم الدولة المحتلة حتى لا تتوحد الجهود ضده، وفي ثورات
عام 2011، نجحت مصر وتونس في الحسم السريع، لكن القوى الإقليمية والدولية سرعان ما
أدركت خطورة امتداد مسار تغيير النظم الوراثية أو العسكرية إلى باقي المنطقة، فبدأ
دعم بقاء نظام علي عبد الله صالح في اليمن، لكي لا تنتقل الثورة إلى باقي دول شبه
الجزيرة العربية. وفي سوريا تدخلت أطراف إقليمية أولها إيران لدعم النظام المؤيد
لها، وفي ليبيا عانى الليبيون من إجرام القذافي، وبعد إسقاطه وبدء مسار الانتقال
الديمقراطي، بدأت الأطراف المعادية للثورات في وضع العراقيل، وخرج من متحف القوات
المسلحة حفتر الذي قسم البلاد بدعم إقليمي واضح. أما تونس، فقد صمدت ظاهريا، إلى
أن جاء قيس سعيِّد وفعل بتونس ما لم تفعله قوى نظام ما قبل الثورة، وأصبحت قاب
قوسين من الارتداد الكامل على الديمقراطية، كما حدث في باقي دول الثورات.
الحاصل
أن الشعوب تحركت، لكنها لم تستطع التحكم بمسارات الحراك، فكانت النخب السياسية
رهينة لأطماعها، وكذلك النخب العسكرية، فلم تنجح التفاعلات في إحداث تغيير للأفضل،
بل تراجعت الأوضاع الداخلية إلى وضع أسوأ مما كان قبل الحراك الاجتماعي، ودخلت
أطراف إقليمية لترسيخ الانفلات الأمني، وإضعاف الاقتصاد حتى تظل الثورات مقرونة
بالبؤس بدلا من الحرية. ودعوى تدخل الأطراف الإقليمية ربما لا يصاحبها دليل
موثَّق، لكنها مُشاهَدَة في تحركات إقليمية وداخلية دؤوبة، وهذه الدعوى تشبه معرفة
وجود الروح في الجسد، دون مشاهدة ماهية الروح.
أبرز
ما يواجه المنطقة؛ تدخل الأطراف الخارجية في مصائر الشعوب، فكل حاكم يعرف معنى
نجاح الثورة في محيط دولته، والدول الغربية وأمريكا تعرف خطورة انعتاق المنطقة من
الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية، لذلك لم يكن انقلاب مصر محطَّ انزعاج حقيقي
لديهم، ووجود بشار يحفظ أمن كيان الاحتلال، لأن الجارة مضطربة وممزقة، وللأسف نفس
التواطؤ تظهر ملامحه في أزمة السودان الحالية.
ما تشهده المنطقة العربية قد يكون سببا في إحداث تغيرات حقيقية في علاقات الحكم، وتفاعلات الحاكم مع المحكومين، وهذا مسار غير مستبعد، لكنه مرهون بوجود قيادة شعبية حقيقية تستطيع تحريك الجمهور لتلبية تطلعاتها، خاصة ما يتعلق بتوزيع الثروات في المجتمعات، لكن للأسف قد يكون حدوث هذه التغييرات أمرا صعبا في ظل تدخُّل أطراف إقليمية ودولية لإبقاء نار الصراعات موقدة دون إخماد، وسيظل هؤلاء المستبدون متأهبون ضد كل حراك جماهيري، وستظل جهود الشوارع مُهدَرَة
كان
المكوِّن العسكري في السودان سببا في عدم بدء خطوات الانتقال الديمقراطي في الجارة
الجنوبية لمصر، وتوقفت العديد من محاولات الاتفاق بسبب الجيش وقوات الدعم السريع،
لكن طموح قائديْ الجيش والدعم السريع في الحكم، دفعهما إلى الاقتتال المسلَّح وهدم
الدولة رأسا على عقب، وأصبح السودان موضوعا تحت احتمالية تقسيم سياسي يشبه الوضع
في ليبيا، أو ربما ينزلق إلى تقسيم جغرافي كارثي، وأصبحت التقارير تتوالى عن دعم
إماراتي لحميدتي، ودعم مصري للبرهان، لكن مصر واقعيا أصبحت غائبة عن الوساطة في أي
صراع يدور على حدودها، سواء في فلسطين أو ليبيا أو السودان، وتلك كارثة من أكبر
كوارث نظام يوليو 2013.
ما
تشهده المنطقة العربية قد يكون سببا في إحداث تغيرات حقيقية في علاقات الحكم،
وتفاعلات الحاكم مع المحكومين، وهذا مسار غير مستبعد، لكنه مرهون بوجود قيادة
شعبية حقيقية تستطيع تحريك الجمهور لتلبية تطلعاتها، خاصة ما يتعلق بتوزيع الثروات
في المجتمعات، لكن للأسف قد يكون حدوث هذه التغييرات أمرا صعبا في ظل تدخُّل أطراف
إقليمية ودولية لإبقاء نار الصراعات موقدة دون إخماد، وسيظل هؤلاء المستبدون
متأهبون ضد كل حراك جماهيري، وستظل جهود الشوارع مُهدَرَة إلى أن تظهر قيادة
واعية، ومخلصة لقضية شعبها، لا تلتفت إلى إغراء سلطة، أو ترهيب قوى داخلية أو
خارجية، وتدير صراعات مراكز القوى بحكمة، معتمدة على قوة الشارع الذي يقهر أي قوة مستبدة
داخل المجتمع.