أحمد الطنطاوي في
مصر، عاد بسلام إلى أرض الوطن وسط تعليقات تحمد الله على
سلامته، وتؤكد أنه في أمان، خرج من المطار دون اعتقال أو حبس أو مضايقة.
مواطن مصري، يعارض السلطة، له آراء سياسية مختلفة، أعلن نيته الترشح
للانتخابات الرئاسية لمواجهة
السيسي بعد عام من الآن، فانظر ماذا حدث له؛ اعتقلوا أقرباءه، شتموه على مواقع التواصل الاجتماعي، سخروا منه في قنواتهم الفضائية،
حاولوا تخويفه والضغط عليه كي يتراجع عن قرار العودة إلى وطنه، ولكنه عاد. وأقولها
لكم منذ الآن: سيخرج رجال السيسي وأذرعه الإعلامية يمنّون علينا عودته، يتغنّون
بالحرية المطلقة التي يتيحها نظام السيسي، سيقولون عاد طنطاوي ولم يُعتقل فهل هناك
حرية وديمقراطية أكثر من هذا!
الإجابة باختصار: نعم، هناك ديمقراطية وهناك
انتخابات رئاسية، وهناك مرشحون،
وهناك حملات دعائية، يحدث هذا في كوكب آخر ليس منا ببعيد.
عودة أحمد الطنطاوي في هذا التوقيت تحديدا، فتحت من جديد باب المقارنة بين التجربة التركية في عهد أردوغان والتجربة المصرية تحت حكم السيسي، فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية ومشهد الانتخابات الرئاسية.
عودة
أحمد الطنطاوي في هذا التوقيت تحديدا، فتحت من جديد باب المقارنة بين
التجربة التركية في عهد أردوغان والتجربة المصرية تحت حكم السيسي، فيما يتعلق
بالممارسة الديمقراطية ومشهد الانتخابات الرئاسية.
في
تركيا،
يتنافس ثلاثة مرشحين على مقعد الرئاسة، يتجادلون، يتبادلون
الاتهامات، يستعرضون برامجهم الانتخابية، يتفاخرون بمؤتمراتهم الشعبية، هناك في
تركيا كل حزب بما لديهم فرحون.
وفي مصر، يتبادل المصريون التهاني على مواقع التواصل الاجتماعي فيما بينهم؛ لأن مرشحا رئاسيا محتملا قد عاد إلى أرض الوطن بسلام، ودون اعتقال.
في تركيا، ينسحب محرم إنجه المرشح الرئاسي قبل ساعات قليلة من بدء
الانتخابات، وسط تكهنات عن المرشح الذي سيحصد أصوات كتلته التصويتية.
أما في مصر، فيعود مرشح رئاسي إلى أرض الوطن قبل عام كامل من موعد
الانتخابات، وسط تكهنات عن موعد اعتقاله والتنكيل به من قبل النظام.
قد يكون لنا ملاحظات كثيرة ترقى إلى انتقاد أو إدانة بعض ممارسات النظام
التركي الحالي فيما يتعلق باعتقال الصحفيين، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي لأسباب
مختلفة، فسجلّ تركيا في سنواتها الأخيرة وفقا لتقارير صادرة عن منظمات بحجم
مراسلون بلا حدود وهيومان رايتس ووتش، يكاد يتشابه مع سجل مصر تحت حكم السيسي فيما
يتعلق باستهداف الصحفيين تحديدا. ولكن، ما يحدث الآن في مشهد الانتخابات الرئاسية
التركية، يجعلنا نتحسر على ما عاشه الشعب المصري ولا زال يعيشه تحت حكم السيسي.
في عشر سنوات عايش المصريون تجربتين لانتخابات رئاسية يشارك فيها السيسي،
الأولى أجبر فيها السيسي حمدين صباحي على المشاركة ليؤدي دور الكومبارس، وحصل
صباحي وقتها على عدد أصوات أقل من عدد الأصوات الباطلة، ولا تقارن بالتأكيد بما
حصل عليه الزعيم المشير الركن عبد الفتاح السيسي.
في المرة الثانية، كان المشهد عبثيا لدرجة تثير الضحك. السيسي الذي اعتقل
عبد المنعم أبو الفتوح ووضع رئيس أركان الجيش المصري السابق سامي عنان في السجن
وحاكمه بتهمة الترشح للرئاسة، لم يجد أي مرشح يكمل دور الكومبارس ويجمّل الصورة
غير شخص مجهول، يدعى موسى مصطفى موسى؛ الذي كان مدير لحملة السيسي الانتخابية قبلها
بأربع سنوات فقط.
المشهد السياسي المصري بائس وكئيب، لا صوت فيه يعلو على صوت السيسي وما يريد. يحدثونك عن حدثونك عن حوار وطني تشارك فيه أحزاب سياسية مصرية، ثم يفاجئوك باعتقال عدد من رموز هذه الأحزاب السياسية، واتهامهم بالإرهاب، وانضمامهم لجماعة خارجة على القانون.
هذه المرة لم يجرؤ أي مصري على إعادة التجربة المريرة مرة أخرى، وإعلان
ترشحه للرئاسة أمام السيسي غير أحمد الطنطاوي؛ الذي عاد إلى مصر أخيرا وطلب مهلة
خمسة أيام للبقاء مع عائلته الصغيرة، ليبدأ بعدها جولة من المباحثات واللقاءات مع
رموز سياسية ونخب مصرية، وليبدأ حينها أيضا النظام المصري في رسم خطة التنكيل به
بعناية.
المشهد السياسي المصري بائس وكئيب، لا صوت فيه يعلو على صوت السيسي وما
يريد. يحدثونك عن
حوار وطني تشارك فيه أحزاب سياسية مصرية، ثم يفاجئوك باعتقال عدد
من رموز هذه الأحزاب السياسية، واتهامهم بالإرهاب، وانضمامهم لجماعة خارجة على
القانون.
في تركيا المشهد، السياسي محتقن بشدة والصورة ضبابية ولا تعرف من سيفوز،
ولكن الجميع يستمتع بممارسة الديمقراطية وانتخاب من يرى فيه مستقبلا مشرقا لبلاده.
بعد أيام، سيعلم العالم من هو الرئيس الجديد لتركيا، وبعد عام من الآن سيعلم
العالم أيضا عدد
المرشحين الرئاسيين في مصر ومكان وجودهم؛ لا للتصويت لهم ولكن
لزيارتهم داخل السجون؛ فقد تجرؤوا وقرروا منافسة السيسي.
twitter.com/osgaweesh