كمن صعد إلى الشجرة
ولم يعد يعرف كيف ينزل عنها، هذه هي وضعية الكيان المحتل هذه الأيام، بعد أن قام
باغتيال قادة الجهاد الإسلامي؛ ظنّا منه أن رد حركات
المقاومة سيكون مقتصرا على
عشرات من الصواريخ تطلقها من قطاع
غزة وتسقطها القبة الحديدية، ومن ثم تُدخل
إسرائيل وساطات لتثبيت هدنة بين الأطراف.
"ثأر الأحرار" ورطت إسرائيل ورئيس وزرائها شرّ
ورطة، وذلك لتوسيع حركات المقاومة والجهاد الإسلامي نطاق الرد ليشمل مستوطنات الغلاف
والعمق الإسرائيلي. وبدلا من تهدئة الأوضاع والرضوخ لشروط المقاومة، قامت إسرائيل
بتعزيز ورطتها من خلال اغتيال أحمد أبو دقة (القيادي في حركة الجهاد)، من خلال
استهداف منزله في خان يونس، لتصل حصيلة الشهداء
الفلسطينيين إلى 30 شهيدا، أغلبهم
من النساء والأطفال. ما فعلته إسرائيل بهذه الخطوة، هو تعزيز الشعور لدى الشعب
الفلسطيني وحركات المقاومة بأن الرد يجب أن يتناسب مع الاعتداء، وبأنّ إسرائيل غير
معنية بوقف سياسة الاغتيالات.
عمليات الاغتيال وإن استهدفت القادة في حركة الجهاد الإسلامي هذه المرة، وذلك تنفيذا لخطة إسرائيلية هدفها أن تستفرد بحركات المقاومة كل على حدة، إلا أن هدفها واحد، الأول والأخير هو تصفية المقاومة الفلسطينية ككل. إنها رسالة واضحة لحماس أكثر من الجهاد.
هذه السياسة تعني بكل وضوح بأن عمليات الاغتيال وإن
استهدفت القادة في حركة الجهاد الإسلامي هذه المرة، وذلك تنفيذا لخطة إسرائيلية
هدفها أن تستفرد بحركات المقاومة كل على حدة، إلا أن هدفها واحد، الأول والأخير هو
تصفية المقاومة الفلسطينية ككل. إنها رسالة واضحة لحماس أكثر من الجهاد، مفاد هذه
الرسالة أنه يجب على حماس أن توقف عملياتها في الأراضي المحتلة، وإلا سيكون مصير
قادتها مشابها لمصير قادة حركة الجهاد الإسلامي.
لم تقتصر سياسة الاستفراد هذه على الجانب العسكري وحسب،
بل شملت الجانب الاقتصادي من خلال تخفيف الحصار على قطاع غزة بشكل جزئي جدا، والسماح
لمواد البناء بالدخول إليه. لقد رغبت إسرائيل في إيجاد شرخ في العلاقة بين حركات
المقاومة والقواعد الشعبية الداعمة لها في القطاع وخارج القطاع، وبناء على هذه
الاستراتيجية، اتخذت قرارها بشن عمليات اغتيال واسعة ضد حركة الجهاد الإسلامي؛ ظنّا منها بأن القواعد الشعبية سوف تضغط على حركات المقاومة للقبول بهدنة سريعة.
السؤال المهم والمحوري هنا: هل نجحت الاستراتيجية
الإسرائيلية ضد حركات المقاومة؟
الجواب لا يحتاج إلى الكثير من التفكير؛ لأن عملية
الاستفراد فشلت من خلال تصريحات حركة حماس التي وضعت كل ثقلها في خدمة حركات
المقاومة، ودخلت بعناصرها كافة في غرفة العمليات المشتركة. كما أن توسيع نطاق
استهداف إسرائيل لم يتم بشكل منفرد من قبل الجهاد الإسلامي، بل كان قرارا مشتركا مع باقي الفصائل. ولعل مدة صمت المقاومة لمدة 33 ساعة بعد عمليات اغتيال الشهداء
الثلاثة في حركة الجهاد الإسلامي، كانت لتنسيق المواقف مع جميع فصائل المقاومة
ليكون الرد موحدا وشاملا.
تأييد القواعد الشعبية لرد الفصائل الفلسطينية على الاعتداءات الإسرائيلية من جهة، ووقوف بقية الفصائل جنبا إلى جنب في عملية الرد، يفرض على هذه الفصائل وعلى رأسها الجهاد الإسلامي أن يكون ردها واسعا ورادعا ومنفردا؛ لأن هذا الرد سيحدد استراتيجيات إسرائيل المستقبلية.
وأما على المستوى الشعبي، فيكفي أن تتابع مقاطع الفيديو
التي يرسلها أهالي القطاع احتفاء بإطلاق صواريخ المقاومة تجاه إسرائيل، ويكفي أن
تسمع الزغاريد التي تنطلق ابتهاجا بـ"ثأر الأحرار". ولعل السبب الرئيسي
في فشل سياسة الاستفراد التي اتبعتها إسرائيل ضد فصائل المقاومة، هي أن قادة
المقاومة وعناصرها وسلاحها هم من أبناء فلسطين؛ لم يأتوا من الخارج ولم يهبطوا
علينا من المريخ، هؤلاء لهم أقاربهم في قطاع غزة وخارج القطاع، وقضيتهم هي قضية
مشتركة مع أبناء الشعب الفلسطيني. إنه الغباء في أوضح صوره عندما عوّلت إسرائيل
على إيجاد مثل هذا الشرخ. إن كل فلسطيني مؤمن بالقضية العادلة وإحقاق الحقوق، هو
مشروع قائد مقاومة.
ختاما، إن تأييد القواعد الشعبية لرد الفصائل
الفلسطينية على الاعتداءات الإسرائيلية من جهة، ووقوف بقية الفصائل جنبا إلى جنب
في عملية الرد، يفرض على هذه الفصائل وعلى رأسها الجهاد الإسلامي أن يكون ردها
واسعا ورادعا ومنفردا؛ لأن هذا الرد سيحدد استراتيجيات إسرائيل المستقبلية، وعليه فلا هدنة قبل "تأديب إسرائيل".