1- في لقائه أمس مع الرئيس الموريتاني، حث الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي الحكومة الإثيوبية على الأخذ بأي من
الحلول الوسط التي
طُرحت على مائدة التفاوض، والتي تلبي مصالحها، دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي
المصب، وذلك من أجل إبرام اتفاق قانوني ملزم، بشأن ملء وتشغيل
سد النهضة.
2- تضمّن حديث السيسي أمرين في آن واحد، وهما "حل
وسط" و"اتفاق ملزم".. فما هي العلاقة بين الاثنين؟
3- حتى هذه اللحظة لم يظهر في الإعلام المصري أي
تفسير لما يقصده السيسي بالمصطلح الجديد في الخطاب السياسي بشأن سد النهضة، وهو "الحل
الوسط"، هذا بالإضافة إلى عدم معرفة أي من أبناء الشعب المصري ما يقصده
السيسي بمصطلح "ملزم".
4- فتلك المصطلحات لا بد وأن تقيّم رقميا، فعلى
سبيل المثال لا بد من معرفة كم ستكون حصة الدولة المصرية من
النيل الأزرق في حالة
قبول إثيوبيا بالحل الوسط. فوفقا لاتفاقية 1959 فإن ما تحصل عليه مصر من تدفقات
النيل الأزرق سنويا يعادل في المتوسط 40 مليار متر مكعب، بينما يحصل السودان على
ما تبقى من التدفقات أي 8.5 مليار متر مكعب، وذلك على حساب المتوسط السنوي لتدفقات
النيل الأزرق والتي تعادل 48.5 مليار متر مكعب/ سنويا.
منذ أن وقّع السيسي لإثيوبيا على اتفاقية مبادئ سد النهضة عام 2015، والتي تنازل فيها عن كافة حقوق الدولة المصرية في نهر النيل الأزرق وسمح لإثيوبيا بأن تكون صاحبة اليد العليا في تفسير المصطلحات المطاطية لتلك الاتفاقية، يُنتظر أن تتعامل إثيوبيا مع مصر من منطلق "الإحسان"
5- إلا أن رفض إثيوبيا المستمر بعدم الاعتراف باتفاقية 1959 وأي حصة
للدولة المصرية وتحويل الأمر إلى منطق "الإحسان"، بمعنى نحن كإثيوبيين
نأخذ كل ما نريده من مياه النيل الأزرق وما يتبقى زائد عن احتياجنا يذهب لدولتي
السودان ومصر.
6- ولهذا فمنذ أن وقّع السيسي لإثيوبيا على اتفاقية
مبادئ سد النهضة عام 2015، والتي تنازل فيها عن كافة حقوق الدولة المصرية في نهر
النيل الأزرق وسمح لإثيوبيا بأن تكون صاحبة اليد العليا في تفسير المصطلحات
المطاطية لتلك الاتفاقية، يُنتظر أن تتعامل إثيوبيا مع مصر من منطلق "الإحسان".
وهذا أمر يمكنك ملاحظته بشكل قوي خلال اللقاء الشهير بين السيسي وآبي أحمد عام
2018، حيث وقف رئيس وزراء إثيوبيا "يحلف أمام السيسي بالله العظيم" بأنه
لن يضر الدولة المصرية.
وهذا هو قمة مفهوم علاقة "الإحسان" الذي
ربط الدولة المصرية بإثيوبيا بعد التنازل المنفرد لعبد الفتاح السيسي عن حقوق مصر
المكتسبة تاريخيا من نهر "دولي" تحفظه أكثر من 10 اتفاقيات دولية كانت
تحفظ حق الدولة المصرية، فجاءت اتفاقية مبادئ سد النهضة وخاصة البندين الرابع
والخامس واللذين هما متوافقان تماما مع بنود اتفاقية "عنتيبي"؛ لتورط مصر
إلى الأبد، وتخلع عنها ما كان يحمي حقوقها من اتفاقيات سابقة.
7- وعلى الرغم من عدم خروج أي مسؤول مصري في وزارة
الري ليشرح للمواطن المصري ماذا يقصد السيسي دائما بمصطلح "اتفاقية ملزمة"،
إلا أنه وعبر ما تسرّب خلال مؤتمر الدول الثلاثة مع الرئيس الأمريكي ترامب في
شباط/ فبراير 2020، يمكن فك لغز معنى مصطلح "ملزم".
وفقا لما تسرب من أخبار حينذاك، فإن المفاوض المصري كان يصر على الحصول على 40 مليار متر مكعب من تدفقات النيل الأزرق كما هو منصوص عليه وفقا لاتفاقية 1959، إلا أن إثيوبيا تصر على تخفيض هذا الرقم إلى 31 مليار متر مكعب. وهنا بدأ الخلاف حتى مع الرئيس ترامب، والذي وضع ضغوطا كبيرة على الجانب الإثيوبي للاتفاق على 37 مليار متر مكعب لمصر بدلا من 40 مليار متر مكعب
فوفقا لما تسرب من أخبار حينذاك، فإن المفاوض
المصري كان يصر على الحصول على 40 مليار متر مكعب من تدفقات النيل الأزرق كما هو
منصوص عليه وفقا لاتفاقية 1959، إلا أن إثيوبيا تصر على تخفيض هذا الرقم إلى 31
مليار متر مكعب. وهنا بدأ الخلاف حتى مع الرئيس ترامب، والذي وضع ضغوطا كبيرة على
الجانب الإثيوبي للاتفاق على 37 مليار متر مكعب لمصر بدلا من 40 مليار متر مكعب،
وطلب تجهيز الاتفاقية للتوقيع. إلا أن الوفد الإثيوبي ترك البيت الأبيض دون حتى استئذان
ترامب، ورفض التوقيع على الحل الوسط والذي هو 37 مليار متر مكعب، بينما وقع وزير
الري المصري منفردا على هذا الأمر.
8- وهكذا فلدى إثيوبيا اليوم "مسودة" اتفاق
موقع عليه وزير الري المصري منفرد يخفض فيه حصة الدولة المصرية من النيل الأزرق من
40 مليار متر مكعب إلى 37 مليار متر مكعب، أي تنازل عن ثلاثة مليارات متر مكعب، بينما
إثيوبيا كانت تصر أيام مبارك على تخفيض من 40 مليار متر مكعب إلى 31 مليار متر
مكعب، أي خصم تسعة مليارات متر مكعب.
9- بعد نجاح إثيوبيا في الملء الأول والثاني
والثالث وتأكدها من أن "رد الفعل المصري" لن يزيد عن ضجيج "صوتي"
لا يسمن ولا يغني من جوع، وأن أعلى سقف للدولة المصرية هو الذهاب بشكوي لمجلس
الأمن مثلما تكرر أعوام 2020 و2021 و2022، هنا ارتفعت "طموحات" إثيوبيا
وبدأت بعد نجاح الملء الثالث بالمطالبة بحصة تعادل تقريبا ثلث الإيراد السنوي
للنيل الأزرق، حيث طلبت خلال اللقاءات المتكررة مع مصر والسودان في أبو ظبي أن تكون
لها حصة تعادل 17.5 مليار متر مكعب، وتصريف 31 مليار متر مكعب لمصر والسودان.
تصر إثيوبيا على الحصول على "حصتها" بدعم من أبو ظبي"، والتي ستحيل المنطقة الحدودية بين إثيوبيا والسودان لأكبر مزرعة قصب سكر بعد استكمال تشغيل سد النهضة
10- ومن خلف مطالب إثيوبيا بحصة تعادل ثلث تدفقات
النيل الأزرق تقف حكومة الإمارات العربية، والتي تساند إثيوبيا إلى أقصى حد ممكن
لتمكينها من خصم تلك الحصة ليستفيد منها صندوق استثمار أبو ظبي في ري قرابة مليوني
فدان من الأراضي الزراعية الموجودة خلف سد السرج بين الحدود الإثيوبية والسودانية،
والتي من الممكن جدا أن تروى باستخدام مياه سد السرج عند منسوب 600 فوق سطح البحر.
ولذلك تصر إثيوبيا على الحصول على "حصتها" بدعم من أبو ظبي"، والتي
ستحيل المنطقة الحدودية بين إثيوبيا والسودان لأكبر مزرعة قصب سكر بعد استكمال
تشغيل سد النهضة.
11- وعليه فمن الممكن جدا أن يكون المقصود
بالمصطلح الجديد الذي استخدمه السيسي أمس هو حل ترامب عام 2020 ذو الـ37 مليار
متر مكعب، وموافقة الدولة المصرية بخصم ثلاثة مليارات متر مكعب من حصتها، وذلك
بعدما تبيّن للسيسي أن إثيوبيا في طريقها لتثبيت "الأمر الواقع" والحصول
لنفسها على حصة ثابتة تعادل 17.5 مليار متر مكعب والسماح فقط بتصريف 31 مليار متر
مكعب لدولتي المصب.