اقتصاد عربي

"بيع الأصول المصرية".. عرض إنجليزي ماليزي لشراء أحدث محطة كهرباء

الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة المصرية دفعت للتخلي عن هذه المحطة الاستراتيجية- جيتي
الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة المصرية دفعت للتخلي عن هذه المحطة الاستراتيجية- جيتي
تواصل الحكومة المصرية عرض أصولها السيادية للبيع إلى مستثمرين استراتيجيين مقابل التخلص من أعباء فوائد وأقساط ديون تعدت نحو 162.9 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وترهق كاهل أكبر بلد عربي سكانا، بعد اقتراض رئيس النظام عبد الفتاح السيسي لها لأجل مشروعات عملاقة لم تحقق الناتج المأمول منها.

آخر توجهات البيع لأصول مصرية، أعلنت عنها وكالة "بلومبيرغ"، الخميس، مشيرة إلى نية تحالف من شركتي "أكتيس" البريطانية، و"إدرا باور هولدنغز" الماليزية، شراء أحدث محطات الكهرباء، والتي دشنتها شركة "سيمنز" الألمانية، بمحافظة بني سويف (جنوب القاهرة) منتصف عام 2018، بقروض من بنوك ألمانية ومحلية.

قيمة الصفقة قد تبلغ ملياري دولار، واعتبرها مراقبون بمثابة "ضخ مرحب به لرأس المال من خارج المنطقة العربية"، موضحين في حديثهم للوكالة الاقتصادية الأمريكية أنها "ربما تكون الصفقة الفردية الأعلى قيمة في مصر على الإطلاق".

اظهار أخبار متعلقة


لكن يبدو أن مبلغ الصفقة لن تحصل عليه مصر كاملا نظرا لما تبقى من ديون من إنشاء تلك المحطة، كما أن القاهرة مع البيع المحتمل سوف تضطر إلى شراء الكهرباء المنتجة من المحطة المباعة من الشركة الفائزة بالصفقة، بحسب "بلومبيرغ".

ولأن محطة "بني سويف" إلى جانب محطتي "العاصمة الإدارية الجديدة"، و"البرلس" (شمال)، بنتهما "سيمنز"، بقروض بلغت نحو 6.4 مليارات دولار، فإن المشتري الجديد سيتولى مسؤولية سداد المستحقات المالية على المحطة مما يساعد مصر على تخفيف أحد أكبر أعباء ديونها، وفق التقرير.

وجرى بناء المحطات الثلاث بقروض من كونسورتيوم مكون من 3 بنوك ألمانية هي: "التعمير"، و"دويتشه بنك"، وفرع "إتش إس بي سي" في ألمانيا، بقيمة 4.1 مليارات يورو، إلى جانب قروض من بنوك محلية، وذلك لإنتاج طاقة كهربائية إجمالية تبلغ (14.4 غيغاوات).

لماذا البيع؟
وكان "صندوق الثروة السيادية" المصري قد أعرب عام 2019، عن إمكانية استحواذه على 30 بالمئة من المحطة، مع طرح النسبة المتبقية أمام مستثمرين أجانب.

لكن يبدو أن الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة المصرية، وضغوط الديون الخارجية، وتراجع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في شباط/ فبراير 2022، جميعها دفعت للتخلي عن هذا الخيار، بل وبيع كامل المحطة لتحالف الشركتين الإنجليزية والماليزية.

ووفق المنشور رسميا من أرقام وبيانات؛ يتوجب على الحكومة المصرية سداد نحو 9 مليارات دولار ديون خارجية خلال العام الجاري، وذلك بجانب ضرورة توفير حوالي 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية العام.

اظهار أخبار متعلقة


"خيار البيع السريع"
وفي تعليقه، قال الباحث والمتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية، خالد فؤاد: "من الناحية الاقتصادية، هناك أزمة أكبر من مسألة البيع ولها علاقة بقرض صندوق النقد الدولي الأخير لمصر وتأخر المراجعة الأولى منذ آذار/ مارس الماضي، لتأخر تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها القاهرة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن " مصر عجزت عن تنفيذ برنامج الطروحات وبيع 32 شركة عامة عرضتها قبل شهور، وتحصيل نحو 2 مليار دولار في 6 أشهر لسد فجوة تمويلية تصل نحو 5 مليارات دولار".
وأوضح أن "التصريحات الحكومية مبهمة ولا تتسم بالشفافية، مقابل أنباء عن بيع حصة الدولة ببعض الشركات غير معلن عنها، مع مستثمرين استراتيجيين غير معلن عنهم، وعبر صفقات لم يعلن عن تفاصيلها".

وأشار إلى أن "المحصلة وجود أزمة كبيرة في تنفيذ الحكومة لتعهداتها لصندوق النقد الدولي، لذلك لديها مشكلة كبيرة جدا مع الصندوق، وفي سد الفجوة التمويلية، ولذلك فالاتجاه أن يحدث بيع سريع".
وحول صفقة محطة بني سويف للكهرباء، قال الباحث المصري: "لو صحت فربما يحقق الشكل الظاهري جزءا من برنامج بيع الأصول المصرية ويدخل للدولة مبلغا كبيرا، وهذا يخدم الجانب الاقتصادي".

اظهار أخبار متعلقة


"البعد الأمني"

ولكنه لفت إلى أن "هناك مشكلة تتعلق بمحطات سيمنز الثلاث"، مبينا أن "تدشينها أحدث فائضا كبيرا في إنتاج الكهرباء، وسط عجز مصري عن استغلاله أو استثماره، ما يضع علامة استفهام كبيرة أمام بناء محطات بهذا الحجم وبهذه الديون المستحقة على مصر".

وتحدث فؤاد، عن البعد الأمني للصفقة، وما يمثله بيع تلك المحطة من مخاطر، مشيرا إلى أن "استحواذ شركة أجنبية على سلعة استراتيجية وخاصة ملف الطاقة مسألة تحتاج إعادة حسابات، ولا يكفي النظر لها من منظور اقتصادي فقط ولا بد من مراعاة المنظور الأمني والسياسي".

وأوضح أن "الحرب الروسية الأوكرانية ألقت الضوء بشكل كبير على مسألة الطاقة، وجعلت بعض دول أوروبا تعيد رؤيتها بعودة الدولة مجددا للاستحواذ على شركات الطاقة بل وتأميم الرئيسية منها، كونها سلعة استراتيجية وتتخوف من تحكم دولة أخرى أو مستثمرين أجانب بها".

وأكد فؤاد، أنه "من الناحية السياسية والأمنية فإن الصفقة بهذا الشكل الذي أعلنت عنه (بلومبيرغ) لها مخاطر أمنية، ويجب إعادة الحسابات حولها بشكل يحافظ على سلعة استراتيجية كالكهرباء، خاصة بحالة مصر التي يتزايد استهلاكها للكهرباء".

"أهمية المحطة"
وخلال كلمته بمجلس الشيوخ، 23 أيار/ مايو الماضي، اعترف وزير الكهرباء المصري محمد شاكر، بأهمية محطات سيمنز الثلاث العملاقة، قائلا إنها "حولت مصر من دولة تعاني أزمة كهرباء لدولة مصدرة"، مضيفا أن "الفضل في دخول المحطات الثلاث يعود إلى الرئيس السيسي".

اظهار أخبار متعلقة


اعتراف وزير الكهرباء، هذا يثير تساؤلات المراقبين حول بيع إحداها الآن، خاصة وأن المحطة المقرر بيعها تخدم صعيد مصر، كما يثير التساؤل حول التفريط في المحطة بالرغم من وجود خطط لتصدير الكهرباء للسودان والسعودية والأردن، وحتى لبنان وسوريا، وإلى أوروبا عبر قبرص.

وتصدر مصر الطاقة الكهربائية لـ5 دول عربية تقوم بالربط الكهربائي معها وهي الأردن (400 ميجاوات)، والأراضي الفلسطينية المحتلة 30 ميجاوات، والسعودية 3000 ميجاوات، والسودان 40 ميجاوات، وليبيا 40 ميجاوات.

وحول الإجراء القانوني الذي يكفله الدستور والقانون المصري ويمكن به للمصريين استرداد الأصول المباعة بخسا لتسديد الديون مع استمرار توجه النظام المصري نحو الاقتراض والبيع لسداد الديون وفوائدها، قال الخبير القانوني نبيل زكي، إن الأمر "صعب".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "من الناحية القانونية صعب لأن هناك قانونا أصدره النظام الحاكم يمنع طلب بطلان تصرفات الحكومة من أي أحد خارج أطراف التعامل".

واستدرك بقوله: "لكن في حالة قيام ثورة شعبية، وإثبات فساد النظام الحاكم يجوز إبطال التصرفات والاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمها"، مبينا أنه يمكن "اتخاذ قرارات تأميم مستقبلا لاستعادة بعض الأصول حال إثبات فساد النظام وسوء نيته".

وأصدر السيسي، قرارا بالقانون (رقم 32 لسنة 2014)، والذي قصر أصحاب الصفة والمصلحة في الطعن على العقود التي تبرمها الدولة أو أحد أجهزتها أو الأشخاص الاعتبارية الأخرى على أصحاب الحقوق العينية والشخصية على الأموال محل التعاقد وكذلك أطراف التعاقد من دون غيرهم.

"هدم ممنهج"
الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد، قال لـ"عربي21"، إن "عهد السيسي، لا يتسم بأي نوع من الشفافية فضلا عن العلانية، وكل شيء يتم غالبا بالسر، ولا نعلم عنه غالبا وفي وقت متأخر إلا من وكالات أنباء أجنبية، ومعاهد ومؤسسات متخصصة، إلا النذر اليسير".

ويرى أنه "لا أي أهمية لتلك الصفقة، بل العكس أرى أضرارا جسيمة، فكل شيء لا يعتمد على دراسات، وذلك لأن الأسعار أو تكلفة تلك المشروعات وقت إنشائها تضاعف عدة مرات الآن لو فكرت في إنشاء أي منها من جديد، ما يعني أن بيعه، وما سيباع يسير في إطار هدم ممنهج للاقتصاد المصري".

الحداد، تساءل عن سبب "التوسع بالمشاريع الاستثمارية المتعلقة بالكهرباء، حتى أصبح لدينا فائض يزيد عدة أضعاف عن حاجة الاستهلاك، ثم لا تجد من يشتري الفائض، ثم تقدم عروضا مغرية لتصديره، فتبيع الكيلوواط بأقل حوالي 5 مرات مما يدفعه الشعب المصري".

ويرى أن "خسائر مصر، موجودة قبل البيع، حيث يدفع المواطن المصري ثمن تكلفة الاستثمار مع تكلفة الاستهلاك، وذلك بالمخالفة لكافة الأعراف الدولية، ما يعد غبنا وتدليسا وسرقة علنية واستغفالا واستخفافا بهذا الشعب، وكأنه هو المستثمر الحقيقي، وليس الدولة".

ويعتقد أن هذه هي "المرة الثانية التي يدفع فيها الشعب ثمن هذه الشركات، بجانب عدة رسوم استغلالية أخرى يتم تحميلها بفاتورة الكهرباء"، لافتا إلى ما اعتبره "مشكلة أخرى"،.

وأوضح أنه "عند بيع هذه المحطة لشركات أجنبية، سيتم استبدال تكلفة الاستثمار بمقدار الإرتفاع الذي سيتوالى على سعر الاستهلاك للكيلووات ساعة، بعد ذلك ومع كل تخفيض لقيمة العملة، مع بقاء الرواتب والمعاشات على حالها، ما يعني تكريس وتفاقم حالة الفقر والإفقار لـ90 بالمئة من الشعب".

ويتوقع الكاتب المصري، أنه "ومع كل ذلك فإن المتسبب بكل هذه المشاكل، سيخلع يده ويقول: (إننا لا نملك تلك الشركات لكي نتحكم في أسعارها)"، خاتما بقوله: "هذا هو السيسي قد جاء، أو جيء به بأجنده شيطانية بالفعل، وفي كل الملفات".


"غضب ومخاوف مصرية"
مراقبون ومتابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا خبر بيع محطة بني سويف للكهرباء صادما.
وفي تعليقه عبر "فيسبوك"، قال الباحث والكاتب الاقتصادي الدكتور أحمد البهائي: "لو تم فذلك كارثة كبرى"، محذرا من "السيطرة الأجنبية على المرافق العامة التي تقدم خدمات للجمهور".

اظهار أخبار متعلقة


لكن يظل أكثر تخوف لدى عامة المصريين هو ما قد ينتج عن ذلك البيع من رفع لأسعار وفواتير الكهرباء، خاصة وأن ذلك التوجه يتزامن مع ما يثار حول رفع الحكومة المصرية تعريفة الكهرباء مجددا في تموز/ يوليو المقبل، دون تحديد النسبة المحتملة التي ترجحها بعض المصادر ما بين 10 و20 وحتى 41 بالمئة.

واتخذت حكومات السيسي، المتتابعة منذ العام 2014، وحتى تموز/ يوليو المقبل 9 قرارات بزيادة تعريفة استهلاك الكهرباء، التي ارتفعت بنحو 860 بالمئة في 9 سنوات من حكم السيسي، ما زاد من أعباء المصريين وفاقم أزماتهم الحياتية.


التعليقات (0)