أعلن
البنك المركزي التركي الأحد الماضي تراجعه عن سياسة
حماية الودائع بالليرة التركية
من تقلبات سعر الصرف، وقال البنك إنه أوقف الأهداف المطبّقة على البنوك والمتعلقة
بتحويل قدر معين من
الودائع بالعملات الأجنبية إلى ودائع بالليرة تتمتع بالحماية
من تقلبات سعر الصرف.
وسياسة
حماية الودائع بالليرة التركية اتبعتها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان السابقة في
أواخر عام 2021م، سعيا لتحقيق الاستقرار لسعر
الليرة التركية والحيلولة دون
تدهوره، وذلك ضمن منظومة السياسة النقدية التي تبناها الرئيس أردوغان بخفض سعر
الفائدة من جانب، وحماية تلك الودائع من جانب آخر، فضلا عن تركيزه على السياسة
الهيكلية من خلال دفع عجلة الإنتاج وزيادة الصادرات، بتخفيض تكلفة الائتمان،
ومعالجة التضخم بزيادة الكتلة السلعية.
وقد
وصلت الودائع المحمية إلى نحو 117 مليار دولار (أي ما يعادل 3.1 تريليون ليرة)،
وهو ما يشكل نحو ربع إجمالي الودائع المصرفية. وقد تعاظم الإقبال على هذه الودائع بعد
تراجع الليرة بنحو 68 في المئة
على مدى العامين الماضيين.
استخدام الحكومة التركية لسياسة حماية الودائع بالليرة كان أمرا ابتكاريا مصرفيا خارج الصندوق في وقته، للحيلولة دون تدهور سعر الليرة والمحافظة على استقرارها، ولكن الخطأ كان في استمرار استخدام هذه السياسة كل هذه المدة الطويلة نسبيا، وكان الأولى استخدامها في حد أقصاه سنة، لما في ذلك من تبعات مع كل انخفاض في سعر صرف الليرة التركية
وفكرة الوديعة المحمية ليست جديدة،
رغم أنها تعد أداة مصرفية ابتكارية في
تركيا، فقد ابتكر الغرب السندات ذات القيمة الاسمية القياسية، حيث يتم تحديد قيمة
قياسية أو معادلة للقيمة الاسمية للسند عند طرحه للتداول، وفي تاريخ استحقاق السند
يحصل حامله على القيمة المعادلة لقيمته الاسمية مقدرة بأصل مرجعي آخر، وليكن الذهب
أو أي عملة تتسم بقدر كبير من الاستقرار.
فعلى سبيل المثال، لو كان هناك سند بالجنيه وقيمته
الاسمية 1000 جنيه، فقد يتم تحديد القيمة الاسمية له عند 142.9 دولار على أساس أن
سعر الصرف هو 7 جنيهات، وإذا ما انخفض سعر صرف الجنيه وأصبح 7.5 جنيه لكل دولار في
تاريخ استحقاق السند فإن المستثمر يحصل على 1071.75 جنيه (142.9× 7.5) وليس
مبلغ 1000 جنيه التي صدر بها السند.
ومما لا شك فيه أن استخدام
الحكومة التركية لسياسة
حماية الودائع بالليرة كان أمرا ابتكاريا مصرفيا خارج الصندوق في وقته، للحيلولة
دون تدهور سعر الليرة والمحافظة على استقرارها، ولكن الخطأ كان في استمرار استخدام
هذه السياسة كل هذه المدة الطويلة نسبيا، وكان الأولى استخدامها في حد أقصاه سنة،
لما في ذلك من تبعات مع كل انخفاض في سعر صرف الليرة التركية، فقد دفع البنك المركزي
فقط ما يقدر بنحو 300 مليار ليرة (11 مليار دولار) في حزيران/ يونيو، وفي تموز/ يوليو
الماضي عندما تراجعت الليرة مجددا؛ قُدرت تكاليف هذا الشهر بنحو 350 مليار ليرة.
تأتي هذه الإجراءات قبل أيام من الكشف عن البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل، المقرر الكشف عنه في أوائل أيلول/ سبتمبر من قبل وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، والذي سيعتمد وفق تصريحاته على إصلاحات وسياسات هيكلية تهدف إلى استعادة الصحة المالية وتحسين التوازن الخارجي ودعم الحد من التضخم، وحماية الاستقرار المالي الكلي، وتعزيز المرونة ضد الصدمات، وتعزيز النمو القوي المستدام
لذا فإن
ما اتخذته الحكومة التركية من التراجع في سياسة حماية الودائع بالليرة التركية هي
خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث يستهدف البنك المركزي أن تحدد البنوك هدفا جديدا
يتمثل في تحويل الودائع بالليرة المحمية من تقلبات سعر الصرف إلى ودائع عادية
بالعملة المحلية، بعدم تجديد الودائع المحمية القديمة.
ولكن مع
ذلك فإن البنك المركزي التركي تبنى سياسة نقدية تشديدية لمعالجة التضخم من خلال
رفع سعر الفائدة -والتي لا نتفق على الاستمرار فيها- جذبا لأصحاب الودائع المحمية
المنتهية، كما قام بالضغط من طرف ثان لتهميش أي ربحية للودائع الدولارية، من خلال رفع
نسبة الاحتياطي القانوني الذي ينبغي على البنوك الاحتفاظ به بالنسبة لحسابات
العملات الأجنبية التي تصل إلى شهر واحد، من 25 في المئة إلى 29 في المئة، وهو
إجراء تهدف الحكومة من ورائه إلى دفع العملاء بقدر أكبر نحو التحول إلى الودائع
العادية بالليرة، والقضاء على الدولرة.
وتأتي هذه
الإجراءات قبل أيام من الكشف عن البرنامج
الاقتصادي متوسط الأجل، المقرر الكشف عنه في أوائل أيلول/ سبتمبر من
قبل وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، والذي سيعتمد وفق تصريحاته على إصلاحات
وسياسات هيكلية تهدف إلى استعادة الصحة المالية وتحسين التوازن الخارجي ودعم الحد
من التضخم، وحماية الاستقرار المالي الكلي، وتعزيز المرونة ضد الصدمات، وتعزيز
النمو القوي المستدام، فضلا عن تصريحات أخرى له بقرب نهاية سياسة التشديد
النقدي متوقعا البدء بالتراخي اعتبارا من النصف الثاني من العام القادم 2024م،
والأهم من ذلك قوله: "سنضمن توافق منتجات البنك المركزي التركي مع التمويل
التشاركي"، فهل سيشهد مستقبل الاقتصاد التركي على مستوى الاقتصاد الكلي -ولو
على مراحل- التوجه نحو المنتجات التمويلية الإسلامية؟ نأمل ذلك، وإن غدا لناظره قريب.
twitter.com/drdawaba