من المؤسف بل من المخزي، أن الحكام العرب يعيشون في وهْم الصهاينة وأنهم حُماة
عروشهم وشريان الحياة لهم للوصول إلى قلب أمريكا لترضى عنهم، لذلك يسعون سعياً
حثيثاً لنيل شرف الرضا السامي منهم في الخفاء، ولكن حُماة العروش هؤلاء يأبون إلا أن
يفضحوهم على الملأ ويعلنون عن تلك اللقاءات التي تمت معهم في السر.
وعلى الرغم من ذلك لم يتعلم الحكام العرب الدرس ويعوا أن الكيان الصهيوني
لا يهتم بهم ولا تهمه شخوصهم؛ بقدر اهتمامه بأن ينخرط ويندمج ضمن منظومة المنطقة
بأسرها ويعمم
التطبيع مع الدول العربية. وهو يهدف بإعلانه عن تلك اللقاءات المحرمة
لتشجيع الآخرين المرتجفين من السير في خطى إخوانهم لترويض الحس الشعبي العربي تدريجيا
لقبول الأمر الواقع وفتح السفارات لاحقاً؛ كي يقود المنطقة كلها بعد ذلك برضا
حكامها العرب، وأنه لم يعد كيانا سرطانيا زُرع في أرض غريبة عنه وتلفظه الملايين
من شعوبها الأحرار الذين لم تتحول بوصلتهم رغم هوجة التطبيع في الأعوام الأخيرة،
فهم على الدرب صامدون ولا يزالون يرون الكيان الصهيوني هو العدو الحقيقي للأمة؛
الذي اغتصب
فلسطين واحتل أرضها ولا بد من مقاومته وطرده من أرضها.
ولعل ما قاله رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو"، يوضح هذه
الإشكالية أو المفارقة بين الحكام العرب وشعوبهم، فمنذ عامين تقريبا قال نتنياهو إنه
لا مشكلة مع الحكام العرب في التطبيع بينما المعضلة لا تزال في الشعوب العربية..
الحكام العرب لم يتعلموا الدرس من فضح لقاءاتهم السرية مع الكيان الصهيوني ويكررون ذلك مراراً وتكراراً من غير ملل ولا كلل، وكان آخرها لقاء وزيرة الخارجية الليبية "نجلاء المنقوش" مع نظيرها الصهيوني "إيلي كوهين"، في إيطاليا وبواسطة إيطالية. وقد أعلن المسؤولون الصهاينة أنه قد تم الاتفاق عليه مسبقاً على أعلى مستوى، مما أحرج حكومة الوحدة الوطنية ووضعها في مأزق كبير
أعود فأقول إن الحكام العرب لم يتعلموا الدرس من فضح لقاءاتهم السرية مع
الكيان الصهيوني ويكررون ذلك مراراً وتكراراً من غير ملل ولا كلل، وكان آخرها
لقاء
وزيرة الخارجية الليبية "نجلاء المنقوش" مع نظيرها الصهيوني "إيلي
كوهين"، في إيطاليا وبواسطة إيطالية. وقد أعلن المسؤولون الصهاينة أنه قد تم
الاتفاق عليه مسبقاً على أعلى مستوى، مما أحرج حكومة الوحدة الوطنية ووضعها في مأزق
كبير، فقد نفت قبل ذلك علمها بهذا اللقاء وقالت إنه جاء عارضاً. فلا يمكن لطفل ساذج أو
أبله أن يصدق أن اللقاء كان بالصدفة وبدون علم الحكومة، فهل يُعقل أن وزيرة خارجية
ليبيا تجرؤ على أن تُقدم على لقاء خطير كهذا له أبعاده الوطنية والقومية والثقافية
دون علم رئيس الحكومة "عبد الحميد
الدبيبة"، الذي اضطر أمام سخط وغضب
الشعب الليبي الذي خرج إلى الشوارع
يندد بهذه الخيانة، أن يصدر قراراً بإقالتها؟
وكان لافتاً انه اتخذ قرار الإقالة من السفارة الفلسطينية في طرابلس؛ التي زارها
فجأة وبلا أية مقدمات وعلى غير موعد، فقط ليؤكد دعم بلاده للقضية الفلسطينية، وهذا
إن دل على شيء فإنه يدل على غباء سياسي وعقم في التفكير لدى صاحبه، اعتقاداً منه
أن الناس بلهاء ستنطلي عليهم هذه الألاعيب المكشوفة والمفضوحة..
وفي نفس الوقت سُمح للوزيرة بمغادرة ليبيا، فإذا كان هذا اللقاء قد تم
بعيداً عن أعين الدبيبة وبدون ترتيب منه ومعرفة به لوجب التحفظ عليها ومحاكمتها
بتهمة التجسس طبقاً للقانون الليبي الذي يُجرّم العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإن
كان مكتب وزيرة الخارجية قد أكد أن اللقاء مع وزير خارجية الكيان الصهيوني كان
بعلم وإذن من الدبيبة شخصياً واتفاق مع رئيسة الحكومة الإيطالية لترتيب لقاء مع
الجانب الصهيوني..
وجدير بالذكر أن نجلاء المنقوش قريبة من الدوائر الأمريكية، وأن اختيارها جاء بدون اعتراض من أحد رغم بعدها عن
الدوائر الدبلوماسية وهنالك من هم أكثر كفاءة وخبرة في العلاقات الدولية..
لا شك أن جائحة التطبيع التي اجتاحت الدول العربية في السنوات الثلاث
الماضية منذ بدأتها دولة الإمارات العربية وأبرمت اتفاقية إبراهيم مع العدو
الصهيوني، قد فتحت شهية الحكام العرب الخانعين والمتواطئين مع الكيان الصهيوني
فهرولوا إليه منتظرين دورهم في التطبيع. وبالطبع لم تكن ليبيا بعيدة عن مزاد
التطبيع، وقد بدأت إشارات التطبيع في مطلع هذا العام بعد زيارة رئيس المخابرات
الأمريكية "وليام بيرنز" للعاصمة الليبية، ولقد ذكرت وكالة أسوشييتد برس
الأمريكية أنه ناقش مع مسؤولين ليبيين مسألة تطبيع العلاقات بين حكومة طرابلس
والكيان الصهيوني، وأن الدبيبة أبدى موافقة مبدئية على الانضمام إلى اتفاقات أبراهام
لكنه أعرب عن قلقه وتخوفه من رد فعل الشعب الليبي الذي يدعم القضية الفلسطينية..
وفي شهر آذار/ مارس الماضي زار وزير العمل الليبي "علي العابد" رام
الله والقدس، وقد فسرها البعض أنها تمهيد للتطبيع فما كان له أن يدخل الأراضي
الفلسطينية المحتلة إلا بتأشيرة من دولة الاحتلال!
ولو رجعنا بالزمن لعقدين خليا، سنجد أن معمر القذافي نفسه كانت تراوده فكرة
التطبيع، أليس هو مَن اقترح في مؤتمر القمة العربية فكرة الدولة الواحدة لحل
القضية الفلسطينية وسماها "إسراطين"، وأهان المسجد الأقصى بلفظ سيئ تأبي
يدي أن تكتبه، وقال نبني مسجداً آخر؟!
ولقد أشيع أثناء الثورة الليبية عام 2011، وشعور القذافي بالخطر الشديد، أنه
طلب من إيطاليا أيضا أن تتوسط له لدى الكيان الصهيوني لإنقاذ نظامه من هؤلاء
الإرهابيين الذين يريدون محو
إسرائيل من الوجود، ولقد ظهر وزير صهيوني في لقاء على
قناة "روسيا اليوم"، محذراً الغرب من خسارة نظام القذافي!
آفة التطبيع وصلت إلى ليبيا وأن لقاء نجلاء المنقوش بنظيرها الصهيوني ما هي إلا خطوة سبقتها خطوات وستلحقها أخرى في طريق التطبيع الذي يسعى إليه الدبيبة لتثبيت حكمه واستمراره في السلطة، وكذلك خصومه من السياسيين (مثل حفتر وعقيلة) كلهم يسعون نحو التطبيع للإطاحة بحكومة الدبيبة وتعزيز مراكزهم والفوز في الانتخابات المقبلة، ولكن الكل، سواء الدبيبة وحكومته وعقيلة وبرلمانه وحفتر ومليشياته، يصطدمون بصخرة الشعب الليبي الرافض للتطبيع
لقد كان القذافي أيضا يسعى إلى التطبيع مع العدو الصهيوني لتثبيت أركان
حكمه، ولولا أنه بني شعبيته في ليبيا على مناصرة الشعب الفلسطيني والعداء لإسرائيل
والقضاء عليها، باعتباره أميناً للقومية العربية من بعد جمال عبد الناصر الذي
أورثه إياها في خطاب أمام الجماهير في ليبيا في آخر احتفال بثورة الفاتح من سبتمبر
حضره عبد الناصر قبل موته، لأعلن القذافي تطبيع ليبيا جهراً وليس في الخفاء!
ليس هناك أدني شك في أن آفة التطبيع وصلت إلى ليبيا وأن لقاء نجلاء المنقوش
بنظيرها الصهيوني ما هي إلا خطوة سبقتها خطوات وستلحقها أخرى في طريق التطبيع الذي
يسعى إليه الدبيبة لتثبيت حكمه واستمراره في السلطة، وكذلك خصومه من السياسيين (مثل
حفتر وعقيلة) كلهم يسعون نحو التطبيع للإطاحة بحكومة الدبيبة وتعزيز مراكزهم
والفوز في الانتخابات المقبلة، ولكن الكل، سواء الدبيبة وحكومته وعقيلة وبرلمانه
وحفتر ومليشياته، يصطدمون بصخرة الشعب الليبي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني
بأي شكل من الأشكال..
إن الحكام العرب الذين هرولوا إلى الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين
العربية والتودد لقادتها؛ باعوا فلسطين والقدس ومسرى رسولنا الكريم والمسجد الأقصى،
أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بأبخس الأثمان، أما ما يطمئن النفس أن
الشعوب العربية رافضة لهذا التطبيع، وان مصيره الفشل، وكل اتفاقيات العار والتطبيع
إلى زوال وستظل فلسطين حية وحاضرة في الوجدان العربي وفي ضمير كل حر في العالم..
وهنا تحضرني رائعة محمود درويش:
عرب أطاعوا رومهم
عرب وباعوا روحهم
عرب.. وضاعوا
سقط القناع عن القناع
عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء..
twitter.com/amiraaboelfetou