ما زالت الأوساط الإسرائيلية منشغلة بالتحديات المحيطة بها، وتختلط فيها المخاطر السياسية مع التهديدات الأمنية والعسكرية، ما قد يتطلب تغييرا عميقا في سياسة حكومة الاحتلال لاستعادة نفوذ الاحتلال الجيو-استراتيجي الذي تراجع في كافة المجالات، وأن الروافع التي بيدها تتآكل وتتضاءل. ودون تغيير الاتجاه في سياستها، فإن التحديات ستشتد وتتحول أكثر فأكثر إلى معضلة حقيقية.
الجنرالان عاموس يادلين الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، وأودي أبينثال خبير الاستراتيجية والتخطيط، أكدا أن "المنطقة تشهد تغييرا في الاتجاه الاستراتيجي يستدعي من حكومة الاحتلال إعادة ترتيب الأحداث، وتغييرا عميقا في سياستها سيسمح لها باستعادة نفوذها الجيو-استراتيجي، والقدرة على التخطيط والمبادرة، بدلا من الرد على الأحداث في مختلف الساحات".
"ويتضمن مثل هذا التغيير خمس خطوات رئيسية: الانقلاب القانوني الذي أضرّ بأمن الدولة، واستعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، وتبني النموذج الأمني على الساحة
الفلسطينية، وتحدي تصاعد
حزب الله، وحراسة المصالح الأمنية في التطبيع مع
السعودية"، بحسب الجنرالين.
وأضافا في مقال مشترك نشرته "
القناة 12"، وترجمته "عربي21" أن "التغير الأهم في المنطقة يتمثل في تقدم البرنامج النووي الإيراني أمام تراجع النفوذ الإسرائيلي ضده، ولذلك يشهد هذا البرنامج الحالة الأكثر تقدما في تاريخه، كما تبدي إيران جرأة متزايدة في التعامل مع النظام الدولي، وآخرها حظر دخول ثلث مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما من شأنه أن يشكل تهديدا عسكريا حقيقيا ضد إيران ورادعا فعالا، وهكذا لم يعد صوت إسرائيل ضد تحركات إيران غير مسموع فحسب، بل إن علاقاتها مع الولايات المتحدة أصبحت على المحك، مما تسبب بتآكل التهديد الإسرائيلي المضاد لإيران، وبات تأثيره صفرا على تفاهمات واشنطن وطهران".
وأشارا إلى أن "التهديد الثاني هو الساحة الفلسطينية حيث التفاعل المحدود، مع استمرار التدهور الأمني في الضفة الغربية، وارتفاع مستوى الهجمات في المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين، ودخول الاحتلال في حالة تأهب متعددة التصعيد، خوفاً من انتقال الأحداث من القدس والضفة إلى غزة والخط الأخضر، بما فيها السجون والساحة الشمالية، بالتزامن مع تصارع نموذجين داخل الحكومة متضاربين، أولهما أمني يدعو لاستقرار وتعزيز السلطة الفلسطينية، وثانيهما "مسيحاني" يسعى للتصعيد والسيطرة المباشرة على كل الضفة الغربية، والغريب أن أداء الحكومة من الناحية العملية، لا يعمل على عدم استقرار المشهد فحسب، بل يخلق تصعيدا وتدهورا".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدا أن "التهديد الثالث هو حزب الله باعتباره من يحدد الإيقاع الأمني في الساحة الشمالية، وفي الأشهر الأخيرة، حذرت شعبة الاستخبارات ورئاسة الأركان من تآكل خطير في الردع ضده، من حيث تصاعد سلسلة استفزازاته، والمشي على حافة الهاوية عندما هدد بالحرب على خلفية المفاوضات البحرية، كما تم تسجيل ارتفاع جديد عندما بدأ هجومًا غير عادي للغاية في مجدّو في العمق الإسرائيلي، ولم يمنع حماس من إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان، والآن يهدد بالرد إذا هاجمت إسرائيل قيادات حماس في لبنان".
وأوضحا أن "التهديد الرابع يتمثل في التطبيع المتوقع مع السعودية، وتأثيرها على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، فواشنطن والرياض لديهما مصالح كبيرة، ويسعى بايدن لإخراج الأخيرة من دائرة النفوذ الصيني، وضمان أسعار نفط معتدلة، فيما تطالب المملكة الولايات المتحدة بإبرام اتفاق دفاعي ضد إيران، والحصول على أسلحة أمريكية متقدمة وبرنامج نووي مدني كامل، وهنا يتجلى النفوذ الإسرائيلي في حقيقة أن واشنطن تحتاجه لتمرير الاتفاق عبر الكونغرس، وفي الحد الأدنى قد تلجأ واشنطن لصفقة أكثر محدودية، وبالتالي لن تتطلب موافقته، وستترك إسرائيل خارج الصورة".
لم يكن هذان الجنرالان أول من يستعرض تهديدات الاحتلال، فقد سبقهما الجنرال تامير هايمان مدير معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، الذي وضع يده على جملة تحديات تواجه الأمن القومي، "أولها المليشيات المنتشرة في قوس حول الاحتلال ما يشكل له تحديا تكتيكيا خطيرا على المدى القصير، أما التحدي طويل المدى فهو امتلاك إيران قوة ردع نووية دون دفع ثمن، ما قد يؤدي لسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط".
وأضاف في مقال نشرته "
القناة 12" وترجمته "عربي21" أن "التحدي الثاني يتعلق بالتخوف من انتفاضة فلسطينية ثالثة، يقودها جيل الشباب المنتظمين محلّيا على شكل خلايا، فيما تعاني السلطة الفلسطينية ضعفا مزمنا، ويجعل من هذه الموجة مشكلة تكتيكية خطيرة ذات أبعاد استراتيجية، إذا أضفنا لها تحدي خلافة أبي مازن في اليوم التالي، لكن هناك خطر جدّي واستراتيجي يتلخص في الانزلاق الإسرائيلي لواقع دولة واحدة".
وأشار إلى أن "التحدي الثالث مرتبط بالحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة بسبب الانقلاب القانوني، وسياسة الاحتلال بالضفة الغربية، بالتزامن مع التغيرات الكبيرة داخل أمريكا بما يتعارض مع الاحتلال، وسيكون القادة الأمريكيون بعد بايدن مؤيدين للرواية الفلسطينية أكثر بكثير من التعاطف مع الرواية الإسرائيلية".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن "التحدي الإسرائيلي الرابع يتعلق بالاستقطاب والانقسام الاجتماعي في أزمة غير مسبوقة في حدّتها مع غياب الإجماع واسع النطاق، لأن الانقلاب القانوني فتح كل صناديق الشرور في المجتمع الإسرائيلي، وأخرج كل الشياطين من سجونهم، ولا يمكن إعادتهم مرة أخرى، في ضوء تعمق واحتداد الانقسامات: الطائفية والدينية والطبقية والقومية والاقتصادية والتعليمية والثقافية".
تتواصل المحاولات الإسرائيلية لرصد قائمة تبدأ ولا تنتهي من التهديدات والتحديات، ويضاف لكل ما سبق تحدي الوضع الراهن في المسجد الأقصى، وشرعنة البؤر الاستيطانية، والتراخي في مواجهة جرائم المستوطنين اليهود، وانتهاك أوضاع الأسرى الفلسطينيين، مما يقلّص من مجال المناورة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية، وارتكازها بشكل رئيسي على ردود الفعل على حوادث التصعيد، بجانب تصاعد الاضطرابات الداخلية، وضياع الثقة بين الإسرائيليين.
أما على الصعيد الخارجي، فإن دولة الاحتلال تواجه عدّة تحديات أولها تفوّق الصين على الولايات المتحدة، وثانيها تفكك العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، وثالثها تراجع علاقة دولة الاحتلال مع يهود العالم، ورابعها التخوف من فقدان دولة الاحتلال للميزة العسكرية والنوعية التي احتفظت بها.