كان ولا يزال
التطبيع بين أي دولة عربية
وإسرائيل بمثابة هدف رئيس للبيت الأبيض بعيدا عن هوية الرئيس القابع داخله، أو
انتمائه الحزبي. ولا يختلف الأمر كذلك في الجانب الإسرائيلي الذي يرى في أي خطوة
تطبيعية مع أي دولة عربية أو إسلامية نجاحا لا يرتبط بهوية رئيس وزرائها أو
انتمائه الحزبي.
يبدو واضحا أن إدارة الرئيس جو بايدن قد أطلقت مبادرة
معقدة لتطبيع العلاقات
السعودية الإسرائيلية. وعلى الرغم من الزخم الذي تشهده
الدول الثلاث فيما يتعلق بأفق ومدى هذه المبادرة، لا يعرف الكثير من التفاصيل
المهمة، أو الآثار طويلة الأجل على المصالح الأمريكية.
قبل أيام قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي،
إن «السلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل سيكون صفقة كبيرة، ومن شأن ذلك
أن يساعد على خلق ظرف يمكن فيه لبلدان المنطقة أن تتعاون في كل شيء من الاقتصاد
إلى التكنولوجيا إلى الأمن الإقليمي. وهذا من شأنه أن يفيد الولايات المتحدة
بطريقة أساسية، لأن لدينا مصلحة في شرق أوسط أكثر تكاملا واستقرارا، حيث يكون من الطبيعي
خفض التصعيد، بدلا من التصعيد».
لكن سوليفان لم يتطرق إلى مصلحة واشنطن المباشرة، والتي لا
يمكن فهمها وتحليلها بعيدا عن الواقع الجيو ــ إستراتيجي، والمنافسة الأمريكية مع
الصين وإلى حد ما روسيا، في وقت حققت فيه الولايات المتحدة اكتفاء ذاتيا في مصادر
الطاقة، بل أصبحت مصدرة لها.
لا يتحرك مسار التطبيع في فراغ، بل طبقا
لخطوات تدريجية مدروسة، ففي الأول من سبتمبر 2021، أعلن البنتاجون دخول إسرائيل
رسميا نطاق مسئوليات منطقة القيادة الوسطى العسكرية «سينتكوم» إلى جانب بقية دول
الشرق الأوسط الأخرى.
وتسمح خطوة البنتاجون الأخيرة بتعزيز التنسيق بين القوات
الأمريكية المنتشرة في المنطقة وشركائها العرب وحليفتها إسرائيل، في الوقت الذي تركز
فيه إدارة الرئيس جو بايدن على مواجهة ما تراه تهديدات إيرانية متزايدة.
على مدى العقود الماضية، كانت إسرائيل تقع ضمن نطاق
القيادة الأوروبية «إيوكوم» بسبب حالة العداء بينها وبين الدول العربية التي تمثل
العمود الفقري لنطاق عمليات القيادة الوسطى، وذلك منذ تأسيسها عام 1983.
يمثل انضمام إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة الوسطى
اعترافا بواقع جديد يعكس حجم وقوة علاقات إسرائيل العسكرية بعدد متزايد من الدول
العربية.
ولا شك أن تحرك كل من السعودية وإسرائيل نحو التطبيع يخدم
مصالحهما القومية كما ترتئيها حكومتا البلدين، لكن لا يظهر هذا الجانب في الموقف الأمريكي
المتحمس لدفع التطبيع بينهما.
لا يمكن تفكيك الحماس الأمريكي لصفقة كبرى تطبع العلاقات
بين السعودية وإسرائيل دون التطرق إلى العوامل السياسية المحلية في جميع الدول
الثلاث.
إسرائيل لا تخفي تحمسها لإقامة علاقات مع أي دولة عربية أو
مسلمة طالما لا يكلفها ذلك شيئا على الأرض فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية. وتعتبر
إسرائيل أن افتتاح أي سفارة لها في عاصمة عربية بمثابة انتصار دبلوماسي وسياسي من
العيار الثقيل، وأن مثل هذه الخطوات ما هي إلا ترجمة لواقع جديد لا يكترث فيه
العرب بالفلسطينيين ولا بالقدس، بل بمصالحهم المباشرة. وسعوديا يمثل التطبيع خطوة
هامة إذ يخدم المصالح السعودية التي تشير التقارير المختلفة إلى طلبها من واشنطن
ضمانات أمنية أمريكية مباشرة وصريحة، وتخصيب الوقود السعودي في سياق المساعدة
النووية الأمريكية للرياض، والسماح للرياض بشراء أحدث ما تنتجه مصانع السلاح الأمريكي.
وتشير الرسائل الصادرة من الرياض على تصميمها بالعمل على حل الدولتين، ومنح
الفلسطينيين دولة مستقلة كجزء ضروري من أي اتفاق تطبيعي.
على النقيض، لا تملك واشنطن رؤية واضحة
لأهدافها من خطوة التطبيع المفترضة بين حليفيها الكبيرين. ولا يبدو واضحا أي أهداف
أمريكية تخدمها وتقرب منها خطوة التطبيع السعودي الإسرائيلي، وهل سترتبط مثل تلك
الخطوة بتقليص علاقات الرياض وتل أبيب مع بكين وموسكو على سبيل المثال. في حين
يعتبر البعض أن الحماس الأمريكي ما هو إلا رد فعل من بايدن على نجاح خصمه السياسي
دونالد ترامب في التوصل لاتفاقيات تطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، فيما عرف
بالاتفاقيات الإبراهيمية.
من هنا خرجت بعض الأصوات المحذرة لإدارة جو بايدن من مغبة
الحماس لدفع قطار التطبيع في ضوء التكلفة المرتفعة التي ستتكبدها واشنطن لصالح أهم
حليفين لها في الشرق الأوسط. وعلى مدى العقود الأخيرة، قدمت واشنطن بالفعل أكثر من
140 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل، وكانت في الوقت ذاته الشريك الأمني
الرئيسي للمملكة العربية السعودية. ومع ذلك تؤكد مختلف التقارير عن المفاوضات
الجارية أن إسرائيل تطلب المزيد من واشنطن، وكذلك السعودية.
(الشروق المصرية)