أمام عملية طوفان الأقصى التي أدخلت الاحتلال الإسرائيلي في حالة من
الصدمة، وما تبعها من دعم أمريكي وأوروبي غير مشروط، مقرون بغطرسة كبيرة وفرت
للاحتلال ضوءا أخضر لتمرير برامجه ومشاريعه في المنطقة، وجدت كل من عمّان والقاهرة
نفسيهما في أتون صراع غير منضبط أو مسيطر عليها.
فالقوى الغربية الشريكة لعمان والقاهرة لا تريد الاستماع لصوت العقل، وجل
اهتمامها حشد التأييد والدعم الغربي والإقليمي والدولي للكيان المحتل في عدوانه
على قطاع
غزة، ومساعدته لاستعادة زمام المبادرة، والخروج من حالة الصدمة النفسية
والعسكرية الناجمة عن عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
الغطرسة الغربية وردود الفعل غير المتزنة، أنشأت فجوة ازدادت عمقا واتساعا بمرور
الوقت بين عمّان والقاهرة من جهة، والشركاء الغربيين بما فيهم أمريكا وألمانيا
وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا من جهة أخرى؛ إذ توجهت القوى الغربية بمطالب غير منطقية
أو مقبولة من الأردن ومصر لعلاج الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية على حساب
الدولتين الموقعتين على اتفاقات مع الكيان (كامب ديفيد، ووادي عربة)، لتتحول
الاتفاقات إلى لعنة سياسية تهدد أمن واستقرار البلدين، بعد أن سُوّق لهما
باعتبارهما اتفاقات استعادت الحقوق الأردنية والمصرية.
الغطرسة الغربية وردود الفعل غير المتزنة، أنشأت فجوة ازدادت عمقا واتساعا بمرور الوقت بين عمّان والقاهرة من جهة، والشركاء الغربيين بما فيهم أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا من جهة أخرى؛ إذ توجهت القوى الغربية بمطالب غير منطقية أو مقبولة من الأردن ومصر لعلاج الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية على حساب الدولتين الموقعتين على اتفاقات مع الكيان (كامب ديفيد، ووادي عربة)، لتتحول الاتفاقات إلى لعنة سياسية تهدد أمن واستقرار البلدين.
الغرب نظر إلى الأردن ومصر باعتبارهما الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية
والأمنية؛ ما أثار توجس وغضب عمّان والقاهرة؛ لينعكس لاحقا بإلغاء قمة بايدن
الثلاثاء الماضي (17 تشرين الأول /أكتوبر الحالي) في العاصمة الأردنية عمّان، بحضور
كل من الرئيس
المصري وملك الأردن ورئيس السلطة في رام الله، موقف ساعد عليه ارتكاب
الاحتلال مجزرة مستشفى المعمداني في غزة، وحراك شعبي غاضب في الشارع الأردني والمصري
والفلسطيني في الضفة الغربية.
رغم جهود الملك عبد الله الثاني لامتصاص الصدمة، من خلال حراك دبلوماسي
استهدف الدول الخمس (أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا) إلى جانب إسبانيا
وكندا؛ فإن ذلك لم يوقف حالة الهستيريا التي دخلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية
إلى جانب باريس ولندن وروما وبرلين، هستيريا غربية قابلتها مخاوف من تصعيد عسكري
كبير على الجبهات الشمالية لفلسطين المحتلة، تشمل حزب الله وإيران والمقاومة
الفلسطينية في لبنان وسوريا، الأمر الذي ولّد لدى القاهرة وعمان شعورا بالعزلة
والاستهداف في جزيرة معزولة؛ دافعا البلدين نحو مزيد من التقارب والتنسيق لمواجهة
التحديات والضغوط العسكرية والسياسية المحيطة بهما.
الأردن رفع صوته عاليا من باريس وبرلين معلنا رفضه تهجير الفلسطينين القسري
من قطاع غزة، معتبرا ما يجري في القطاع جريمة حرب، على لسان ملك الأردن، ليتبعه
تصريحات لوزير الخارجية أيمن الصفدي، خلال خطاب له أمام البرلمان في العاصمة عمّان
الأربعاء الماضي، قال فيها؛ إن "الأردن لن يقبل أي محاولة لتهجير الفلسطينيين"،
مضيفا أن الأردن سينظر لعملية
التهجير على أنها "إعلان حرب"، وسيكون
تهديدا للأمن الوطني الأردني وللدولة الأردنية.
وقال الصفدي؛ إن للأردن 3 مطالب آنية، وهي وقف الحرب فورا، وإدخال المساعدات
الإنسانية إلى غزة الآن، وحماية المدنيين؛ وهو سقف تجاوز كل السقوف التي اعتاد الأردن
الرسمي الالتزام بها عند مناقشة العلاقة مع الكيان الإسرائيلي.
تبع هذه التصريحات في اليوم التالي زيارة لم تكن معلنة مسبقا للملك عبد
الله الثاني إلى القاهرة، التقى فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ الذي صرح بدوره
برفض القاهرة تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، ملوحا للقوى الغربية بالاستعانة
بالشعب المصري المعروف بموقفه الرافض للتطبيع ولاتفاقية كامب ديفيد لوقف أي محاولة
إسرائيلية لتمرير التهجير.
الأهم من ذلك، أن زيارة الملك عبد الله الثاني سبقتها زيارته لهيئة الأركان
الأردنية المشتركة بقيادة اللواء يوسف الحنيطي في عمان، كما ترافقت مع إطلاق مصر
مناورات بالذخيرة الحية لم تكن مبرمجة مسبقا؛ أشرف عليها وزير الدفاع المصري
اللواء محمد زكي، ونفذتها المنطقة المركزية للقوات المصرية، بالتزامن مع زيارة قائد
المنطقة العسكرية الوسطى الأمريكية (سينتكو) الجنرال الأمريكي مايكل كورولا للكيان
الإسرائيلي ثم القاهرة.
القاهرة تنسق مع الصين وروسيا لضمان تدفق المساعدات للقطاع، ووقف إطلاق النار وتجريم "إسرائيل"، في مقابل إعاقة القرارات الأممية لتجريم المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس بقرار صادر عن مجلس الأمن، وهو ما اتضح باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) لأول مرة؛ دفاعا عن حماس ومحاولات وصمها أمريكيا وأوروبيا بالإرهاب.
الرسائل الصادرة من القاهرة وعمّان، تؤكد بأن البلدين في حالة استنفار سياسي
ودبلوماسي وشعبي، آخذ يتحول شيئا فشيئا إلى استنفار عسكري، تتناسب طبيعته مع
التهديدات التي تطلقها إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؛ استعدادا للانتقال
إلى خطوة ثانية بتهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن؛ استكمالا لمشروع اليمين
الإسرائيلي المعلن لنتنياهو ووزرائه سموتريتش وبن غفير، وهو مشروع وقفت المقاومة
الفلسطينية في القطاع عائقا أمامه؛ لتجد مصر والأردن نفسيهما وبشكل تلقائي ظهيرا للمقاومة، عبر رفض مشاريع التهجير القسري والجماعي من قطاع غزة، وهو تموضع وخطوة تخلقت من
رحم المواجهة، مفضية إلى حالة من التكامل المعقول بين المقاومة وعمان والقاهرة.
في موازاة اتساع الفجوة بين القاهرة وعمان من جهة والقوى الغربية من جهة أخرى؛
نجد تقاربا وتكاملا معقولا وردما للهوة بين العاصمتين ومعسكر المقاومة الفلسطينية؛
يُتوقع أن يفضي إلى تقارب إقليمي أوسع يشمل سوريا والعراق وإيران ولبنان، في حال
تواصلت الغطرسة الأمريكية واندفاع إسرائيل نحو مخططاتها لتحويل الحياة في القطاع والضفة
الغربية إلى جحيم يصعب العيش فيه.
غرفة الطوارئ الأردنية المصرية التي بدت في طور التشكل، عبر زيارة الملك
عبد الله الثاني للقاهرة، قرعت ناقوس الخطر في العواصم الأوروبية وأمريكا. فالقاهرة
تنسق مع الصين وروسيا لضمان تدفق المساعدات للقطاع، ووقف إطلاق النار وتجريم "إسرائيل"،
في مقابل إعاقة القرارات الأممية لتجريم المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس
بقرار صادر عن مجلس الأمن، وهو ما اتضح باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) لأول مرة؛ دفاعا عن حماس ومحاولات وصمها أمريكيا وأوروبيا بالإرهاب.
ختاما.. تواصل المواجهات وامتداد مساحتها زمانيا ومكانيا، مع الاندفاع نحو
مواجهة برية لم تعد تهدد بنزيف عسكري وأمني وسياسي للكيان الإسرائيلي فقط؛ فأوروبا
وأمريكا أصبحتا متوجستين من نزيف سياسي إقليمي، يعيد تموضع الحلفاء والشركاء
المقربين وعلى رأسهم الأردن ومصر، ويقربهم أكثر من الصين وروسيا.