كلما طالت الحرب على
غزة كلما تصاعد الخوف في صفوف
اليهود، وخاصة اليهود
المستقرين في دول كثيرة. ويعود هذا الخوف إلى عوامل عديدة؛ من بينها تزايد احتمال أن
تسفر هذه الحرب عن هزيمة مدوية لإسرائيل، ولن يكون ذلك مجرد خسارة معركة بقدر ما
ستخلف وراءها تداعيات نفسية عميقة على الشخصية اليهودية.
ليست حكومة تل أبيب مسؤولة فقط على حماية اليهود الذين اختاروا الانضمام إلى
الكيان الصهيوني، وإنما يجد اليهود في العالم أنفسهم رهائن لدى حكام اسرائيل، خاصة
في مثل هذه الأوضاع الدرامية. فما صرح به رئيس الجالية اليهودية في مونتريال يائير
شلاك لصحيفة يديعوت أحرنوت؛ فيه أكثر من معنى عندما قال: "إنها أوقات صعبة
بالنسبة لليهود في جميع أنحاء العالم، لقد غمرتنا الشكايات من الطلاب وأولياء
الأمور في أوروبا وكندا بشأن الملاحقة لليهود والمظاهرات والاحتجاجات ضد الحرب
الإسرائيلية على غزة، لا يمكننا حل مشكلة معاداة السامية، لا يمكننا تحمل ذلك، لقد
طفح الكيل".
دفعت تطورات الحرب عددا من اليهود إلى تصعيد انتقاداتهم ضد نتنياهو وحكومته، لكن الأهم ما اعتبره آخرون أن المشكلة أعمق وأكبر من ذلك بكثير. ورغم أن النتائج السياسية للحرب لا تزال مجهولة عند الجميع بما في ذلك القيادة الإسرائيلية، فالأكيد أن الكيان الصهيوني سيخرج منهكا على أكثر من صعيد عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وهو ما سيجعله منهكا وغير قادر عمليا على الدخول في مغامرة جديدة
أما روني برمان، بصفته يهوديا وسبق له أن كان مديرا لمنظمة أطباء بدون حدود
(MSF)، فقد أكد
على قناة فرنسا الخامسة أن إسرائيل "لا تعتبر فقط البلد الأكثر خطورة بالنسبة
لليهود المقيمين فيها، وإنما أيضا تعرض بقية اليهود في العالم إلى مخاطر محدقة".
بل ذهب إلى أكثر من ذلك عندما اعتبر أن حركة حماس ليست مسؤولة عن الحرب على غزة، وإنما
اسرائيل تحتل الأراضي
الفلسطينية منذ أكثر من سبعين عاما.
دفعت تطورات الحرب عددا من اليهود إلى تصعيد انتقاداتهم ضد نتنياهو وحكومته،
لكن الأهم ما اعتبره آخرون أن المشكلة أعمق وأكبر من ذلك بكثير. ورغم أن النتائج
السياسية للحرب لا تزال مجهولة عند الجميع بما في ذلك القيادة الإسرائيلية،
فالأكيد أن الكيان الصهيوني سيخرج منهكا على أكثر من صعيد عسكريا وسياسيا
واقتصاديا، وهو ما سيجعله منهكا وغير قادر عمليا على الدخول في مغامرة جديدة، خاصة
إذا صحت تقديرات كتائب القسام بالنسبة للحجم الكبير لخسائر الجيش الإسرائيلي.
أمام هذا الوضع المعقد تراجعت نسبة ثقة الجمهور الإسرائيلي في صلابة دولته
وقدرته على مواجهة التحديات المختلفة، مما دفع ببعضهم ممن شاركوا فيما يطلقون
عليها حرب الاستقلال إلى الاعتراف بأن الأراضي الفلسطينية لم تكن فارغة كما قيل
لهم وكما تروج السردية الصهيونية، وأقروا بأنهم أطلقوا النار على السكان الذين
وجدوهم في القرى والمدن الآمنة فغادروا مساكنهم خوفا على حياتهم وأعراضهم.
أحدثت الحرب رجة نفسية عميقة في صفوف الجاليات اليهودية التي سيطر عليها قلق
شديد جعل بعضهم يخفي هويته ويتجنب التعريف بنفسه علنا، كما تم الإقرار بتصاعد موجة
العداء للسامية بسبب الصور المنقولة من غزة للمجازر المتواصلة في صفوف المدنيين
وخاصة أطفال غزة.
ما هو مؤكد أن الحرب على غزة عمقت عزلة إسرائيل بين جيرانها بعد أن كسبت بعض النقاط خلال السنوات الأخير؛ عندما ظنت بأن توسيع دائرة التطبيع قد أكسبها حصانة دائمة، خاصة بعد انطلاق الاتصالات مع السعودية تحت رعاية أمريكية. لقد نسفت المواجهة الراهنة كل الخيالات والخزعبلات التي تسللت إلى العقل الاسرائيلي.. فلسطين لم تمت ولن تموت.. والفلسطينيون لا يزالون أحياء صامدين
كما توالت الدعوات من مختلف الجهات المطالبة بمقاضاة المسئولين الإسرائيليين
أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
هناك حاليا مئات المحامين من مختلف الجنسيات والعقائد بما في ذلك يهود، تولوا
متابعة هذه الشكوى وفي حوزتهم عشرات الأدلة التي سيكون من الصعب القدح فيها رغم
استمرار دعم معظم الحكومات الغربية لتل أبيب.
ما يلفت النظر أن اليهود في المنطقة العربية لم يتعرضوا لأي شكل من أشكال
الاعتداء من قبل جيرانهم العرب وشركائهم في الوطن، رغم قسوة الصور المنقولة مباشرة
عبر القنوات التلفزيونية. وذلك دليل على ترسخ الوعي لدى عموم المواطنين بضرورة
التمييز بين اليهود والصهاينة، وبين رابطة المواطنة وبين ما يحصل من عدوانية وحشية
داخل فلسطين. لكن ما هو مؤكد أن الحرب على غزة عمقت عزلة إسرائيل بين جيرانها بعد أن
كسبت بعض النقاط خلال السنوات الأخير؛ عندما ظنت بأن توسيع دائرة التطبيع قد
أكسبها حصانة دائمة، خاصة بعد انطلاق الاتصالات مع السعودية تحت رعاية أمريكية.
لقد نسفت المواجهة الراهنة كل الخيالات والخزعبلات التي تسللت إلى العقل
الاسرائيلي.. فلسطين لم تمت ولن تموت.. والفلسطينيون لا يزالون أحياء صامدين.. لقد
انتقل الخوف من المجهول إلى الضفة الأخرى.