الإذلال في العلاقات الدولية يؤدي دائماً إلى الرغبة في الانتقام- الأناضول
انتشرت في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي صور لسجناء فلسطينيين أيديهم مقيَّدة خلف ظهورهم وأعينهم معصوبة، جاثين وعراة إلا من ملابسهم الداخلية، ومحشورين أحياناً داخل شاحنات. ولكن ما الذي أراد الجيش الإسرائيلي أن يُظهره من وراء نشر تلك الصور المهينة لأسرى فلسطينيين؟ وهل كان الهدف هو البعث برسالة مفادها أنه يسيطر على الوضع وأن مقاتلي «حماس» يستسلمون؟ ربما آثر الجيش الإسرائيلي نشر هذه الصور بنفسه على أن تنشرها جهة أخرى بهدف التحكم في عملية التواصل. وفي وسائل الإعلام، حملت هذه الصور في كثير من الأحيان تعليقات تزعم أن الأمر يتعلق بأعضاء من ميلشيا «حماس» استسلموا. والحال أنه كان من بين الأسرى الفلسطينيين أيضاً أساتذة وصحافيون أُسروا في أماكن لجأوا إليها هرباً من القصف وهم ليسوا من أعضاء ميلشيا «حماس».
من وجهة النظر الإسرائيلية، من الضروري محاربة «حماس»، غير أنه ينبغي الحذر من الوسائل التي تسخّر لهذا الغرض. فلو نشرت «حماس» صوراً لرهائن إسرائيليين بملابس داخلية أُمروا بالاصطفاف بهذه الطريقة وأيديهم مقيدة وأعينهم معصوبة وكلهم جاثون أو مكدسون في مكان ما، لكانت هناك الكثير من ردود الفعل. ولو أظهر الجيش الروسي سجناء أوكرانيين في مثل هذه الظروف، لأثارت تلك الصور الكثير من ردود الفعل في وسائل الإعلام الغربية أيضاً. والحال أنه ليست هناك فائدة في إذلال الأفراد، بل إن ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية تماماً.
الجيش الإسرائيلي يبرر ما فعله بالقول إن الأمر يتعلق بإجراءات أمنية، مؤكداً أن هدفه كان هو التأكد من أن أولئك الفلسطينيين لا يحملون أحزمة ناسفة. وهذه الحجة تبدو معقولة، غير أنه من ناحية أخرى، كان من السهل جداً السماح للسجناء بارتداء ملابسهم بمجرد الانتهاء من تفتيشهم وعدم كشفهم علناً بهذه الطريقة.
إننا نعلم أن الإذلال في العلاقات الدولية يؤدي دائماً إلى الرغبة في الانتقام. ثم إنه لم يحدث أبداً أن بُني نصر سياسي على الإذلال، لأن الآثار التي يتركها ضارة جداً ومشوبة بالعداء والكراهية. فإذلال اليوم يُنتج كراهية الغد. وليس من مصلحة إسرائيل إذلال الفلسطينيين بهذه الطريقة وإظهارهم علانية وتكديسهم في الشاحنات وتجريدهم من إنسانيتهم. والأكيد أن الدولة التي تدعي أنها ديمقراطية لا ينبغي لها أن تتصرف مثل تنظيم إرهابي، إذ لا يمكننا أن ندعي أننا دولة ديمقراطية من أجل إضفاء الشرعية على حرب ضد الإرهاب ثم الانخراط في مثل هذه الأساليب. وهناك احتمال كبير لأن تترك هذه الصور آثاراً دائمة على الآراء لا تنمحي، سواء في الغرب أو في بقية أنحاء العالم.
ومن جهة أخرى، نتذكر صدمة صور «سجن أبو غريب» في العراق، والتي كشفت ما يتعرض له السجناء العراقيون من أعمال إذلال وتعذيب. والراجح أنه سيكون لصور السجناء الفلسطينيين تأثير سلبي للغاية على المدى القصير. صحيح أنه من المعتاد في زمن الحرب أن يرغب المرء في إظهار قوته للخصم، لكن هذا لا يعني بالضرورة تعريض المهزوم للإذلال.
فالنصر بالإذلال لا يؤدي إلا إلى تدهور الوضع وتجدد الكراهية. وإضافة الكراهية إلى الكراهية لا فائدة فيها. وبدلاً من ذلك، ينبغي التفكير في حلول سياسية: فالفلسطينيون والإسرائيليون يفترض أن يعيشوا جنباً إلى جنب، اللهم إلا إذا كان الهدف هو طرد كل الفلسطينيين. وهذا ليس هو المشروع الإسرائيلي. الأمر لا يتعلق بإضفاء الشرعية على هجمات «حماس»، ولا بعدم إدانتها. ولكن ما فعلته إسرائيل بهذه الصور التي تكشف عن إذلال جماعي لا يبعث على الأمل ولا التهدئة، وإنما يبعث على التردي والتدهور. ولا شك أن هذا أقل خطورة من قصف المدنيين الفلسطينيين، إذ ما فتئت أعداد الضحايا تزداد يوماً بعد يوم، ولكن الصور تظل راسخة في الذاكرة.