للمرة الأولى، قفزت أدوات الدين للحكومة
المصرية بالعملة
المحلية بنحو 59 بالمئة لتسجل ما يصل إلى 2.7 تريليون جنيه، ما يعادل 87 مليار
دولار (الدولار يعادل 30.9 جنيها رسميا) في النصف الأول من السنة المالية
2023-2024، متجاوزة بذلك إجمالي ما تستهدفه عام بـ26 بالمئة، وفقا لوكالة "بلومبيرغ".
وارتفع إصدارات أذون وسندات الخزانة في مصر، بحسب خبراء اقتصاد،
بسبب ارتفاع خدمة الدين، ومعدلات التضخم، وتلبية فاتورة الاستيراد المحلية فضلا عن
الوفاء بمتطلبات الإنفاق الحكومي الكبير على المشروعات.
اظهار أخبار متعلقة
في أيار/ مايو الماضي رفعت مصر احتياجاتها التمويلية في موازنة
2023-2024، بنسبة 27 بالمئة إلى 2.14 تريليون جنيه، وتمويلها من خلال أدوات الدين المحلي
(الأذون، والسندات) لسداد استحقاقات سابقة لأدوات الدين، وتمويل
عجز الموازنة العامة
للدولة.
"إفراط في الاقتراض
وتفريط في الجدارة"
وارتفع متوسط العائد على أذون الخزانة لمدة عام (365 يوما)
إلى 27.7 بالمئة، وفقا لآخر عطاء على موقع
البنك المركزي المصري، وأذون الخزانة هي
من أدوات الدين (قصيرة الأجل).
يجدر الإشارة إلى أن كل 1 بالمئة زيادة في سعر الفائدة على
أذون الخزانة يزيد عجز الموازنة العامة للدولة بنحو 32 مليار جنيه بسبب عبء تكلفة تمويل
الدين، بحسب وزير المالية المصري.
إزاء هذا الإفراط الكبير في الاقتراض واتساع
حجم الفجوة التمويلية لمستويات قياسية، تراجعت ثقة المؤسسات المالية العالمية في الاقتصاد
المصري مما دفع وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية إلى تغيير نظرتها المستقبلية
لمصر، من مستقرة إلى سلبية.
وأكدت "موديز" التصنيف الائتماني لمصر
عند "Caa1"، وهو درجة تشير إلى المخاطر العالية، لافتة إلى أن هناك مخاطر
متزايدة، تتمثل في استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد، وسط صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد
الكلي وسعر الصرف.
اظهار أخبار متعلقة
أين تذهب إيرادات الدولة؟
يذهب أكثر من 60 بالمئة من إيرادات الدولة البالغة (2.1 تريليون
جنيه أي ما يعادل 67.8 مليار دولار) إلى مدفوعات الفائدة في السنة المالية التي تنتهي
في تموز/ يونيو 2024، ما يعني أن العجز المالي في مصر سوف يتسع هذا العام.
وسيزيد حجم
الديون الخارجية لمصر في الفترة من
حزيران/ يونيو 2023 وحتى حزيران/ يونيو 2024، إلى 49.4 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر
من 140 بالمئة من احتياطي النقد الأجنبي البالغ نحو 35.2 مليار دولار، نحو 80
بالمئة منه ودائع لدول خليجية، ويُقدر حجمها بنحو 28 مليار دولار.
وتضاعف دين مصر الخارجي بنحو أربع مرات خلال
العقد الماضي نتيجة زيادة الاقتراض الخارجي، وبلغ مستوى قياسيا عند 164.5 مليار دولار
بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، ويعادل هذا الرقم نحو 40.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي
للبلاد.
وقدر وزير المالية المصري، محمد معيط الفجوة التمويلية للعام
المالي الحالي 2023-2024 ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار، مشيرا إلى أنه سيتم سدها بإصدار
سندات دولية وتمويلات من بنوك بضمانات، فيما قدّر معهد التمويل الدولي حجم الفجوة التمويلية
بنحو 7 مليارات دولار.
"تدوير الديون وطباعة النقود"
علق الخبير الاقتصادي الأممي، الدكتور إبراهيم نوار، على
ارتفاع إصدارات أذون وسندات الخزانة في مصر بالقول: "مصر ليس أمامها الآن سوى
الاقتراض من السوق الداخلي بأي فائدة والتي تجاوزت 27 بالمئة، وهناك بنوك تطالب بأعلى
من 30 بالمئة، ولو استمر الوضع كما هو عليه ستتجاوز الفائدة كل الأرقام السابقة".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن الحكومة "لن
تتوقف عن الاقتراض بأدوات الدين المحلية حتى لو أنها لن تستخدم القرض في أي شيء آخر
سوى أن تسد استحقاقات سابقة لأدوات الدين، مع العلم أن ما يصل إلى 95 بالمئة من الاقتراض
الحكومي يتم بالعملة المحلية".
ونوه نوار إلى أن "مصر باتت بعيدة عن أسواق
الدين الدولية وبانتظار انتهاء المفاوضات العالقة مع صندوق النقد الدولي، والتي طالت
أكثر مما ينبغي لأسباب عديدة تتعلق بالحصول على تعهدات بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة،
والتي تتضمن إجراءات اقتصادية مزعجة للمصريين".
وحذر الخبير الأممي من تدوير الديون وطباعة المزيد
من أوراق النقد مقابل احتياطي النقد الأجنبي، وقال إن الموازنة العامة للدولة مثقلة
بالديون ولا تكفيها كل إيرادات الضرائب (80 بالمئة من إيرادات الدولة)، و مدفوعات خدمة
الدين تقترب من ثلثي المصروفات العامة للدولة".
اظهار أخبار متعلقة
"استدامة الاستدانة..
أزمة زيادة الدين"
تواجه مصر أزمة في إدارة الديون سواء المحلية
أو الخارجية، بحسب الباحث الاقتصادي، حافظ الصاوي، بسبب أداء الناتج المحلي الإجمالي
المتواضع والذي ينعكس بالسلب على مؤشرات سداد الدين وزيادة أعباء خدمة الديون، التي
أصبحت البند الأول في مخصصات الإنفاق بالموازنة العامة للدولة المنهكة بسدادها طوال
العام.
وأشار في حديثه إلى "عربي21" أن "استدامة
الحكومة المصرية على الاستدانة المحلية بشكل مفرط أثر بشكل سلبي للغاية على تصنيفاتها
الائتمانية، وباتت قاب قوس أو أدى من تخفيض جدارتها الائتمانية بعد خفض وكالة "موديز"
نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية وسيجعل حصول مصر على ديون جديدة من السوق
الدولية مكلفا جدا".
وحذر الصاوي من "تداعيات الإفراط دون حساب في الاستدانة
وطباعة النقود على حساب زيادة معدلات التضخم وزيادة معاناة الناس مع ارتفاع الأسعار
والغلاء وخفض قيمة الجنيه المستمرة بشكل تراجيدي جعل الفارق بين البنوك والسوق الموازي
أكبر مما يمكن تصوره، وينبغي للحكومة الخروج من دائرة إدمان إصدار أذون الخزانة لتمويل
العجز المتفاقم".