ضمن رحلة عمل سافرت إلى
ماليزيا، وكان من بين من
التقيتهم في هذه الرحلة
وزراء ومسؤولون حكوميون، وقد جاء يوم الجمعة من بين أيام
الزيارة فذهبنا للصلاة في أحد أجمل مساجد العاصمة كوالالمبور، وهو مسجد بوترا
والذي يُعرف أيضا بالمسجد الأحمر.
حين هممنا بالخروج من المسجد كانت المفاجأة.. من بين
الخارجين في وسط جموع المصلين وزير الداخلية الماليزي؛ لم أجد الطرقات تُفسح ولا
الناس يُزاحون عن الطريق ولا ممرات خاصة لموكب ولا موكب أصلا، ولم أسمع أصوات
سيارات الشرطة التي تنذر الجميع بأن مسؤولا مهما سيمر من هنا، 4 أشخاص من جانبه
كأنهم من الناس أو هم من الناس فعلا بلا سلاح باد أو نظارات شمسية تخفي من ورائها
عيونا تراقب الجميع.
حينها قلت في نفسي: هل هذا بحق وزير الداخلية الذي
يهابه الناس في بلادنا ربما أكثر من هيبتهم من أي أحد آخر على وجه البسيطة؟ فهو
الذي يجرّك إلى السجن إن أراد أو يرفعك لأعلى الدرجات إن رغب في ذلك..!
استفقت من دهشتي وسلمت على الرجل، وأصر على اصطحابنا
لمكتبه وكأنه يريد أن يصب علي وابلا من الانبهار غير الذي رأيته حال خروجه من
المسجد، ذهبنا معه في موكبه وليته لم يفعل.. سيارتان ودراجتان ناريتان، هذا هو كل
شيء.. يمرون من بين الناس في جميع الطرقات، يقفون في الإشارات كما يقف الناس
وينتظرون معهم، ولا تُقطع له طريق من قبل قدومه بساعات بل يسير في مواكب السير
فكأنه من عامة الناس، بل هو حقا منهم أتى ليتسلم المنصب لفترة ثم سينزل عنه، فهذا
هو درس
الديمقراطية التي تلقنه للمسؤولين في بلاد الناس لا في بلاد السادة
والعبيد.
ذهبنا إلى مبنى الوزارة حيث سيتوجب علينا ركوب المصعد
الذي شاركنا فيه موظفو الوزارة ولم يتركوا وزيرهم يستأثر به، فالكل هنا سواسية
وحين جاء المصعد كانوا فيه على قدم المساواة لا فرق فيه بين "وزير
وغفير".
"ديوان وزارة الداخلية".. قل لي بربك كيف
وقع الكلمة على أذنك وقلبك حين تضيف إليها اسم أي دولة من دولنا، لكن ما رأيته يا
صاحبي أنه كأي مبنى إداري..
اصطحبنا الوزير إلى مكتبه بلا تكلف، شربنا القهوة
وتحدثنا في أمور كثيرة تشغل بال عالمنا الإسلامي، وعلى رأسها غزة، وفضلا عن كل
تعليقات الوزير وإجاباته على كل الأسئلة إلا أنني خرجت بعد هذا اللقاء ولدي سؤال
واحد لم يزل يراودني حتى اللحظة:
هل سنشهد يوما ما مثل هذه المشاهد في بلادنا؟ وهل تقود
بلادنا يوما نخبة لا تشعر بأنها فوق الناس بل منهم؟ وهل يستطيع أي وزير في بلادنا
أن يلتحم بالناس دون أن يخشى على حياته ممن يتولى أمورهم، ويشتغل عندهم لا فوقهم؟
لله در الفاروق عمر حين شوهد نائما تحت ظل الشجرة فقيل
فيه: حكمت.. فعدلت.. فأمنت.. فنمت.
فوالله لو عدل حكامنا لأمنوا الناس.. لكنهم ظلموا
فخافوا من الناس أكثر مما يخاف الناس منهم وما المواكب والحرس إلا خير دليل وشاهد
عليهم لا لهم.