كشف خبير المياه والسدود الدولي، الدكتور محمد حافظ، عما أسماه بفرصة
مصر الأخيرة في وقف ملء خزان سد النهضة، وقطع الطريق على إثيوبيا في استكمال عمليات الملء المتبقية وتخزين قرابة 74 مليار م مكعب، مما يضر بدولتي المصب مصر والسودان، واحتمال تعرضهما لجفاف شديد وعطش في حال استمر تخزين المياه.
وقال في تصريحات لـ"عربي21": إن "مصر الآن استنفدت كل خياراتها الدبلوماسية في التفاوض مع إثيوبيا طوال 12 عاما، وفشلت كل محاولاتها الخارجية لدى مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في إقناعهم بالضغط على أديس أبابا للوصول إلى حل توافقي".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف حافظ: "بعد إعلان انتهاء المفاوضات وفشلها وإقرار القاهرة بأنها أخطأت في القبول بالتفاوض مع أديس أبابا، التي استغلت المفاوضات في بناء وتشييد السد وملء الخزان، حتى أصبح أمرا واقعا دون الاستجابة إلى مطلب واحد لدولتي المصب، الأمر الذي ينم عن وجود نوايا سيئة تجاه بناء السد، متجاوزا فكرة توليد الكهرباء التي تعاني إثيوبيا من نقص حاد فيها واستغلال المياه في التنمية".
اظهار أخبار متعلقة
وفي سياق متصل قال وزير الري المصري، هاني سويلم، الأسبوع الماضي، إنه ليس هناك أي تطور جديد في الموقف بشأن سد النهضة، وأكد أن الدولة المصرية أعلنت انتهاء المفاوضات، وأنه لن يكون هناك عودة لها بالشكل المطروح لأنها استنزاف للوقت، لافتا إلى أنه كان لا بد من الانسحاب من المفاوضات، وأن من حق الدولة المصرية اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة التهديد المباشر لأمنها.
توجيه ضربة عسكرية "للمفيض" الفرصة الأخيرة
وتعقيبا على حديث الوزير أكد حافظ أن "مصر فقدت كل الوسائل والطرق الدبلوماسية والعسكرية في دفع إثيوبيا للتوصل إلى حل يرضي الأطراف الثلاثة، وأصبح من المستحيل توجيه ضربة عسكرية لسد النهضة (السرج أو الخراساني)؛ لأنه سيعد بمثابة قنبلة مائية سوف تغرق
السودان وتلحق به أضرارا بالغة، خاصة بعد أن بات السد يحتجز أكثر من 41 مليار متر مكعب من أصل 74 مليارا تسعى إثيوبيا لتخزينها".
إلا أنه كشف عن وجود فرصة أخيرة "لن تضر بأي دولة من الدول الثلاث لكنها سوف توقف مخطط إثيوبيا وتضمن أمن مصر والسودان المائي، من خلال توجيه ضربة عسكرية دقيقة إلى المفيض الجانبي للسد spillway، والذي يعتبر (المخرج) الأساسي للمياه من بحيرة السد بعد اكتمال الملء الخامس، فمن المفترض أن الملء الخامس يصل بمنسوب بحيرة التخزين لقرابة 640 م فوق سطح البحر".
وأوضح أن المنسوب الحالي للبحيرة تم تخفيضه بقرابة 4 أمتار٬ لتتمكن إثيوبيا من رفع منسوب الممر قرابة 616 م فوق مستوى البحر٬ بدلا من 620 م يوم انتهاء الملء الرابع٬ يعني 9 أمتار تحت منسوب عتب المفيض الجانبي البالغ 625 م بالتالي لن تستطيع إثيوبيا تخزين أي مياه تزيد عن هذا الارتفاع".
والمفيض أو المسيل المائي يستخدم للسيطرة على منسوب المياه في السد من خلال تصريف المياه ولا سيما مياه الفيضان بأمان إلى المنطقة الواقعة خلف السد أو إلى وادٍ مجاور وتحويلها من مقدم المجرى المائي إلى مؤخر المجرى المائي وهو بمثابة صمام الأمان للسد.
ويساعد المفيض على تجنب المشاكل التي تنشأ نتيجة علو المياه على السد والتي قد تسبب انهياره وتهدمه، وقد يحتوي على بوابات للتحكم بمنسوب المياه كما هو الحال في سد النهضة وهي بارتفاع 15 مترا وتسمح بتخزين 20 مليار متر مكعب، ولكنها تشكل ضغطا هائلا عليها وقد تؤدي إلى تدميرها، بحسب خبير المياه والسدود.
لا أحد متضرر
وبشأن الفوائد والأضرار التي ستعقب عملية الضربة العسكرية للمفيض، بين حافظ: "المفارقة أنه لا أحد سوف يتضرر والجميع رابح، بمعنى أن إثيوبيا لن تتمكن من استكمال تخزين المياه إلى 74 مليار متر مكعب، ولن يرتفع منسوب المياه إلى 640 مترا، ولكنها سوف تكون قادرة على تشغيل التوربينات وتوليد الطاقة الكهرومائية دون أي مشاكل".
واستدرك: "أما بخصوص دولتي المصب مصر والسودان فهذه الفرصة الأخيرة لهما ليحافظا على أمنهما المائي، ويؤكدا على قدرتهما على الحفاظ على حقوق شعوبهما في المياه، وبالتالي لن يؤثر السد ولا الخزان على مرور المياه بشكل طبيعي إلى نهر
النيل، ولن تكونا تحت رحمة إثيوبيا التي كان من الممكن أن تتحكم في كميات المياه المتدفقة إلى مصر والسودان٬ في حال تمكنت من تخزين المياه إلى مستوى 640 مترا فوق سطح البحر".
من الناحية الفنية والهندسية أوضح الخبير أن قمة المفيض الجانبي عبارة عن قواعد وأعمدة خرسانية سوف يثبت عليها بوابات معدنية نصف دائرية يصل ارتفاعها قرابة 15 مترا، في حالة تركيبها وبدء الملء الخامس سيكون بإمكان إثيوبيا الوصول لمنسوب 640 م فوق سطح البحر مع سند تلك البوابات لارتفاع من مياه البحيرة بارتفاع 15 مترا وهذا يعني سندها لقرابة 20 مليار متر مكعب.
ولكنه في الوقت نفسه حذر من خطورة تلك البوابات المعدنية حيث سيكون هناك قرابة 20 مليار متر مكعب مسنودة على هيكل معدني ميكانيكي قد يكون هو أضعف نقطة بكامل المشروع في حال فوتت مصر والسودان فرصة توجيه ضربة عسكرية للمفيض.
مصر.. الأكثر جفافا
وتأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة والتي تواجه ندرة حادة في المياه، فهي الأقل في معدل هطول الأمطار بين دول العالم، في حين يتجاوز عدد سكانها الـ 105 ملايين نسمة، وتعاني من عجز مائي يزيد على الـ50% من احتياجاتها المائية؛ ما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة لعدة مرات، واستيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة تقترب من 15 مليار دولار سنويا.
اظهار أخبار متعلقة
في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أعلنت مصر أن "المسارات التفاوضية مع إثيوبيا قد انتهت"، مؤكدة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر.
أرجعت وزارة الري فشل الاجتماع الأخير من المفاوضات بين الأطراف المعنية إلى "استمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث".