أكد المؤرخ
الفلسطيني رشيد الخالدي في بعض صفحات كتابه (الهوية الفلسطينية) واحدة من الحقائق المهمة، وهي أن بناء الهوية الوطنية والحفاظ عليها وتطويرها يحتاج إلى الآخر النقيض، بما يخلق حاجة للدفاع عنها مرة بعد أخرى؛ وفيما يتعلق بالهوية الفلسطينية أشار الخالدي “كان الآخر النقيض هو الصهيونية الإجلائية الإحلالية”.
الحفاظ على الهوية
دورٌ كبير ومحوري قام به الفلسطينيون أصحاب الكلمة، وأهل الباع الطويل في الحفاظ على الهوية الفلسطينية أمام محاولات تصفية قضيتهم، ولأنهم كذلك، فقد تساووا جميعا في عيونِ خصومهم مع رواد الخنادق والبنادق.
درب الآلام طويل ساره الشعب الفلسطيني على مذبح الحرية ودحر الاحتلال، والانتصار في نهاية المطاف. فتجد أنّ الإرهاب الإسرائيلي والإبادة الجماعية لاحقت الفلسطينيين في وطنهم، والمهاجر القريبة والبعيدة منذ إنشاء الدولة المارقة إسرائيل، والمشهد ماثل للعيان في قطاع
غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس والداخل الفلسطيني منذ تشرين الأول /أكتوبر الماضي الإسرائيلية ، وطالت في أحيان كثيرة، صحفيين وفنانين وشعراء وأدباء وعلماء ومفكّرين ورجال أعمال، لكن أعمالهم موثقة حفاظا على ما قدّموه في خدمة القضية الفلسطينية وصيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية.
ويمكن الجزم بأن استمرار نتاجات الشعب الفلسطيني وتطورها في مسارات الحياة كافة، تؤكد دون لبس بأن الهوية الوطنية ليست بخطر، رغم شراسة العدوان وتغوله وفاشيته.
ولو عدنا إلى اللّبِنة الأولى لتوثيق نتاجات الهوية الوطنية الفلسطينية، نجد أنّ منظمة التحرير الفلسطينية كانت أصدرت القسم الأول من الموسوعة الفلسطينية عام 1984، بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم؛ وتتألف الموسوعة من أربعة مجلدات مرتبة حسب الحروف العربية، وقد تضمنت أسماء القرى والمدن والخرب والأنهار في فلسطين، إضافة إلى شخصيات ورموز في ميادين الحياة المتعددة؛ في مقابل ذلك صدر القسم الثاني من الموسوعة عام 1990، الذي احتوى ستة مجلدات وفهرست؛ وتضمنت دراسات متخصصة حول تاريخ وجغرافية فلسطين التاريخية؛ وتاريخ الحضارة؛ ودراسات القضية الفلسطينية.
مضى على إصدار الموسوعة الفلسطينية بقسميها أكثر من ثلاثة عقود من الزمن؛ وبالرغم من أهمية ما احتوته من معلومات ودراسات وقضايا مفصلية حول فلسطين القضية الوطن والشعب والهوية الوطنية، إلا أن الضرورة تحتم القيام بعمل موسوعي جديد أكبر بكثير؛ بحيث يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية، وكذلك حراك الشعب الفلسطيني ونشاطه في ميادين الحياة كافة، وتشبثه بأرضه رغم درب الآلام الطويل.
فلسطين الأرض والوطن
الثابت أن الوطن والشعب الفلسطيني، هما الرمزان الأساسيان للهوية الوطنية المتشكلة، التي تحاول إسرائيل طمسها وتغييبها عبر سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية والإحلال، لفرض ديموغرافيا تهويدية في نهاية المطاف.
وبالنسبة للوطن الفلسطيني، فإنه على الرغم من صغر مساحة فلسطين وبساطة تكوينها، فإنه يمكن تقسيمها إلى أربع مناطق، تتميز كل منها عن الأخرى في نظام سطحها ومناخها ونباتها، وهي: منطقة السهول: وأبرزها السهل الساحلي وسهل مرج ابن عامر، وتشكل 17في المئة من مساحة فلسطين؛ ومنطقة النقب وتشكل 50 في المئة من المساحة العامة تقريبا، إضافة إلى المنطقة الجبلية وتشكل 28 في المئة من المساحة العامة، فضلا عن وادي الغور ويشكل 5 في المئة من المساحة العامة لفلسطين.
وقد قسمت إدارة الانتداب البريطاني فلسطين منذ تموز/يوليو 1939 إلى ستة ألوية(1)، وهي؛ لواء الجليل: ويقع في أقصى شمال فلسطين قرب الحدود اللبنانية ومركزه مدينة الناصرة، ويتألف من خمسة أقضية هي؛ عكا، بيسان، الناصرة، صفد، طبريـة، وكان عدد سكان اللواء في عام 1945 (231) ألف نسمة ومساحته (2.801.383) دونما، أي (10.4 في المئة) من مساحة فلسطين. ولواء حيفا ومركزه حيفا، ويتألف من قضاء حيفا فقط ومساحته (1.031.755) دونما تمثل (3.8 في المئة) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1945 (242630) نسمة. لواء نابلس ومركزه مدينة نابلس، ويتألف من ثلاثة أقضية، هي: نابلـس وجنين وطولكرم، ومساحته (3.262.292) دونما، تمثل (12.1 في المئة) من مساحة فلسطين، وسكان اللواء المذكور في عام 1945 (232220) نسمة. لواء القدس ويتوسط فلسطين ومركزه مدينة القدس، ويتألف اللواء من ثلاثة أقضية، هي: القدس، وتتبعه بيت لحم، وأريحا، والخليل ورام الله ومساحته (4.333.534) دونما؛ أي حوالي (16 في المئة) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (384880) نسمة، إضافة إلى لواء اللد ومركزه مدينة يافا، ويتألف من قضاءيْ: يافا والرملة، ومعظم أراضيه سهلية، ومساحته (1.205.558) دونما؛ أي حوالي (4.5 في المئة) من مساحة فلسطين، وسكانه في عام 1948 (501070) نسمة.
منطقة النقب
وقد احتفظت منطقة الجليل رغم السياسات الصهيونية كافة، بأغلبيتها العربية، مع أنها المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهودية الكيان. وأخيرا لواء غزة ويقع في جنوب فلسطين، ويشمل جزءا من السهل الساحلي الفلسطيني ومنطقة النقب التي تعادل وحدها نصف مساحة فلسطين التاريخية، ومركز اللواء مدينة غزة، ويتألف من قضاءي غزة وبئر السبع، ومساحة اللواء (13.688.501) دونم؛ أي حوالي (50.7%) من مساحة فلسطين، وعدد سكانه (190880) نسمة، أي إن الكثافة السكانية فيه كانت عام 1945 نحو (14) نسمة في الكيلومتر المربع الواحد؛ وتمّ إنشاء إسرائيل على القسم الأكبر من الوطن الفلسطيني في أيار/ مايو من عام 1948، واستكمل الجيش الإسرائيلي احتلاله لفلسطين في الخامس من حزيران /يونيو 1967.
الشعب الفلسطيني
يعتبر الشعب الفلسطيني الرمز الثاني للهوية الوطنية الفلسطينية، التي تشكلت وترسخت وتجذرت عبر تاريخ طويل من الجد والعمل والتطور في مجالات الحياة كافة.
ثمة مشتركات بين الهوية الوطنية الفلسطينية والهوية العربية من لغة وعادات وتقاليد ومصير مشترك، لكن الشعب الفلسطيني واجه احتلالات عديدة عبر التاريخ؛ كان أخطرها الاحتلال البريطاني (1920-1948)، الذي أسس بشكل عملي لإنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار /مايو من عام 1948؛ على نسبة 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية، وطرد 61 في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني.
وقد اعتمدت إسرائيل مجموعة سياسات وإجراءات لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية؛ ولهذا فإن الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون للحفاظ على هويته الوطنية؛ لأنها مستهدفة من عدو استعماري إجلائي، ويرتكز وجوده على مرتكزات أساسية أهمها؛ أن “فلسطين وطن بلا شعب لشعب بلا وطن”.
الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة داخل فلسطين التاريخية والمهاجر القريبة والبعيدة،
وبتعداده الذي بلغ خلال العام الجاري 2024 نحو (14) مليون وسبعمائة ألف فلسطيني، مستمر في ترسيخ وتجذير هويته الوطنية، وهذا هو الأهم في صراع طويل مع عدو يحاول طمسها وتغييبها دون جدوى، وبهذا المعنى الهوية الوطنية الفلسطينية ليست بخطر.
(
القدس العربي)