لعل أوبريت "الليلة
الكبيرة" إخراج صلاح السقا، هو الأشهر والأجمل والأكثر تأثيرا في مسرح الطفل،
وقد عُرض على مسرح العرائس وتوفر تلفزيونيا وحقق جماهيرية وانتشارا ونجاحا منقطع النظير.
وقد كان الأوبريت
من كلمات صلاح جاهين وتلحين سيد مكاوي وتصميم عرائس ناجي كامل، نعم كل هذه القمم تجتمع
لأوبريت للأطفال، وقد كان هذا في زمن مضى يعكس
اهتمام الدولة متمثلة في وزارة الثقافة بمسرح الطفل، فكان هناك مسرح العرائس المجاور
لمسرح الطليعة في ميدان العتبة، وهو مسرح من أهم المسارح المعدة فنيا برغم صغر حجمه،
ولكن هذا
المسرح تحديدا كان جزءا مهما ومحببا في طفولتنا، لما قدم عليه الكثير من الأعمال
المميزة للأطفال.
وأذكر أني حضرت كطفل
وشاهدت مسرحية "شقاوة كوكو" من إخراج أحمد زكي، ولعل من أطرف المفاجآت كان هناك مشهد
صغير جدا جدا لشاب بأجنحة يرتدي ثيابا بيضاء يطير ببطء من أقصى
يمين المسرح في الخلفية إلى أقصى يسار المسرح، ولعل هذا المشهد أو الحضور -إن جاز لنا
هذا التعبير- لا ينسى بالنسبة لي، وظل عالقا بذاكرتي يزورني من آن إلى آخر على مدار
سنين طويلة، وبعد أربعين سنة اكتشف أن هذا المشهد الصامت الذي لم يتعد دقائق معدودات
كان لطالب المعهد وقتذاك نور الشريف.
وبالطبع أذكر هذا
لأوضح لأي مدى هي جدية الاهتمام بمسرح الطفل، فمخرج كبير كأحمد زكي
يدقق في اختيار فريق
التمثيل إلى الدرجة أن يأتي بطالب معهد واعد ليؤدي مشهدا صامتا
لا يتعدى دقائق معدودات.. هكذا كان الاهتمام وتقديم أنضج الأعمال فنا، ولكن بدأ هذا
الجمال يتلاشى، وبدأ السوس ينخر في مسرح الطفل، وأصبحت ميزانياته محدودة، مما ترتب علية تواضع
طواقم التمثيل والإخراج حتى الدعاية أصبحت شحيحة سخيفة لا تحترم خيال الطفل.
وأصبح مسرح الطفل
مأوى لكل من لا مهنة له، وساد الاستسهال في صناعته وأحجمت عنه الحركة النقدية، حتى
الناجح النادر من أعماله لم يعامل نقديا كما يجب.
ولعل هذا أدى بدوره
إلى تجريف كل الكفاءات وهروب المتبقي منها إلى الساحة
الفنية الواسعة، والحقيقة المؤسفة
أن مسرح الطفل مات وتم دفنه؛ قد يكون الإهمال إلى حد التواطؤ أو يكون الغباء الإداري،
أو أن يكون كل هذا مجتمعا، ولهذا نطمح في مسرح طفل يخاطب خيال الطفل.
نريد أطفالا أذكياء
لا
أطفال أغبياء!!