يعود ملف
العلاقات الروسية-
المصرية إلى الواجهة، اليوم، مع ظهور معلومات استطاعت موسكو أن
تكشف النقاب عنها، وتتحدث عن اتفاق وقعته إحدى مؤسسات وزارة الدفاع المصرية مع
دولة أوروبية وسيطة لشراء ذخائر من مصر، ثم تسليمها إلى الجيش الأوكراني.
ويبدو أنّ هذا
الأمر قد أثار حفيظة
روسيا بشكل كبير، ودفعها صوب التهديد بـ"الردّ" على
تلك الإجراءات بشكل حازم، مهدّدة بأن يصل التهديد
إلى حدود إعادة النظر بالعلاقات التجارية مع القاهرة، وكذلك إلى وقف العمل بمفاعل
"الضبعة" النووي المصري.
في التفاصيل،
فإنّ المصنع المصري العائد إلى وزارة الحرب المصرية، والذي يُعرف باسم "مصنع
81 الحربي" أو "هليوبوليس للصناعات الكيماوية"، يخطّط لتوريد ذخائر
مدفعية شديدة الانفجار لمؤسسة رومانية تدعى Romthenica وهي التي ستتكفّل بنقل تلك الذخائر، على مراحل، إلى القوات المسلحة الأوكرانية.
وتُعرّف الشركة
الرومانية عن نفسها على موقعها الإلكتروني، بأنّها تعمل بـ"إدارة اقتصادية
والاستقلال المالي"، وتشارك في "أنشطة ذات أهمية وطنية". وتقول
أيضا إنّها تعمل بالتنسيق مع وزارة الدفاع الرومانية، وهي واحدة من الشركات
التجارية الرائدة في مجال سوق الدفاع الدولية ولديها مسيرة مهنية تمتد لأكثر من 40
عاما، كما تكشف أنّها تستورد السلع والخدمات التي تطلبها وزارة الدفاع الرومانية، وتقدم
الدعم لواردات أي سلطات حكومية أخرى.
وبحسب المعلومات،
فإنّ الذخائر التي سوف تستوردها "رومثينيكا" هي 30 ألف قذيفة مدفعية
عيار 155 ملم، ستُصدّر على 3 دفعات ضمن مهلة تكشف الأوساط الروسية أنّها تمتدّ من
6 إلى 9 و12 شهرا، فضلا عن 30 ألف قذيفة من نوع هاون 120 ملم، ستُصدر إلى الجهة
نفسها في مهلة 8 أشهر.
ويبدو أنّ العتب
الروسي قد بلغ أشدّه بعد كشف هذه التفاصيل مؤخرا، خصوصا أنّ موسكو تنظر إلى
القاهرة باعتبارها "شريكا استراتيجيا" لدول الشرق الأوسط، كما أنّها
دولة جاذبة للاستثمارات الروسية ولرجال أعمالها، إذ ترى موسكو أنّ المساعدة التي
ستقدمها مصر إلى أوكرانيا، ستؤثر بشكل سلبي ومؤكّد على موقف المستثمرين الروس من
مصر، خصوصا أنّ الأنشطة العسكرية الأوكرانية ستكون موجهة ضد روسيا، وهو ما تنظر
إليه موسكو بعين عدم الرضى.
ومن هذا المنطلق،
تذكّر موسكو أيضا بأنّ الدين الإسلامي لديها هو ثاني أكثر الديانات انتشارا، كما
أنّ عدد المسلمين الروس يتجاوز عتبة الـ30 مليون نسمة، وبالتالي تعتبر أنّ هذه
السياسات المصرية الحالية "ستؤثر سلبا على دولة ذات عدد كبير من السكان
المسلمين"، ناهيك عن أنّ جزءا كبيرا من المصريين هم من المسيحيين الأقباط
الذين يعتنقون الأرثوذكسية، وروسيا بدورها أكبر دولة أرثوذكسية في العالم.
ولهذا، فإنّ
الأوساط الروسية تعتبر أنّ توريد
الأسلحة إلى أوكرانيا يمكن تصنيفه عملا مناهضا
لروسيا، والأرثوذكسية، وسوف يعود بالضرر على المواطنين الروس وعلى المصريين على
السواء.
كما تذكر الأوساط
الروسية بأنّ القاهرة تعتمد في أمنها الغذائي على موسكو، وهذا إذا ما رُبط بصفقة
الأسلحة تلك، فقد يكون ذا تأثير سلبيّ جدا، وقد يُجبر روسيا على إعادة النظر في
شراكتها مع القاهرة. أضف إلى ذلك أنّ روسيا هي الجهة التي تبني "محطة
الضبعة" الخاصة بالطاقة النووية المصرية، التي تسجّل نجاحات كبيرة في
العلاقات الثنائية بين البلدين. إذ من الممكن أن تنتهز روسيا هذا الأمر لتوجّه
أصابع الاتهام إلى القاهرة بوصفها تمدّ "أعداء روسيا" بالأسلحة، وهو ما
قد يؤدي إلى وقف العمل المشروع، والتسبب بخسائر اقتصادية على الشعب المصري.
ولا تنسى روسيا
تذكير مصر بأنهما يقومان بجهود مشتركة وبعملية تنسيق واسعة حول الكثير من الملفات
الإقليمية والدولية، كما تبذلان جهدا ملحوظا في مجال البحث عن حلّ للصراع العربي-
الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ المساعدة المفتوحة للقوات المسلحة الأوكرانية تتعارض
حكما مع سياسة "حفظ السلام" الجارية اليوم في الحرب الدائرة بقطاع غزة،
وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة، في نظر موسكو، حول الازدواجية لدى القاهرة مع
تبنّيها هكذا صفقة!