كشف موقع «إكسيوس» الإخباري الأمريكي أنّ زمرة من أبرز رجالات الحزب الديمقراطي الأمريكي، بمن فيهم حفنة من مساعدي الرئيس جو
بايدن، باتوا يطرحون شكوكاً جدية حول نظرية الأخير بصدد ضمان الفوز في
الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ اعتماداً على مخاوف الناخبين من وقائع العنف السياسي يوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021 ضدّ مبنى الكابيتول، والتخوّف على الديمقراطية الأمريكية من شخصية الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب.
ويقتبس الموقع هذا التصريح لأحد كبار مخططي استراتيجيات الحزب الديمقراطي: «غير واضح للكثيرين منّا، المراقبين من الخارج، ما إذا كان الرئيس وفريقه الأضيق يدركون كم الموقف حرج في المرحلة الراهنة، وما إذا كانت لديهم خطة للعلاج أصلاً. هذا أمر مفزع».
مصدر الفزع الأول أنّ حلقة الرئيس الداخلية مؤمنة على نحو مطلق بالاستراتيجية التي طوّرها مساعده القديم والراهن، مايك دونيلون، ولا تكترث كفاية باستطلاعات الرأي التي تضع بايدن على قدم المساواة مع ترامب، وذلك حتى بعد العثرات التي نجمت عن إدانة الرئيس السابق في 34 تهمة جنائية.
المعطيات على الأرض لا تسير طبقاً لما يشتهي سيد البيت الأبيض أو مستشاره الأثير.
صحيح أنّ بايدن لم يتوقف عن استشارة دونيلون منذ العام 1981، وأنه «ضمير الرئيس، وأناه الثانية، ودماغه المشتركة»، حسب توصيف صحيفة «واشنطن بوست»؛ إلا أنّ المعطيات على الأرض لا تسير طبقاً لما يشتهي سيد البيت الأبيض أو مستشاره الأثير.
ما يعفّ موقع «إكسيوس» عن التشديد عليه، أو حتى التلميح إلى عواقبه، هو مسؤولية دونيلون عن قسط غير قليل من جرعات النصح اليومية التي يقدمها للرئيس بصدد حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع
غزة، وفي صياغة مواقفه وتصريحاته.
وهذا ركن لا يصحّ إغماض البصر والبصيرة عن مفاعيله المباشرة في تشتيت شرائح غير ضئيلة من ناخبي بايدن 2020، في صفوف الشباب والأفرو – أمريكيين والمسلمين خصوصاً.
صحيح، هنا أيضاً، أنّ بايدن ليس بحاجة إلى دونيلون كي ينحاز إلى دولة الاحتلال، مغمض البصر والبصيرة كما قد يُقال؛ ولكنّ الفارق كبير ونوعي بين ما تتلقاه أذنا الرئيس من همسات مستشاره المقرّب، بالمقارنة مع أيّ من كبار مساعديه لشؤون الشرق الأوسط (أمثال برت ماكغرك، ستيف ريشيتي، أو أنيتا دون).
وحين توافق أكثر من 130 محامياً، داخل إدارة بايدن وخارجها، على توقيع رسالة إلى الرئيس تساجل بأنّ دولة الاحتلال خرقت القانون الإنساني الأمريكي والدولي؛ تردد أنّ بايدن سأل أوّلاً إن كان «مايك» في عداد الموقعين، ولم يكن بالطبع.
واقعة أخرى، غير مألوفة البتة وشكلت سابقة فريدة، هي أنّ بايدن، وبعد إرسال كبار المسؤولين أمثال وزير الخارجية ومدير المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومي للمساعدة في جهود التوسط الساعية إلى تمرير خطته لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وانسحاب الاحتلال من مناطق في غزة؛ أرسل أيضاً دونيلون لأداء المهمة ذاتها، التي لم يسبق لأيّ رئيس حملة انتخابية رئاسية أمريكية أن تولاها.
غزّة ماثلة في عمق حملة بايدن الانتخابية، وليس في الخلفية أو على الهوامش؛ وليس أيضاً بسبب نفور هذه الشريحة الانتخابية أو تلك فقط، بل أيضاً لأنّ قبضة دونيلون محكمة تماماً على استراتيجيات استدراج الفئات المُعْرضة عن المرشحين معاً، الديمقراطي مثل الجمهوري، والمزمعة على خلخلة المحاصصة الثنائية التاريخية. وكذلك لأنّ الرجل، مثل سيده، يتعامى عن الحقائق الصلبة التي يبصرها كثرٌ سواه، ويراهن على هواجس «أمريكا العميقة» من ولاية ثانية يمكن أن يحصدها ترامب، متجاهلاً أنها بعض أسلحة الأخير، وربما أشدّها مضاء.
المفارقة أنّ البعض بات يردد ساخراً: ليس ترامب من سيهزم بايدن، عملياً، بل سيتكفل بتوجيه الضربة القاضية ضميرُه ودماغه وكبير مستشاريه؛ ربما احتذاء برومانس عناق الدببة، بين الرئيس الأمريكي ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو!