عبر منشور على حسابه في منصة إكس، دعا وزير مالية الكيان المحتل، سموتريتش،
في اليوم الأخير من شهر آب/ أغسطس، قوات جيش
الاحتلال إلى توسيع العمليات العسكرية
في
الضفة الغربية، حيث يرى أن الحل الأمثل لمواجهة العمليات ضد الاحتلال، هو بسط
الاستيطان في كامل الضفة، وتعزيز الوجود الاستيطاني وحمايته.
وفي ظل استمرار الحرب على غزة، استطاع بن غفير، شريك سموتريتش، الاستحصال
على ميزانية إضافية لوزارته قدرت بـ637 مليون شيكل، خصصها لتشكيل مئات المجموعات
المسلحة في مستوطنات الضفة الغربية، ومدها بالأسلحة والذخائر. وبحسب تقرير لموقع
"كالكلسيت" العبري، فقد أبرمت وزارة بن غفير عقودا مع شركات لتوريد 40
ألف بندقية من طراز M16، وأكثر من 5.5 مليون رصاصة، وتتكون مليشيات بن غفير من آلاف
المستوطنين الذين يسكنون في بؤر استيطانية في الضفة الغربية أو في محيطها.
هذا النهج الذي يتزايد في حكومة هي الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان المحتل،
يجد الرعاية والعناية من رئيس الوزراء، الذي وجد في هذه التشكيلة الحكومية ضالته
لتنفيذ ما يجول في خلده، منذ أن أفصح عنه في كتابه الصادر منتصف التسعينيات من
القرن الماضي، وحمل اسم "مكان بين الأمم" وجاء فيه: "فإن
الفلسطيني الذي اختار العيش في الضفة الغربية؛ عليه الاعتراف بأنه سيكون أقلية في
منطقة خاضعة لسلطة الدولة اليهودية، ولا يحق له المطالبة بدولة فلسطينية".
إن العملية العسكرية الكبرى التي تقوم بها قوات الاحتلال في الضفة، والتي بدأت في السابع والعشرين من آب/ أغسطس، إنما هي ترجمة عملية لما يعتقد نتنياهو وحكومته، التي ترى حالة المقاومة تتزايد في الضفة.
هذا التصريح يكشف عن موقع الضفة في فكر
نتنياهو، وهو ما يتلاقى مع فكر
حكومته التي في قرارة نفسها، لا تعترف بأوسلو الاتفاقية، وما رشح عنها.
إن العملية العسكرية الكبرى التي تقوم بها قوات الاحتلال في الضفة، والتي
بدأت في السابع والعشرين من آب/ أغسطس، إنما هي ترجمة عملية لما يعتقد نتنياهو
وحكومته، التي ترى حالة
المقاومة تتزايد في الضفة أو تخرج منها إلى قلب تل
أبيب، وإن باءت المحاولات الثلاث خلال الشهر الماضي بالفشل، لكنها تركت علامة
واضحة، بأن المقاومة تستطيع إن أرادت أن تعود لقلب الكيان المحتل. ومن ثم تهدف
العملية العسكرية في الضفة، إلى تجفيف منابع المقاومة والقضاء على البنية التحتية
لها، حتى لا تكبر وتستنسخ تجربة غزة مرة أخرى.
لقد فهم العاروري، رحمه الله، ما يهدف إليه نتنياهو في الضفة، وقرأ المشهد
جيدا. لذا؛ ومن قبل إطلاق عملية طوفان الأقصى، بدأ بتدريب وتسليح شباب المقاومة في
الضفة، وبدأت عمليات تهريب السلاح، وإن كان لا يتعدى قوله
سبحانه "ما استطعتم" في احتمالية إدخال السلاح النوعي أو الرادع لمدرعات
الاحتلال، إلا أن شباب المقاومة استطاعوا أن يوجعوا الاحتلال، رغم التضحيات،
ويشغلوه ويأخذوا من قواته ما يخفف به بعض الشيء عن إخوانهم في غزة.
فقد دفع الاحتلال بثلاثة ألوية تعمل في عدة مواقع في وقت واحد في الضفة،
وذلك بعد أن استطاعت المقاومة في الضفة شن 245 هجمة خلال العام الماضي، ومنذ
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قُتل أربعة وعشرون إسرائيليا في هذه الهجمات، وفقا
لأرقام جهاز الأمن الإسرائيلي، بل وبدأت عمليات اختراق لعمق مدن الكيان المحتل،
كما حدث في الثامن عشر من الشهر الماضي والثلاثين من الشهر نفسه. وبحسب تقديرات
جهاز الأمن في الكيان المحتل، فإن الفصائل المقاومة العاملة في الضفة الغربية،
أصبحت لها القدرة على شن هجمات أكثر تعقيدا وجرأة، بفضل الخطة التي بدأها
العاروري، ويكمل تنفيذها الآن زاهر جبارين.
ما يقلق قادة الاحتلال أن المقاومة في الضفة الغربية، تحظى بدعم شعبي متنام،
فإن كانت عملية طوفان الأقصى، وما تبعها من مجازر ضد فلسطينيي غزة، لها دور في
تنامي هذا الدعم، إلا أن الانتهاكات التي تتصدر مشهد الضفة الغربية وعمليات
الاقتحام والاعتقال اليومية، وما يكشف عنه جنود الاحتلال من أن عمليات الدهم
الليلية هدفها إثبات الوجود الأمني لدى الفلسطينيين في الضفة، ثم تصريحات قادة
الاحتلال بأن ضم الضفة للكيان المحتل إنما هي مسألة وقت، ثم التضييق على من يقبل
بالعمل داخل الكيان من الفلسطينيين ومضايقتهم، إنما عوامل تُدخل المزيد من الشرائح
التي صدقت في مخرجات "أوسلو" إلى صفوف من لم يؤمن بها، فتزيد من حجم
الحاضنة الشعبية للمقاومة.
إن الموقف الباهت الذي تتخذه السلطة الفلسطينية بعد سنوات من التنسيق
الأمني، جعلها تفقد دعمها الشعبي ورصيدها في الشارع الفلسطيني، وهي من منّت
الفلسطينيين بالاستقرار وفرص العمل والرفاه، أصبحت لا تمثل إلا بضع عشرات من
العاملين أو المستفيدين منها، وهو ما يصعب الأمر على الاحتلال، إذ إنَّ ذلك يترجم
بالنتيجة، كرصيد لصالح المقاومة، لا سيما وأن السلطة لم تعد قادرة حتى على السيطرة
على المنطقة الأمنية (أ)، وهو ما يزيد الشعور لدى المواطن بأنه مهدد من قوات أمن
الاحتلال، دون غطاء يحميه من السلطة.
فكرة الوجود الأمني للاحتلال في الضفة، ستكلفه مزيدا من النزيف الاقتصادي والعسكري، وسيكون ثمنه السياسي أيضا باهظا.
الأيام الماضية كانت كفيلة بأن تكشف لكل من له عينان، أن العملية العسكرية
التي تشنها قوات الاحتلال في الضفة الغربية، تحمل في عناصرها الفشل، حتى لو أعلن
الاحتلال عن اكتشافه لأنفاق أو كميات من الأسلحة والذخائر، أو حتى نجح في اغتيال
بعض قادة المقاومة في الضفة، إذ إن وتيرة الغضب الشعبي تتزايد وحاضنة المقاومة
الشعبية تتسع، ووتيرة تطوع شباب الضفة في فصائل المقاومة تنمو، وعمليات التبرع
للمقاومة تتكاثر، وهو ما يعني أن فكرة الوجود الأمني للاحتلال في الضفة، ستكلفه
مزيدا من النزيف الاقتصادي والعسكري، وسيكون ثمنه السياسي أيضا باهظا.
فعلى مستوى السياسة الخارجية، إعادة احتلال الضفة يعني خرق الاحتلال
للاتفاقات والقوانين الدولية، ومن ثم مزيد من العزلة الرسمية بعد أن عُزل شعبيا
على مستوى العالم، كما أنه سيحمل الاقتصاد فاتورة دعم الأردن لسد منافذ تهريب
السلاح، بعد أن ينشط العمل المقاوم على نحو أكبر، وهذا أيضا حمل على الاقتصاد
المتراجع بالأساس منذ عملية طوفان الأقصى، وعلى المستوى الداخلي، فإن حكومة
نتنياهو إما أن تستمر في دعم المستوطنين الذين سلحتهم، وهو ما سيحمل على الاقتصاد،
أو أن تمنع المستوطنين المسلحين من عمليات محتملة في الضفة ضد الفلسطينيين، ومن ثم
سيتحول السلاح في الاتجاه المقابل، كما حدث مع رابين، وبين هذا وذاك، فإن من أشار
بعملية واسعة في الضفة، وسّع على نفسه الخرق، ولن يستطيع أن يرقعه.