العلاقة بين
الهند وبنغلاديش يمكن
النظر إليها من منظورين: ديني وسياسي، وسنتناول في هذا المقال الجوانب السياسية
دون التطرق إلى القضايا الدينية.
منذ استقلال
بنغلاديش، كانت العلاقات
بين البلدين متشابكة ومعقدة. عندما نالت بنغلاديش استقلالها عن
باكستان في عام
1971، لعبت الهند دورا محوريا في دعم حرب التحرير البنغلاديشية، حيث قدمت في
الأيام الأخيرة من الحرب الدعم العسكري واللوجستي للبنغلاديشيين لتحقيق استقلالهم
بما في ذلك تدريب المقاتلين البنغاليين. ورغم أن الحرب التي استمرت تسعة أشهر
انتهت بانتصار القوات البنغالية بمساعدة ومساندة الهند، إلا أن هناك اختلافات بين
المؤرخين البنغاليين حول الدوافع الحقيقة وراء هذا التعاون الهندي في حصول
بنغلاديش على استقلالها عن باكستان.
يعتقد بعض المؤرخين أن الهند كانت
على خلاف طويل الأمد مع باكستان منذ انفصالها وتأسيسها كدولة إسلامية عام 1947،
سعت الهند إلى أخذ الانتقام من باكستان من خلال دعم استقلال بنغلاديش، ومن هذا
المنطلق كان الانفصال بمثابة ضربة رمزية لباكستان في صراعها المستمر مع الهند.
أما رأي آخر فيرى أن بنغلاديش التي
تبعد عن باكستان حوالي 2000 كيلومتر، لم يكن من السهل على باكستان إلقاء السيطرة
الكاملة على بنغلاديش بشكل كامل وفعال، ومن هنا فإن استقلال بنغلاديش كان أمرا
حتميا نظرا لبعد المسافة ولأنها تشترك بحدود برية مع الهند. ولذلك كان دعم الهند
لانفصال بنغلاديش جزءا من استراتيجياتها الإقليمية لضمان عدم تحول بنغلاديش إلى
مصدر تهديد من قبل باكستان.
دعم الهند لاستقلال بنغلاديش كان يهدف أيضا إلى بسط نفوذها على بنغلاديش، ولكن رغم المحاولات المستمرة فقد فشلت الهند في فرض سيطرتها المباشرة على بنغلاديش، وهو ما تجلى بوضوح خلال الانتفاضة الطلابية والثورة الشعبية الأخيرة على الخامس من آب/ أغسطس التي أكدت تمسك البنغاليين باستقلالهم الكامل
ويشير بعض المؤرخين أيضا إلى أن
تاريخ الهند يشهد بأن الهند دائما تحاول توسيع نفوذها الإقليمي من خلال التدخل في
شؤون الدول المجاورة، واحتلالها بكاملها كما حدث بشأن سكيم وكشمير. ومن هذا
المنطلق يرون أن دعم الهند لاستقلال بنغلاديش كان يهدف أيضا إلى بسط نفوذها على
بنغلاديش، ولكن رغم المحاولات المستمرة فقد فشلت الهند في فرض سيطرتها المباشرة
على بنغلاديش، وهو ما تجلى بوضوح خلال الانتفاضة الطلابية والثورة الشعبية الأخيرة
على الخامس من آب/ أغسطس التي أكدت تمسك البنغاليين باستقلالهم الكامل.
في الأيام الأخيرة من الحكومة
السابقة أصبحت العلاقة بين البلدين وثيقة وقوية، حيث تم توقيع 10 اتفافيات في
مختلف المجالات.
في ذلك الوقت، كان جزء كبير من الشعب
البنغلاديشي يؤيد هذا التحرر ويثمن الدعم الهندي، بينما كانت هناك شرائح أخرى،
خاصة من العلماء والطبقة الدينية، تعارضه. كانت حجتهم الرئيسية أن الاستقلال عن
باكستان بمساعدة الهند قد يفتح الباب لتبعية جديدة للهند، حيث يمكن للهند أن تؤثر
على بنغلاديش سياسيا واقتصاديا، وكانت هناك مخاوف من أن بنغلاديش بعد تحررها من
سيطرة باكستان، قد تقع تحت تأثير هندي قوي، مما يعرض سيادتها واستقلالها للخطر.
مع مرور الوقت، بدا أن هذه المخاوف
لم تكن بلا أساس، فقد حاولت الهند مرارا وتكرارا توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي
والثقافي في بنغلاديش. ومن أحدث الأمثلة على ذلك، العثور على مئات الجنود الهنود
في بنغلاديش بعد حركة طلابية أدت إلى رحيل حكومة الشيخة حسينة، حيث تم القبض عليهم
بأسلحتهم وتم ترحيلهم بطائرة خاصة.
منذ استقلال بنغلاديش، لم تتوان
الهند عن محاولة التأثير على بنغلاديش في كل فترة حكومية. ومع ذلك، يُقال إن حكومة
حزب رابطة عوامي، بقيادة الشيخة حسينة، قد وفرت للهند فرصا غير مسبوقة لتعزيز
نفوذها، من خلال تقديم تسهيلات واسعة النطاق وإجراءات مكنتها من توسيع سيطرتها
بطرق متعددة، وذلك مقابل ضمان بقائها في السلطة.
تعزيز العلاقات أم مصالح شخصية؟
ولكن رغم هذا التقارب الواضح،
والعلاقة القوية، تثار تساؤلات وشكوك حول دوافع هذا التعاون الوثيق بين البلدين.
هناك من يرى أن الشيخة حسينة لم تسعَ من خلال تعزيز علاقاتها مع الهند إلى مصلحة
بنغلاديش، بل حققت مصالح شخصية وضمان بقائها في السلطة. يشير منتقدوها إلى أن هذه
الاتفاقيات التي تمت بينها وبين بنغلاديش أعطت الهند نفوذا أكبر في بنغلاديش من كل
ما مضى، مما يعزز سيطرتها على الدولة بشكل غير مباشر.
ويعتقد البعض أن الشيخة حسينة تنازلت
عن مصالح بنغلاديش مقابل الدعم السياسي من الهند، مما يضمن بقاءها في السلطة.
وقد وقعت الحكومة السابقة مع الهند
عددا من الاتفاقيات لصالحها الشخصي، من أبرز الانتقادات الموجهة إليها هي اتفاقية
السكك الحديدية التي تمر عبر بنغلاديش، حيث يعتبرها البعض بيعا لمصالح البلاد
لصالح الهند دون الحصول على مقابل مناسب.
إذا مرت السكة الحديدية عبر
بنغلاديش، ستقصر المسافة بين الهند وولاياتها السبع. أما إذا رفضت بنغلاديش ذلك،
ستطول الطريق بشكل ملحوظ.
الهند والانتخابات في بنغلاديش
واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل
هي دور الهند في الحفاظ على الشيخة حسينة في السلطة. يشير البعض إلى أن الهند كانت
تدعمها للبقاء في السلطة دون الحاجة إلى إجراء انتخابات نزيهة وحرة، مما يثير
الشكوك حول ديمقراطية بنغلاديش. تعتقد المعارضة أن الهند كانت تضمن بقاء الشيخة
حسينة في الحكم؛ لأن الحكومات البديلة أو الأحزاب الأخرى دور رابطة عوامي قد تطالب
بحقوق أكثر عدلا لبنغلاديش، مثل تقاسم المياه من الأنهار المشتركة، وهو ما قد لا
يكون في مصلحة الهند.
لابد لنا أن نعلم أن الهند وبنغلاديش
تتشاركان في حدودهما على 54 نهرا عابرا للحدود، مما يجعل قضايا إدارة المياه بين
البلدين ذات أهمية قصوى. ومن بين هذه الأنهار، ينبع 53 منها من الهند ويتدفق نحو
بنغلاديش، مما يعطي للهند نفوذا كبيرا على تدفق المياه إلى جارتها.
وفقا للقوانين الدولية المتعلقة
بالأنهار الدولية، فإنه لا يجوز لأي دولة تقع على ضفاف هذه الأنهار أن تقوم بأي
عمل من شأنه أن يمنع تدفق المياه إلى الدول الأخرى المجاورة، بل تؤكد هذه القوانين
على ضرورة المحافظة على التدفق الطبيعي للمياه وتمنع استغلال الموارد بشكل أحادي
بما يضر بالدول الأخرى.
ولكن الهند تجاهلت هذه القوانين
الدولية وأقامت على هذه الأنهار المشتركة نحو 500 سد، مما أدى إلى وضع معقد، حيث
تقوم الهند بقطع تدفق المياه إلى بنغلاديش في موسم الجفاف مما يؤثر سلبا على
بنغلاديش من حيث توفر الموارد المائية.
ومن جانب آخر، تقوم الهند بفتح هذه
السدود في موسم الأمطار، مما يؤدي إلى حدوث فيضانات مدمرة في بنغلاديش.
وفي الآونة الأخيرة، بعد سقوط حكومة
الشيخة حسينة الموالية للهند، تم تشكيل حكومة مؤقتة جديدة في بنغلاديش، لكن الهند
تحاول منذ بداية تشكيل هذه الحكومة أن تخلق حالة من الفوضى والاضطرابات داخلها.
في البداية، زعمت الهند أن الأقليات
الهندوسية تتعرض لهجمات من قبل المسلمين. وبعد فشل هذه الاستراتيجية، قامت بفتح
السدود المشتركة في وقت متأخر من الليل دون سابق إنذار، مما أثار التوترات بين
البلدين وتسبب في فيضانات مدمرة في بنغلاديش، حيث غمرت المياه 11 منطقة بالكامل.
خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، تمكنت الهند من تعزيز سيطرتها على بنغلاديش تحت قيادة الشيخة حسينة. يعتبر البعض أن الهند استفادت من هذا الوضع لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، بينما عانى الشعب البنغلاديشي من فقدان السيادة والاستقلالية
آلاف من الناس تضرروا من هذه الخطوة
الهندية غير الإنسانية، حيث فقدوا حياتهم وممتلكاتهم من منازل ومتاجر وكل شيء. رغم
أن القانون الدولي ينص على ضرورة إبلاغ الدول المجاورة قبل فتح السدود، إلا أن
الهند لا تلتزم بأي قوانين دولية بشأن تقاسم المياه مع بنغلاديش.
رد فعل الشعب البنغلاديشي
شهدت بنغلاديش انقسامات داخلية حول
هذه القضية، حيث يرى البعض أن الشيخة حسينة باعت بنغلاديش مقابل ضمان بقائها في
السلطة بالدعم الهندي. أدى هذا الشعور إلى زيادة العداء الشعبي تجاه الهند، حيث
يقوم بعض المواطنين بمقاطعة المنتجات الهندية كوسيلة للاحتجاج على النفوذ الهندي
المتزايد في بنغلاديش. يعبر هذا الموقف عن رفض الشعب للبقاء تحت سيطرة دولة أجنبية
ودعم حزب سياسي واحد دون انتخابات نزيهة.
الهند والسيطرة على بنغلاديش
خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية،
تمكنت الهند من تعزيز سيطرتها على بنغلاديش تحت قيادة الشيخة حسينة. يعتبر البعض
أن الهند استفادت من هذا الوضع لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، بينما عانى
الشعب البنغلاديشي من فقدان السيادة والاستقلالية في اتخاذ القرارات الوطنية.
ظلت العلاقات بين الهند وبنغلاديش
معقدة ومثيرة للجدل، وبينما أظهرت الزيارات والاتفاقيات بين البلدين تعاونا مثمرا،
أثارت الشكوك حول دوافع هذا التعاون وتساؤلات حول استقلالية بنغلاديش. يعتبر البعض
أن الشيخة حسينة حققت مصالح شخصية على حساب مصالح البلاد، مما يزيد من التوتر
الداخلي والخارجي. يتعين على الحكومة المؤقتة الجديدة العمل على تحقيق توازن بين
التعاون والمصلحة الوطنية لضمان مستقبل أفضل لشعبي البلدين.