حذفت من الخارطة، ولم يتبق منها سوى بعض
الأطلال التي لا تشير إلى أي معنى من معاني الحياة، كانت قرية
فلسطينية مرتفعة
ومطلة على البحر، وكان من الممكن رؤية البحر من بيوتها.. هواؤها عليل ولطيف كان يوصف
علاجا من بعض الأطباء.
دخلت
قرية ساريس قائمة القرى المهجرة منذ
نكبة عام 1948، وتبعد 15 كيلومترا عن القدس غربا، وكانت القرية تشرف أيضا على مناطق
واسعة من فلسطين من جانبها الغربي تحديدا، حيث تشاهد بوضوح الرملة واللد، وكانت
الغابات المحيطة بالموقع تضفي مزيدا من الجمال على المشهد.
لواء هاريل يهدم منازل في ساريس في عام 1948
تحد ساريس من الشمال بيت ثول، ومن الشمال
الغربي دير أيوب، ومن الغرب بيت محسير، ومن الجنوب كسلا، ومن الجنوب الشرقي خربة
عمور.
وكانت في الموقع عدة خرب مثل "خربة
العلقة"، وهناك مقام "الولي أبي نجمة"، الذي تقول الروايات إنه
ينحدر من سلالة الصحابي عمر بن الخطاب.
ويقال إن أصل سكان القرية من العلا في
الحجاز، وكان عدد سكان القرية يوم احتلالها يزيد على الـ650 نسمة، ثم تحولوا إلى
لاجئين، يتوزعون في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن.
قدر عدد سكان ساريس عام 1922 بنحو 313 نسمة،
وارتفع إلى 470 نسمة عام 1931، وصل عام 1945 إلى 560 نسمة، وربما يصل عددهم حاليا
في الشتات إلى نحو 5 آلاف نسمة.
بلغت مساحة الأراضي التابعة للقرية 10,699
دونما لا يملك الصهاينة منها سوى 123 دونما. وتجاور أراضيها أراضي بيت محسير التي
تقع في نهاية الطريق المتفرعة من طريق القدس– يافا. وقد ساعد نوع التربة واعتدال
المناخ على نشاط الزراعة فيها، وأشهر المزروعات الزيتون الذي تغطي أشجاره مساحة
415 دونما.
كان الاعتماد الأساسي لاقتصاد القرية على
الزراعة، وكان السكان يتزودون بما يحتاجون إليه من مياه الاستخدام المنزلي من
الينابيع والآبار.
وكانت القرية تجلب العاملين من القرى
المجاورة، بسبب وجود 8 كسارات حجر فيها، كما أنها اشتهرت بتربية النحل ووجود العسل.
أما سبب تسمية ساريس بهذا الاسم فله تفسيران:
الأول لكثرة أشجار السيريس التي تنمو في
أراضيها، ويؤيد ذلك ترديد النساء في أثناء غنائهن في الأعراس عبارة "وعريسنا
يا ناس مثل مطرق السيريس".
والثاني أن اسم القرية تحريف لاسم
"سيريس"، إلهة الغلال عند الرومان، ويؤيد هذا القول خيرات القرية
المتعددة وعليل هوائها، وهذا الرأي يرجحه كثيرون عن غيره.
كانت القرية من القرى التي عاشت الفترة
الإسلامية بمختلف دولها حتى الغزو الصليبي، ثم تحريرها من قبل الأيوبيين ومن ثم
عاشت ضمن الدولة المملوكية ثم انتقلت كما سائر فلسطين للحكم العثماني، وكانت في
القرن التاسع عشر قرية مزدهرة وتدفع الضرائب للدولة العثمانية، حتى مطلع القرن
العشرين وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ووقوع فلسطين تحت الاحتلال البريطاني
في عام 1920 .
وبحسب السجلات العثمانية في عام 1596، فقد كانت
ساريس قرية في ناحية القدس (لواء القدس)، وعدد سكانها 292 نسمة، يؤدون الضرائب على
عدد من الغلال كالقمح والشعير والزيتون والفاكهة والخروب، بالإضافة إلى عناصر أخرى
من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل والكرمة.
ومع إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها على
فلسطين، هاجمت العصابات الصهيونية المسلحة القرية في عام 1948 فتصدى لهم رجال المقاومة المحلية وجيش الإنقاذ الذي تكون
من متطوعين عرب، ولكن هذه المقاومة العنيفة لم تكن لتكفي لصد هجمات العصابات
الصهيوني فاحتلوها ومارسوا فيها سياسة التطهير العرقي فهدموا بيوتها وشردوا أهلها
وأقاموا مغتصبات صهيونية على أرض القرية .
ودمرت العصابات الصهيونية قرية ساريس أثناء
"عملية نحشون" ويفيد
تاريخ عصابة "الهاغاناه" الصهيونية بأن
احتلال القرية كان في نيسان/ أبريل عام 1948.
وقبل الاستيلاء على القرية بوقت قصير، كتب
قائد عصابة "الهاغاناه" ، يسرائيل غاليلي، إلى أحد كبار المسؤولين
الرسميين في الصندوق القومي اليهودي، طالبا إنشاء مستوطنة في ساريس بأسرع وقت ممكن.
أعضاء لواء هاريل أمام بيوت ساريس المهجرة عام 1948
واستنادا إلى المؤرخ اليهودي بني موريس، فقد
قال غاليلي إن إنشاء المستوطنات في هذا الموقع وفي 7 مواقع أخرى أمر ضروري
للأمن. وقد استشهد بني موريس برسالة
بريطانية رسمية عاجلة أرسلت في وقت لاحق من ذلك الشهر يفهم من تضميناتها أن سكان
ساريس فروا من جراء مجزرة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في القرية
المجاورة التي وقعت في 9 نيسان/ أبريل من عام 1948.
وفي عام التهجير أقيمت مستوطنة
"شوريش" وهي تحريف عبري لساريس على بعد كيلومتر واحد جنوبي غربي القرية،
أما مستوطنة "شؤيفا" وتعني "المضخة" نسبة للمضخة البريطانية
التي كانت تضخ الماء للقدس قريبا من الموقع، فأنشئت عام 1950، وتبعد 500 متر إلى
الشمال الشرقي من قرية ساريس، وكلتا المستوطنتين مبنيتان على أراضي القرية.
وتغطي الأنقاض الحجرية موقع القرية، وتشاهَد
القضبان الحديدية الناتئة من السقوف المنهارة، وثمة عدة آبار مفتوحة في الموقع،
وبضعة كهوف.
ونبت في موقع قرية ساريس عدد كثير من
الأشجار، مثل السرو والسماق واللوز والصبار.
وفي الجانب الشرقي من المنحدر، تقع مقبرة
القرية المحاطة بالأشجار جنوب غربي الموقع، وفيها بضعة قبور كبيرة يحيط بواحد منها
سياج صغير غير مسقوف وتنتصب شجرة لوز وسط المقبرة.
المصادر:
ـ قرية ساريس.. بلدة فلسطينية سميت على "إلهة"
رومانية"، الجزيرة نت، 11/8/2024.
ـ مصطفى مراد الدباغ، كتاب " بلادنا
فلسطين" .
ـ وليد الخالدي،
كتاب "كي لا ننسى".
ـ موسوعة القرى الفلسطينية.