صحافة إسرائيلية

دراسة إسرائيلية ترصد الأخطاء العسكرية والإخفاقات السياسية بعد عام من الحرب

الكاتب شدد على تعرض الاحتلال لضربة قوية للغاية في السابع من أكتوبر- جيتي
الكاتب شدد على تعرض الاحتلال لضربة قوية للغاية في السابع من أكتوبر- جيتي
بعد عام من العدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة ولبنان، تعددت في الآونة الأخيرة القراءات الإسرائيلية عن مدى النجاح والإخفاق الذي وقعت فيه دولة الاحتلال في مختلف الساحات، والتي شهدت باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، ارتباكات استراتيجية، وأزمة خطيرة في تموضع دولة الاحتلال في الرأي العام الدولي، وتوترات حادة غير مسبوقة مع الولايات المتحدة، وتدهور جذري في الوضع الاقتصادي، وتقلبات في المزاج الوطني، وعودة الاستقطاب العميق بين المعسكرات السياسية.

البروفيسور عيزار غات، الحائز على جائزة عيزار وايزمان للأمن القومي بجامعة "تل أبيب"، وجائزة AMT في العلوم السياسية والاستراتيجية، أكد أن "الأسابيع الأخيرة من القتال شهدت انقلاب الصورة رأساً على عقب، فمأساة المختطفين في غزة أصبحت مظلمة، ولا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على الحرب وصنع القرار فيها، مما يزيد من مشروعية الجدل حول الحرب ذاتها، واتجاهها واستمرارها، وتزداد بدورها على إخفاقات المفاجأة في السابع من أكتوبر نفسه".

التشكيك بالنجاح
وأضاف في مقال مطول نشرته القناة "12" العبرية، وترجمته "عربي21"، أنه "عقب كارثة تشرين الأول/أكتوبر 2023، شككت شخصيات بارزة أمنية وسياسية في قدرة الجيش على العمل على الأرض من خلال اجتياح واسع النطاق لقطاع غزة للقضاء على البنية التحتية العسكرية الضخمة التي أنشأتها حماس، وممارسة ضغوط شديدة عليها على أمل إطلاق سراح المختطفين، لكن قرار اجتياح القطاع استند لتقييم مفاده أن هجوم حماس شكّل تحديا وجوديا للاحتلال، ليس لأن الحركة قادرة على غزو إسرائيل، ولكن لأن كارثة أكتوبر، وعدم وجود رد مناسب عليها ستشعل الأحلام الجهادية بتدميرها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وستحول حلقة النار حولها بلا حدود".

اظهار أخبار متعلقة


واستدرك بالقول إنه "مع مواصلة الحرب، زادت العزلة الدولية للاحتلال بسبب مشاهد القتل والدمار في غزة، مما أدى لتزايد تفكك الإجماع الشعبي حول الحرب، وتعاظمت مشاعر الاكتئاب الشديد، واحتدم الجدل حول استمرار الحرب وأهدافها، والشعور بعدم جدواها، واليأس العام، مما أوجد حالة من الصدع الشعبي العميق ترجمتها قناعات تتحدث أننا أمام استمرار لحرب عقيمة في غزة، تنطوي على تكاليف دولية واقتصادية باهظة للغاية، وأنه لم يعد من الممكن تحقيق إنجازات حقيقية في غزة بعد الحرب".

وأشار إلى أن "قطاعات إسرائيلية باتت تعتقد أن الدولة فشلت في الحرب، وقد حان الوقت لتقليص الخسائر، مما تسبب في مزيد من انهيار المعنويات الإسرائيلية، لأن نجاح حماس، وبقاءها ضد إسرائيل، وعودتها للسيطرة على غزة بعد صفقة التبادل، وعودة آلاف الأسرى الفلسطينيين المبتهجين في قوافل لا نهاية لها من الحافلات، سيرمز لانتصار "المقاومة"، ويرسم الرأي العام الفلسطيني والعربي برمته رايات حماس الخضراء، حتى أن الأنظمة العربية ستجد صعوبة كبيرة في التصدي لموجات الحماسة والنجاح الجهادي الذي سيغمر شعوبها، ولا يبدو أن كل هذه الاعتبارات واضحة لدى الأغلبية الرأي العام الإسرائيلي".

تقويض المصداقية
وأوضح أن "ما شهدته يوميات الحرب من استخدام رئيس الوزراء للقوات الأمنية والمفاوضين كـ"بيادق" في حملته السياسية، بطريقة لم يسبق لها مثيل في العلاقات بين رؤساء الوزراء، من كافة الأطراف، والمنظومة المهنية التي يترأسونها، من المتوقع أن يثنيهم عن تحقيق أهدافهم وتراجع إقدامهم، وزيادة الشعور بعدم شرعية الحكومة لدى الجمهور من اتساع نطاق معارضيها، لأن الضجيج السياسي غير المحتمل الذي صاحب عملية اتخاذ القرار قوّض مصداقيتهم".

ولفت إلى أن "الجبهة الشمالية شهدت مزيدا من الجدل حول الحرب برمّتها، فقد نشأ نمط حرب استنزاف محدودة على طول فترة الحرب، وأدت عدة اعتبارات لتأجيل التعامل مع الوضع الذي لا يطاق في الشمال، وطالما استمرت الجهود المضنية في غزة، وامتدت لفترة أطول بكثير مما كان مخططا له، فقد كان هناك منطق في الإحجام عن فتح جبهة ثانية على الحدود اللبنانية".

وبيّن أن "التقييم الاستراتيجي والسياسي للحرب بعد عام على انطلاقها تؤكد وجاهة الانتقادات التي سمعت بشأن سيرها، والبدائل التي تم طرحها، وجميعها افتقرت إلى متوسط العمر المتوقع الحقيقي، صحيح ان دولة الاحتلال واجهت تحدياً وجودياً، لكن نسبة من الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب أدت لكشف المزيد من ضعفها، حيث تزايدت الأضرار في سجلها الإقليمي والرأي العام الدولي، وهي أضرار جدية وعميقة، بدليل أن مشاهد الدمار والقتل في غزة صدمت قطاعات واسعة من الجمهور العالمي، حيث غمرت المظاهرات العدوانية التي قام بها المسلمون وأنصار اليسار الراديكالي الفضاء المادي ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى جزئيًا إلى ثني يد الحكومات المتعاطفة مع الاحتلال".

وأشار  إلى أن "انطلاق الحرب مع تركيبة الحكومة الإسرائيلية مع أحزاب اليمين المتطرف وأحزابها، كل ذلك ساهم بشكل حاسم في تقويض شرعية الاحتلال، في ضوء التصريحات غير المسؤولة عن حرب بلا حدود، وتجويع سكان غزة، وتدميرها إلى الأبد، وترحيل سكانها، وضم أجزاء منها، وإعادة الاستيطان، بجانب حالات الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية، مما زاد الانتقادات الدولية، وأضرّ بشكل مباشر بنجاح الحرب".

اظهار أخبار متعلقة


صمود حماس
واعترف الكاتب أن "محاولة تأسيس قيادة بديلة في غزة تعتمد على عناصر محلية وعشائر مركزية ثبت أنها فاشلة، في حين أن عودة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، لتوزيع الإمدادات وتقديم الخدمات ميدانيا، ستؤدي لخسائر يومية، ناهيك عن العبء العملياتي واللوجستي والمالي الثقيل بشكل لا يطاق، في حين بدأت حماس تتحول لأسلوب حرب العصابات، مما جعل من الحديث عن "النصر الكامل" وتدمير حماس، ضاراً منذ البداية، ولا يعد إلا بخيبة الأمل والإحباط، ومن الصعب الافتراض أن رئيس الوزراء لم يكن على علم بذلك".

ولخص الكاتب ورقته التقييمية، بالقول إن "دولة الاحتلال تعرضت لضربة قوية للغاية في السابع من أكتوبر، وبعده، بما في ذلك خسائر فادحة، وأضرار سياسية واقتصادية ومعنوية خطيرة للغاية، بعضها طويل الأمد، وما زالت الحرب لم تنته بعد، ولا ينبغي للإسرائيليين أن ينغمسوا في النشوة بعد موجة "الإنجازات" العسكرية الأخيرة، لأن التطورات الأخيرة في مختلف الجبهات تعزز الانطباع بأن الردع الإسرائيلي أصيب بأضرار قاتلة".
التعليقات (0)