قضايا وآراء

الاستعمار والتدمير المنهجي: قراءة في خيار المقاومة (2-2)

إيمان شمس الدين
تتحدث الكاتبة عن تحويل"الإرادة والقدرة مع فارق الإمكانيات والأدوات والوسائل؛ إلى قوة قادرة على إعادة بناء المفاهيم ومنظومة القيم والمعايير"- الأناضول
تتحدث الكاتبة عن تحويل"الإرادة والقدرة مع فارق الإمكانيات والأدوات والوسائل؛ إلى قوة قادرة على إعادة بناء المفاهيم ومنظومة القيم والمعايير"- الأناضول
غزة- لبنان وخيار المقاومة:

بعد حرب غزة التي أسقطت ورقة التوت عن الغرب، وكشفت حقيقة المؤسسات الدولية وقوانينها ولصالح من وضعت، ومن هو المعني في خلفياتها المعرفية بالإنسان وتعريفه، باتت تتكشف مجددا أفكار الاستعمار المكتنزة في الشخصية الغربية، وأعني بها هنا الحكومات. وهنا لا أرفع المسؤولية عن الشعوب الغربية، رغم دعم أغلبها لغزة، كونها هي من يذهب إلى صناديق الاقتراع ويختار هذه الحكومات، التي تمارس كل أنواع الاحتيال والتدليس في سبيل مصالحها الرأسمالية، وقيمها الليبرالية، والعلمانية، المتراوحة بين التطرف والاعتدال.

هذا الفكر الاستعماري الذي اختبأ خلف قناع الحريات والعدالة والديمقراطية، والمؤسسات والقوانين الدولية، ظهر كوحش مارد بعد حرب غزة، وكشف قناعه الاستعماري ووحشيته، بتمويل القتل والتدمير مجددا بكل أنواع السلاح والتكنولوجيا التي توصل إليها.

فكان الخيار في المواجهة هو المقاومة العسكرية، مع معرفة فساد تأويل القوانين الدولية، وتمييعها، وقلب دلالاتها لتخدم إرادة الدول الكبرى الحليفة والراعية للكيان الصهيوني، كأحد أذرعتها الاستعمارية المهمة في منطقتنا الغنية بالثروات المادية، خاصة الطاقة، والثروات الثقافية المتنوعة في الهوية والانتماء.

ان الخيار في المواجهة هو المقاومة العسكرية، مع معرفة فساد تأويل القوانين الدولية، وتمييعها، وقلب دلالاتها لتخدم إرادة الدول الكبرى الحليفة والراعية للكيان الصهيوني، كأحد أذرعتها الاستعمارية المهمة في منطقتنا الغنية بالثروات المادية، خاصة الطاقة، والثروات الثقافية المتنوعة في الهوية والانتماء

المقاومة المسلحة كحق أممي

- اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارا بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، مثل قرارها رقم 3236 لعام 1974 بند 1 و2، وقرارها رقم 39/17 لعام 1984 بند 3، وقرارها رقم 49/149 لعام 1995 في البند 1 و3، وبحقه في استرجاع حقوقه بالوسائل المتاحة كافة بما في ذلك الكفاح المسلح حسب قرار الجمعية العامة رقم 3236 لعام 1974 بند 5، ورقم 39/17 لعام 1984 بند 2. كما أن القانون الدولي ومنذ قيام الأمم المتحدة حظر اللجوء إلى القوة المسلحة، أو التهديد بها في اطار العلاقات الدولية غير أنه أجاز اللجوء إلى القوة بأشكالها المختلفة في حالات الدفاع الشرعي ضد الاحتلال، بوصفها وسيلة لممارسة حق تقرير المصير والوصول الى الاستقلال الوطني.

- ⁠أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (3246) الصادر في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1974 على شرعية حق الشعوب في الكفاح المسلح في سبيل تحررها من الاحتلال، وذهب إلى أن "أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان". وقد أكدت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة في عام 1998 في المادة الثانية على أنه "لا تُعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي، والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير".

- ⁠هذا فضلا عن أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379، الذي اعتمد في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 بتصويت 72 دولة بنعم مقابل 35 بلا (وامتناع 32 عضوا عن التصويت)، يحدد أن "الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي حسب القرار تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين.

ومع ضعف قدرات الدولة العسكرية لأسباب عدة في الدفاع عن نفسها أمام أي هجوم أو احتلال همجي، يصبح من حق الشعب الدفاع عن نفسه بالكفاح والمقاومة المسلّحة، لدرء العدوان، ومنع احتلال الأرض.

وما جاهزية المقاومة في المواجهة، إلا دليل على حجم الوعي المسبق لطبيعة هذا الغرب وبنيته المعرفية، والفهم التاريخي لمنظومته الفكرية وتطورها وإلى أين وصلت، وآليات مواجهتها، وأدوات هذه المواجهة، والخيارات المتاحة لسياق كل حدث ومواجه، وكيفية تحقيق الجهوزية الكاملة وفق القدر والاستطاعة، لمواجهة تتناسب في وزنها ونوعها مع سياق الحدث، وارتداداته، ومكاسبه، وأهدافه، وتداعياته.

وكانت نواة هذه الخيارات هي المقاومة، وليست فقط المقاومة العسكرية المُشَرّعة أمميّا في وجه الاحتلال والاعتداء، خاصة وفق التجربة التاريخية والميدانية، أن قوى الاستعمار لا يمكنها الرضوخ إلا بمنطق القوة المتمثل بالمقاومة المسلّحة، والتي أبدعت فيها المقاومة في التجهيز والتخطيط والتنفيذ إلى الآن، فالمعركة وفق الموازين المادية لا تكافؤ فيها بين المقاومة والكيان الصهيوني، لكنها في البعد الاستراتيجي المعنوي هناك تفوقا ملحوظا وبارزا للمقاومة، وهو البعد الأهم في المعركة والأكثر فاعلية في التأثير بمجرياتها ونتائجها، "فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال: 17). هو بعد لا يملكه العدو، وإن امتلكه فهو مُشَوّهٌ ومُنْحَرِفٌ عن السبيل والصراط المستقيم، كون الصهاينة دوما ما يلجؤون في خطاباتهم للنص التوراتي، ولا داعي للخوض في مصداقية كل ما ورد فيه.

المُسْتَعْمِر والتدمير المنهجي:

للاستعمار سمات عامة مشتركة وللكيان الصهيوني سمات أيضا خاصة، والسمات العامة تم ذكرها في بداية المقال، وأما السمات الخاصة بالكيان الصهيوني فأهمها:

- تدمير منهجي للبنى التحتية والمباني السكنية، وما عقيدة الضاحية التي طورها رئيس الأركان العامة الإسرائيلية السابق "غادي آيزنكوت"، التي تقوم على الردع باستخدام القوة المُفْرِطة، والتّدمير الشامل، وقتل المدنيين بارتكاب مجازر وإبادات جماعية لكسب المعركة، إلا دليل قطعي على هذه السّمة البارزة.

- تدمير الهوية التاريخية للمنطقة، بمسح قراها القديمة، ومساجدها الأثرية، وتراثها الأثري، كنوع من مسح الذاكرة التاريخية للأجيال القادمة لتضعيف روابطهم بالمكان والزمان والتاريخ، والقدرة على بناء هوية مغايرة للواقع لتلك الممتدة بالتاريخ وبالمرتبطة بحكايته وتراثه وآثاره الشاهدة عليه.

- استهداف القطاع الطبي، من مسعفين وأطباء، ومستشفيات، وكل ما له صلة ووظيفة في الحرب يتعلق برعاية الإنسان وحفظ حياته وكينونته المتعلقة بالجسد، لإيقاع أكبر عدد من الشهداء، ومن ذوي الإعاقة، الذين يصبحون معطلين، وعاجزين عن أي خيار مستقبلي في مواجهة هذا العدو المتوحش، أو يصبحون عالة على مجتمعهم الذي يعاني بالأصل نتيجة الحرب.

- استهداف دور العبادة، سواء المساجد أو الكنائس، والتي لها علاقة بهوية الإنسان وذاكرته الدينية، وهذه تأتي من عقيدة الصهيوني، الذي لا يرى حقيقة دينية سوى يهوديته، فلا يقيم أي احترام وتقدير للأديان الأخرى.

- استهداف المدنيين الحاضنين للمقاومة من حيث العدة والعتاد والعديد والثقافة، لمعاقبتهم على هذا الخيار، ولتأليبهم على المقاومة لتجفيف منابع الدعم والحماية، ولتغيير عقيدتهم المقاومة، إلى عقيدة استسلام للعدو الصهيوني، والخضوع لإرادته.

- التعتيم الكامل على الخسائر التي يتكبدها العدو الصهيوني نتيجة ضربات المقاومة، لعدم التأثير على معنويات وصمود المجتمع الصهيوني الهش، وللتأثير على معنويات البيئة الحاضنة للمقاومة، ولتقزيم الفعل المقاوم وآثاره وإنجازاته، وهو ما يشيع أجواء اليأس من هذا الخيار والاقتناع بعدم نجاعته في المواجهة.

مع تطور الفعل المقاوم وقدراته، وفاعليته الميدانية، يعجز العدو في عصرنا الراهن عن تحقيق أهدافه، وعن إجبار خصمه في المعركة على رفع راية الاستسلام، والرضوخ لشروطه المذلة، بل أمام الثبات والقدرة الميدانية، وتكبده خسائر لا يتحملها، يلجأ العدو مؤخرا ويهرول ليجد له مخرجا سياسيا يساعده النزول عن الشجرة بأقل الأضرار

لكن رغم هذا التوحش وظواهره، إلا أنه وإن نجح في حقبة زمنية في بدايات الاحتلال الصهيوني للمنطقة، لكنه مع التقادم كما أسلفنا، ومع تطور الفعل المقاوم وقدراته، وفاعليته الميدانية، يعجز العدو في عصرنا الراهن عن تحقيق أهدافه، وعن إجبار خصمه في المعركة على رفع راية الاستسلام، والرضوخ لشروطه المذلة، بل أمام الثبات والقدرة الميدانية، وتكبده خسائر لا يتحملها، يلجأ العدو مؤخرا ويهرول ليجد له مخرجا سياسيا يساعده النزول عن الشجرة بأقل الأضرار.

فقد يمتلك العدو القوة العسكرية والتقنية، لكنه لا يمتلك القدرة والإرادة، أو لا تُحَوّل هذه القوة من قِبَلِهِ إلى شيء مؤثر في خيارات وقرارات المقاومة. فامتلاك القوة ليس بالضرورة يعني امتلاك القدرة، بينما امتلاك القدرة مع قوة متواضعة، يحقق للمقاومة تفوقا استراتيجيا.

وقد تكون المقاومة أضعف ماديا من العدو من حيث القوة والتقنية، ولكنها تمتلك القدرة في توظيف ما تملكه من قوة وقدرات وإرادة فاعلة في الميدان، في استخدامها بشكل مؤثر ضد العدو، لتؤثر في خياراته وقراراته العسكرية والسياسية، فيكون مبدأ التفاوض بالنار يفشل قدرات العدو على فرض شروط في الميدان السياسي، عجز عن تحقيقها في الميدان العسكري، رغم قوة التدمير والقتل التي يمارسها على المدنيين، على الحجر والبشر والتاريخ والتراث.

فقدرة المقاومة كبيرة على ضرب نقاط الضعف في البعد المادي الذي يتفوق فيه العدو، وتعطيل تحقيق الأهداف بالصبر والثبات، بل والانتقال بعد ذلك إلى مرحلة الإيلام، التي كثفت فيها المقاومة من الضّرب بمطرقة القدرات العسكرية المُكَثّفة نوعيّا، بشكل تدريجي من حيث القدرات، ومن حيث الأهداف الاستراتيجية في عمق الكيان المحتل.

والمقاومة نجحت في ذلك من خلال عدة نقاط قوة ركائزية أهمها:

- ما وصفهالمفكر السياسي الأمريكي جوزيف نايْ بـ"الذكاءالسياقي"، وهو القدرة على استيعابظروف الزمان والمكان والإمكان، وما يترتبعليها من ترتيب الأولويات، واختلاف الواجبات،ومَراتب المسؤوليات. وتجلى ذلك في كل مراحل الصراع، وخاصة بعد تفجير أجهزة النداء، واغتيال القيادات من الصف الأول والثاني، والوصول إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد الشهيد حسن نصر الله.

- الغموض الاستراتيجي: في سياق السياسة العالمية، فإن سياسة الغموض المتعمد (المعروفة أيضا باسم سياسة الغموض الاستراتيجيأو عدم اليقين الاستراتيجي) هي ممارسة حكومةأو جهة فاعلة غير حكومية؛ تتمثل فيأن تكون غامضة عمدا فيما يتعلق بجميعأو جوانب معينة من سياساتها التشغيلية أوالموضعية. عادة ما تكون هذه طريقة لتجنبالصراع المباشر مع الحفاظ على موقف مقنعأكثر حزما أو تهديدا بشأن موضوع ما (على نطاق واسع، استراتيجية النفور من المخاطرالجيوسياسية). وهو ما مارسته المقاومة بشكل إبداعي خاص، يتناسب وحجمها كقوة مقاومة ضمن دولة.

- الثبات في الميدان، والاستراتيجية المتدرجة في المواجهة، التي تتناسب مع وزن ونوع الموقف العسكري، بما يحقق ضربات استراتيجية تسبب خسائر عسكرية واقتصادية للعدو، وتحدث إيلاما لا يتحمله مع التقادم كيان العدو ولا مجتمعه الهش.

- التضليل المعلوماتي وبناء شبكة معلومات وهمية مُمَوّهة، تجعل العدو الصهيوني يقرأ الميدان وقدرات المقاومة، واستراتيجيتها بشكل بعيد عن الواقع، ولا يستند لمعلومات دقيقة، فيبني على أساسها ردود فعله العسكرية، بل يحدد وفقها أهدافه من المعركة، وهو ما ينكشف ضعفه ووهنه مع الاشتباك والتلاحم، ومن ثم الانكشاف والتراجع، وخفض مستوى التطلعات والأهداف.

المقاومة ومعركة الوعي:

فنجاح المقاومة العسكرية في إفشال تحقيق العدو لأهدافه، ومنعه من تحقيق شروطه التي لأجلها وسع حربه على لبنان، وشنّها على غزة، وثبات هذا الخيار في الميدان رغم حجم الخسائر المادية، مع رصيده المعني الكبير في الثبات والصبر، واحتواء الضربات الموجعة وفق مبدأ الصبر والتوكل على الله، دليل على أن المقاومة خيار مطلوب بكافة أشكالها وفي كل أنواع المعارك، لا سيما معركة كيّ الوعي وهي أهم معركة يمكن للعدو أن ينجح فيها، لما يملكه من إمكانات تكنولوجية وإعلامية، وقدرات على الكذب والتدليس وتحويل الوهم إلى حقيقة، بل ما يملكه من أدوات داخليّة بشرية إعلامية ومنظمات مدنية وغير حكومية "NGOs"، لذلك نجاح المقاومة العسكرية، يجب أن يتسق ويتوازى في ذات الوقت مع نجاح معركة الوعي، من خلال قوة منطق الإعلام المقاوم، وقدرته على التأثير بمصداقية وواقعية وموضوعية عالية، دون اللجوء للتهريج تحت مسمى التحليل، ولا رفع الأسقف عاليا بعيدا عن الواقع، ولا من خلال التهويل لصالح المقاومة بما لا يتناسب مع واقعية قدراتها وخططها واستراتيجياتها.

من أكثر الدول الغربية التي دعمت إسرائيل هي دول الاستعمار القديم، وهي ذات الدول التي جعلت من أغلب الأنظمة العربية المُسْتَعمَرة بشكل غير مباشر، أنظمة تابعة وظيفتها تمويل الحرب، ومنع أي مساعدة حقيقية لغزة ولبنان، بل وظفت هذه الدول العربية إعلامها، ليكون ذراع إسرائيل والغرب في الحرب الإعلامية في معركة الوعي

إضافة إلى القدرة على استغلال هذه الحرب وما كشفته من حقيقة عرّت من خلالها المنظومة الغربية، وازدواجية معاييرها، ووجهها الاستعماري الحقيقي المستمر بدعم إسرائيل، لدرجة أن يعبر رئيس وزراء فرنسا الأسبق مانويل فالس في مقال له لمجلة "لو بوان" قائلا: "إذا سقطت إسرائيل سقطنا معها".

ومن أكثر الدول الغربية التي دعمت إسرائيل هي دول الاستعمار القديم، وهي ذات الدول التي جعلت من أغلب الأنظمة العربية المُسْتَعمَرة بشكل غير مباشر، أنظمة تابعة وظيفتها تمويل الحرب، ومنع أي مساعدة حقيقية لغزة ولبنان، بل وظفت هذه الدول العربية إعلامها، ليكون ذراع إسرائيل والغرب في الحرب الإعلامية في معركة الوعي، ونشر إشاعات حتى إسرائيل نفسها لم تتبنها، وتبنت أغلب ما تقوله الصحافة العبرية من تحليلات ومعطيات الميدان والعسكر والسياسة، دون حتى أدنى مهنية في نقل المقلب الآخر من الحدث المعني بالمقاومة ومنجزاتها الميدانية ضد العدو الصهيوني.

فاستغلال ما سبق في بناء مشروع ثقافي ومعرفي تأسيسي وليس انفعاليا عاطفيا؛ يستطيع في حالة هذا الضعف الغربي المعرفي أن يكشف أكثر الخلل في المنهج الغربي، ويقدم البديل الصالح والمتصالح مع ذاته ومع غيره، حتى لا تدخل الأجيال التي كانت متأثرة فكريا بالغرب في التيه، بعد إدراكها وجدانيا وحضوريا ازدواجية القيم والمنظومة الغربية، وشعارات حقوق الإنسان، وعدم فاعلية المؤسسات الدولية عندما تكون الحرب في ساحة الإنسان العربي والمسلم، فتتلقفها رياح الأفكار، بين يمين متطرف ويسار متطرف، أي بين إفراط وتفريط.

فكما استطاعت المقاومة امتلاك القدرة على توظيف إمكاناتها في ضرب نقاط الضعف العسكرية في الكيان الصهيوني رغم فارق القوة المادية، يمكن لبيئة المقاومة ولكل من يؤيد خيار المقاومة لمواجهة الاستعمار بكافة أشكاله، أن يحوّل الإرادة والقدرة مع فارق الإمكانيات والأدوات والوسائل؛ إلى قوة قادرة على إعادة بناء المفاهيم ومنظومة القيم والمعايير بعيدا عن المنظومة الغربية، التي بدأت تغرق في وحل ازدواجية المعايير، والتأويل المفرط لصالحها الخاص مهما ارْتُكِب من مجازر وتدمير من قبل الكيان الصهيوني، على حساب حيوات البشر ومستقبلهم، لمجرد أنهم وفق معاييرها لا ينطبق عليهم مفهوم الإنسان كمصاديق له، وهذا بذاته يتطلب وضع رؤية نظرية، وتطبيقية آنية للمعركة، واستراتيجية لما بعدها، وقد نفرد له ورقة خاصة قريبا.
التعليقات (0)

خبر عاجل