كتاب عربي 21

جديد مصر.. هل هي انفراجة سياسية؟!

سليم عزوز
"لا يزال هناك معتقلون مسالمون، من القوى المدنية، ومن الصحفيين، ومن النساء، وكبار السن، لم يتم الإفراج عنهم كبادرة جيدة مع رفع الأسماء"- الأناضول
"لا يزال هناك معتقلون مسالمون، من القوى المدنية، ومن الصحفيين، ومن النساء، وكبار السن، لم يتم الإفراج عنهم كبادرة جيدة مع رفع الأسماء"- الأناضول
لم أكن قد فرغت بعد من مطالعة قائمة "المبشرون بالموافقة الأمنية" على تجديد واستخراج جوازات سفرهم، ولم يكن اسمي من بينهم، عندما تم الإعلان عن رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب، ولهذا فإنني أجبت على سؤال هل القرار يمكن قراءته على أنه تعبير عن انفراجة سياسية؟ بأنه: لا قواعد حاكمة. فهل نحن بصدد انفراجة سياسية فعلا؟!

من المعروف أن السلطات الأمنية في مصر استنت إجراء غير مسبوق عند استخراج جواز السفر من سفارات بلدان بعينها مثل قطر وتركيا، بجانب دول أفريقية بعينها، يبدو أن عددا من الإخوان قد استقروا بها، يتمثل هذا الإجراء في الموافقة الأمنية ابتداء على استخراج جواز السفر، فلا يكون التقديم لتجديد الجواز أو استخراج جواز بالنسبة للمواليد الجدد، مباشرة، كما هو الحاصل في عموم العالم، ففي هذه السفارات بالذات يجب تعبئة استمارة لطلب التجديد أو استخراج الجواز، فيما يعرف بـ"الاستعلام الأمني". ومن هنا فإن المتابعين لصفحات هذه السفارات يعرفون، دون غيرهم، نشر قوائم تطلب فيها السفارة من الواردة أسماؤهم أو أولياء أمورهم الحضور لتقديم الطلبات! فقد جاء الفرج!

وفي البداية، كانت السفارة تنشر أسماء قائمة المرفوضين، ما بين كتابة كلمة "رفض"، أو استخراج الجواز من مصر، وهي العبارة التي سهّلت مهمة طالبي اللجوء في الدول الغربية، فكان التوقف عن نشر مثل هذه البيانات!

مع هذه الأجواء الاحتفالية تصعب القراءة الموضوعية لهذا القرار، وكثيرون شاركوا في زفة الحوار الوطني، باعتباره اتجاها للمصالحة، لدرجة أنني وجدت نفسي في حرج عند السؤال التلفزيوني: ماذا لو دعيت للمشاركة؟ والحرج مبعثه تصوير سلطة الحكم كما لو كانت تفتح ذراعيها لنا وترحب بالاستماع لأصواتنا من الداخل، فإذا رفضنا فالمعنى أننا مستفيدون من وجودنا في الخارج، ولا نريد حلحلة الموقف، أو فتح صفحة جديدة خوفا على مصالحنا المستقرة

والرفض المكتوب أو الشفهي، فضلا عن الموافقة الأمنية، أمر ليس معروفا في أي مكان في الدنيا، وقد جمعني بزملاء من دول عدة لقاء في الأسبوع الماضي، ودولهم ليست خارج دائرة الاستبداد، لكنهم كانوا في دهشة وهم يسمعون أنه يمكن أن يصل الحال بنظام حكم أن يحرم الناس من وثائقهم، وكان من بينهم من هم محسوبون على معارضة الحكم العسكري في السودان، لكنهم لم يواجهوا بهذا المستوى من الطغيان!

الترحيب بالخطوة:

وفي هذه الأجواء عندما يصدر قرار برفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب، فلا بد من التعامل بدرجة من التحفظ، يتحفظ عليها البعض في الخارج، وقرأت لثلاثة حتى الآن يعتبرون أن من لم يرحب بهذه الخطوة هو مستفيد من وجوده في المهجر، أحدهم لا يستطيع أن يعود لمصر، لكنه في اندفاعه للترحيب بأي خطوة، وحمله على المعارضة؛ كما لو كان الأمين العام لحزب مستقبل وطن!

ومع هذه الأجواء الاحتفالية تصعب القراءة الموضوعية لهذا القرار، وكثيرون شاركوا في زفة الحوار الوطني، باعتباره اتجاها للمصالحة، لدرجة أنني وجدت نفسي في حرج عند السؤال التلفزيوني: ماذا لو دعيت للمشاركة؟ والحرج مبعثه تصوير سلطة الحكم كما لو كانت تفتح ذراعيها لنا وترحب بالاستماع لأصواتنا من الداخل، فإذا رفضنا فالمعنى أننا مستفيدون من وجودنا في الخارج، ولا نريد حلحلة الموقف، أو فتح صفحة جديدة خوفا على مصالحنا المستقرة!

وبعد أن اقتصرت الدعوة على تجمع 30 يونيو، لم يعتذر هؤلاء عن الابتزاز الذي مارسوه، ولكنهم انتظروا حتى رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب، فصاحوا هذا ربي هذا أكبر، وأن على من في الخارج تثمين هذه الخطوة، وإلا فإنهم مستفيدون من وجودهم في الخارج ولا يريدون العودة!

أحفظ لنفسي أنه سبق لي القول إنني مستعد لأي ثمن مقابل الإفراج عن المعتقلين، ولو كان اعتزال السياسة كتابة وممارسة، أو اعتزال القراءة والكتابة بالكلية، لكن ما هكذا تورد الإبل!

المهم في قرار رفع أسماء 716 من قوائم الإرهاب، أنه كان مفاجأة وبدون مقدمات، وهذا جيد لأن هناك من يقفون للساقطة واللاقطة، فإن اتصل علمهم باتجاه ما، مثل الإفراج عن معتقلين ونحو ذلك، استبقوا ذلك بالإعلان عن أن ذلك ثمرة نضالهم وحوارهم مع السلطة!

ولعل المفاجأة هي المسؤولة عن هذا الترحيب بدون تفكير، وحمل الآخرين على الترحيب بها، وإلا فإنهم مستفيدون من وجودهم في الخارج، ولا يبغون العودة!

ولكي نضع النقاط فوق الحروف، فليس كل من في الخارج سواء، فمنهم من يريد العودة، لكن بكرامته، اليوم قبل الغد، ومنهم من يريد العودة ولو بدون كرامته، وهناك من سووا مواقفهم في الخارج، ويريدون أن يعودوا زيارة، والسفر من جديد بجوازات سفرهم الأجنبية، فلا يتخيلون العودة إلى ماضيهم الأليم، وعشر سنوات من شأنها أن تغير ترتيب الأولويات!

ليس كل من في الخارج سواء، فمنهم من يريد العودة، لكن بكرامته، اليوم قبل الغد، ومنهم من يريد العودة ولو بدون كرامته، وهناك من سووا مواقفهم في الخارج، ويريدون أن يعودوا زيارة

إبراهيم منير وحق العودة:

وعندما التقيت بالقيادي الإخواني إبراهيم منير في لندن قبل الثورة، حزنت لحاله، عندما قال لي إنه هنا منذ نصف قرن ولا يستطيع العودة لأن اسمه مدرج على قوائم ترقب الوصول، فلما قامت الثورة لم أتواصل معه، فقد كان الجميع يخطب ود القوم، ولا أدرك إن كانت سماحة الرجل التي كتبت عنها وقتئذ، ستظل تلازمه مع هذه الانتصارات الكبرى أم لا!

وكان عندما يحضر على سطح الذاكرة أتصوره أكثر سعادة بالثورة التي ستمكنه من العودة إلى مصر، فلا بد أن يكون قد عاد واستقر بها. لكني عندما التقيت به رحمة الله عليه في الدوحة، بعد الانقلاب، وسألته في لهفة إن كان قد استقر في مصر كما كنت أعتقد، أخبرني أنه عاد لأيام انتهى خلالها سريعا من تجديد وثائق سفره ثم سافر مسرعا إلى لندن. فهذا هو حال الدنيا!

وهناك من اتخذ قراره بالاستمرار في الخارج، ولن يعود لمصر ولو تغير النظام، وسمعت هذا من بعضهم، وهم من شريحة الشباب. وليس كل الشباب في الخارج استطاع التمكن من الاستقرار الوظيفي، والأولون هم مع حلحلة الموقف، لحل مشكلة إخوانهم في السجون ليمكنهم الاستمتاع الكامل بحياتهم في الغربة بدون تأنيب ضمير!

ومهما يكن، فحديث أن هناك من يرفض الترحيب بهذه الخطوة باعتبارها تعبيرا عن توجه جديد للسلطة، هو تزيد في تقدير الحالة، والخفة في تقدير الأمور!

أولادي المغرر بهم:

وعامة، فلم تكن المفاجأة فقط هي سمة هذا القرار الذي أربك المحللين، ولكن في أنه تزامن مع خطاب رأس النظام بالحرص على "أبنائه" وفتح صفحة جديدة لهم للانخراط في المجتمع كمواطنين صالحين، وأنه قد وجّه بمراجعة المواقف القانونية للمتهمين، سواء المحبوسين أو المدرجين على قوائم الإرهاب، وسرعة التصرف معهم!

ولعلنا منذ عهد السادات لم نسمع وصف "الأبناء"، ولكم كان يدهشنا الرئيس الأسبق وهو يخاطب خصومه بأنهم أبناؤه، حتى وإن اشتمل الوصف على صفات أخرى سلبية، فأبنائي المغرر بهم، وأولادي في الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهكذا!

ربما كان الخطاب متسقا مع حالة السادات، وكان يهمه أن يصور نفسه على أنه "كبير العيلة"، وعندما أسس مجلس الشورى قال في وصفه إنه "مجلس العيلة". والسيسي من ثقافة مختلفة، إنه ابن المدينة، في حين كان السادات ابن القرية وإن لم يعش فيها طويلا، إلا أنها كانت تعيش فيه!

تطور مهم، ولا ريب، في الخطاب وفي القرار، حتى وإن كان رفع عدد 716 اسما من قائمة واحدة لم يشمل الجميع في القائمة، ولم يشمل القوائم الأخرى، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فهل هو أول الغيث، والذي يكون قطرة ثم ينهمر!

بالسوابق، فإنه إذا وجد حاكم جاد لتصفية ملف المعتقلين فإن الأمر يحتاج إلى فترة تتراوح بين 3 و4 سنوات ليبدأ الإفراج عنهم خلالها فوجا فوجا، وبالتالي يعتبر هذا العدد من الذين رفعت أسماؤهم كبيرا إذا تم النظر إليه على أنه خطوة، فهل المصالحة في الطريق؟!

من العبث الطلب من الإخوان اعتزال السياسة تماما وللأبد، وهم إن وافقوا فإنهم يمارسون المناورة، وطبيعة التنظيم التي تكشفت على مدى عهود سابقة مع أجهزة الدولة المصرية، جعلتهم مكشوفين للطرف الأمني، فالإخوان أصلا حزب سياسي فلا يجدون أنفسهم إلا في عالم السياسة، وليس في حلقات الذكر!

إنما يستطيع السيسي استلهام تجربتي السادات ومبارك معهم، ويصل إلى اتفاق بعدم ممارسة السياسة تماما في عهده، والثمن هو الإفراج عن المعتقلين، وعدم مطاردتهم، وسيوافقون، وأي كلام غير ذلك هو من باب مزايدة فصيل على فصيل ضمن الصراع على السلطة داخل الجماعة، ولن يستمر الصراع مع المصالحة!

وبالمصالحة يضمن السيسي حكما مستقرا من الناحية السياسية، فمن يمثل القوة غيرهم؟ حزب الوفد الجديد؟!

لكن السيسي أمامه تحديات كبيرة، إنه نفسه مؤمن أن السبب في ثورة يناير هو حالة السماح الديمقراطي في عهد مبارك، ثم إن الإخوان بالذات ملف إماراتي، فضلا عن أن هناك أصحاب مصالح ممن يلتفون حول الحكم، راجت بضاعتهم في ظل التخويف من البعبع الإخواني، فما القيمة الدفترية لكل المشاركين في الحوار الوطني مع خالص احترامنا للجميع لولا البعبع الإخواني؟!

السيسي أمامه تحديات كبيرة، إنه نفسه مؤمن أن السبب في ثورة يناير هو حالة السماح الديمقراطي في عهد مبارك، ثم إن الإخوان بالذات ملف إماراتي، فضلا عن أن هناك أصحاب مصالح ممن يلتفون حول الحكم، راجت بضاعتهم في ظل التخويف من البعبع الإخواني، فما القيمة الدفترية لكل المشاركين في الحوار الوطني مع خالص احترامنا للجميع لولا البعبع الإخواني؟!

حلحلة بدون مصالحة:

ومن هنا يمكن حلحلة الموقف بدون مصالحة، على قواعد عبد الناصر بعد أزمة 1954، حيث لم يمكث الإخوان طويلا في السجون، وخرجوا منها إلى بيوتهم، واتخذ ناصر خطوة متقدمة بعودتهم إلى وظائفهم بذات امتيازاتهم المالية. وأرجو ألا يستدعي أحد سياسة التخويف على قاعدة وماذا كانت النتيجة؟ المؤامرة عليه في سنة 1965، وأنهم خططوا لنسف القناطر الخيرية وما إلى ذلك؟ فهذا اختراع أمني أولا، وأخيرا، والأمن كان يخلق عفاريت لتخويف عبد الناصر، وكانت لعبة صلاح نصر، وشمس بدران، وغيرهما، لنأتي إلى التحدي الأهم!

لا يخفى على متابع، أن هناك جهازا من أجهزة الدولة المصرية لا يرى ضرورة لهذا الاحتقان السياسي، ومع حلحلة الموقف، وقبل عام وربما أكثر كان هناك اتجاه للإفراج عن خمسة آلاف معتقل مرة واحدة، وربما راقت الفكرة للجنرال، لكن جهازا أمنيا آخر حذر من خطورة الخطوة، فاستسلم لمخاوفه!

وهذه المعضلة قائمة، فضلا عن أن هذه الخطوة المحمودة برفع 716 اسما من قوائم الإرهاب دفعة واحدة، لا تعبر عن اتجاه عام، وعندما أراد مبارك أن يفتح صفحة جديدة، أرسل نقيب الصحفيين إلى بلاد الصمود والتصدي (العراق وسوريا) بجانب فرنسا؛ لإقناع الصحفيين المهاجرين بالعودة، وكان هذا جزءا من معالجة الاحتقان في عهد السادات وبدأ في معالجة ملف المعتقلين، وإن استمر لثلاث سنوات إلى أن تمت تصفيته!

والآن، فلا يزال هناك معتقلون مسالمون، من القوى المدنية، ومن الصحفيين، ومن النساء، وكبار السن، لم يتم الإفراج عنهم كبادرة جيدة مع رفع الأسماء، ومثلي قد يتفهم تصفية ملف المعتقلين دون إحداث تحول في مجال الحريات، وحتى هذه لا تبدو قائمة الآن، وكيف يمكن تفهم ذلك من نظام يحرم الناس من حقهم في تجديد واستخراج وثائقهم الخاصة؟ هل هو قرار أمني لا علم للرئاسة به؟

هذه هي المعضلة أيضا، فالأمن هو سلطة حكم، وليس أداة في يد الحاكم!

إنها خطوة، قد تتبعها خطوات، لكنها ليست اتجاها عاما.

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)