عوّدتنا
حوادث منطقتنا وعمليات العدوان المتكرر على شعوبها أنها ترد في كل مرة بشكل تلقائي
وبطريقتها الخاصة، وذلك بالمزيد من العودة إلى الهوية المستهدفة، والتشبث بالذات الحضارية
التي يُراد القضاء عليها. ولهذا، نشهد في كل مرة صعودا إسلاميا ومددا مقاوما جديدا،
وهو ما أدركه المتخصصون، بل والمتربصون، الذين رأوا أن هذا الصعود قدر لا مفر منه ولا
سبيل سواه.
وعلى هذا،
لم يعد هناك شك أن منطقتنا بصدد صعود إسلامي جديد. فقد أكد التاريخ القريب والبعيد
أن كل أزمات المنطقة والتحديات التي تواجهها تصب، بشكل أو بآخر، في صالح الإحياء واستعادة
الحضور الإسلامي أو تكثيفه، لدرجة أنك لا تخطئ إن اعتبرت ذلك قانونا ثابتا يرقبه الخبراء
والمهتمون بشؤون منطقتنا. وفي هذا السياق، فإن التيار الإسلامي، كأحد أهم مكونات منطقتنا
والمعبر العصري المباشر عن حضارتها وثقافتها، يخضع لذات القانون، حيث تتسع دوائر تأثيره
وتتعمق جذوره بعد كل أزمة حادة تتعرض لها المنطقة، وما أكثر الأزمات في العصر الحديث.
ولعل المتابع
لموجبات انتشار التيار الإسلامي بعد الهزيمة المدوية للجيوش العربية في حزيران/ يونيو
1967، وتحوله إلى حالة عامة في المجتمعات العربية والإسلامية في السبعينيات والثمانينيات،
بل وفي مناطق أخرى كثيرة من العالم، ثم استمرار تمدده مع تصاعد التدخلات الأجنبية والحملات
العسكرية، ولا سيما مع غزو أفغانستان (2001) ثم غزو العراق (2003)، فضلا عن العدوان
على غزة أعوام 2008، و2012، و2014، و2021، و2023، و2024،
الحصن الأكيد لشعوبنا في مواجهة تزاحم التحديات وتعقيد الأزمات هو هويتها الحضارية. فكل المشكلات، بما فيها الاقتصادية والاجتماعية، تتحول بشكل أو بآخر إلى عودة للجذور، وتتجلى في التحصن بالهوية والاحتماء بالدين. ومن هذا المنطلق، يبدو في حكم المؤكد أننا بصدد صعود إسلامي كبير بعد "طوفان الأقصى" و"الحرب على غزة" وتداعياتها
وكذلك العدوان على لبنان في
2024، بالإضافة إلى الاعتداءات السابقة أعوام 1982، و1996، و2006، سيلاحظ أن شعوبنا
لا تزال ترى الملاذ الآمن، في مواجهة هذه التحديات والمخاطر، يتمثل في الاحتماء بهويتها
والعودة إلى حضارتها.
فالحصن
الأكيد لشعوبنا في مواجهة تزاحم التحديات وتعقيد الأزمات هو هويتها الحضارية. فكل المشكلات،
بما فيها الاقتصادية والاجتماعية، تتحول بشكل أو بآخر إلى عودة للجذور، وتتجلى في التحصن
بالهوية والاحتماء بالدين. ومن هذا المنطلق، يبدو في حكم المؤكد أننا بصدد صعود إسلامي
كبير بعد "طوفان الأقصى" و"الحرب على غزة" وتداعياتها.
لقد ثبت
أن الحركات الإسلامية هي المدافع الرئيسي عن قضايا الأمة وكرامة شعوبها، وهو ما أعاد
طرح وجودها بشكل جديد إلى جانب الشعوب وقضاياها الوطنية، وليس خصما منها، كما حاول
الإعلام المعادي تصويرها على مدى العقود الماضية. ولهذا، فإن من واجبات الوقت تأكيد
هذا الحضور، والاستعداد لاستقبال هذا الصعود، والتعامل معه بما يليق بمحوريته.
لا بد
من إعداد رؤية
استراتيجية جديدة تعمل على تنظيم هذا الصعود وتثميره، وفق قنوات عمل
مبتكرة وخطط تتجنب السلبيات والأخطاء السابقة.
ومن
هنا تبرز أهمية تنظيم هذا الصعود بشكل استراتيجي يحقق مصالح الشعوب، ويعيد هندسة المنطقة
سياسيا واستراتيجيا، مما يستدعي:
1- تحديد
الأهداف بوضوح لتقديم أهداف تحقيق العدالة، ودعم المقاومة، واحترام حقوق الإنسان، واستئناف
مسيرة الحضارة الإسلامية.
2- بناء
التحالفات مع القوى السياسية والاجتماعية التي تشترك مع التيار الإسلامي في الرؤية.
من الضروري أن تتخلى الحركات الإسلامية عن عقلية الخلافات واستجرار المرارات التي أعاقت قدرتها خلال العقود الماضية، كما يجب أن تركز على بناء الكوادر السياسية، وإعداد القادة المؤهلين للتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية الهائلة
3- تعزيز
العمل المؤسسي وتطوير الهياكل الداخلية للحركات الإسلامية وتجنب الهيمنة الشخصية.
4- بناء
خطاب منفتح: يعبر عن اعتدال التيار الإسلامي ويعزز التعايش مع التنوع الذي تتميز
به المنطقة.
ومن الضروري
أن تتخلى الحركات الإسلامية عن عقلية الخلافات واستجرار المرارات التي أعاقت قدرتها
خلال العقود الماضية، كما يجب أن تركز على بناء الكوادر السياسية، وإعداد القادة المؤهلين
للتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية الهائلة.
إن الصعود
الإسلامي يمثل
فرصة تاريخية لإعادة بناء المنطقة على أسس عادلة تخدم تطلعات الشعوب،
لكن هذا الصعود لن يكون فعالا ما لم يتم التخطيط له بنظرة استراتيجية تتجنب ردود الفعل
اللحظية، وتستجيب لتعقيدات الواقع بحلول شاملة ومستدامة.
يمكن للحركات
الإسلامية أن تستثمر هذه الفرصة التاريخية لتكون قوة دافعة للتغيير الإيجابي، إذا ما
أحسنت توجيه طاقاتها نحو أهداف تخدم مصالح الأمة، وتعزز مكانتها في الداخل والخارج.