هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أدت الخطة السعودية لتوحيد المعارضة السورية وإنشاء جيش وطني جديد لحالة من
الاستقطاب بين الجماعات المقاتلة مما قد يؤثر سلبا على خطط السعودية
واهدافها في سورية.
وقال الباحث يزيد صايغ في مقال نشره موقع "مركز كارنيغي للشرق الاوسط" أن الإعلان عن تحالفات واندماجات بين الجماعات السورية المسلحة في الأسابيع الماضية وإن كان بادرة مطلوبة تشير إلى أنه يجري في نهاية المطاف تجاوز مشكلة التفتت الشديد في صفوف المعارضة إلا أن ما يجري على الأرض ليس في الحقيقة تحالفات بل "إعادة "ترتيب".
واضاف صايغ إن ما يجري يكشف عن وجود حس تنافسي بين المجموعات المقاتلة مدفوع بالحصول على دعم خارجي وهو ما قد يؤدي في النهاية الى الاستقطاب السياسي وتعميق الانقسام.
وقال صايغ وهو باحث رئيسي في مركز كارينغي أن التحالفات المستمرة أسهمت الى حد ما
لإفساد حركة الإنتفاضة المسلحة لكن ما يدفع بهذه الموجة من التحالفات هي السعودية الراغبة في إنشاء جيش وطني للمعارضة، حيث تطمح الحكومة السعودية لتدريب قوة تتلقى تدريبها في الخارج وتكون في موقع يؤهلها لالحاق الهزيمة بنظام الرئيس بشار الاسد ومواجهة الجماعات الجهادية في الوقت نفسه.
ويعتقد صايغ أن هذا الهدف لن يؤدي إلا لخلق مزيد من البلبلة والإستقطاب داخل صفوف المقاتلين، ويؤثر بالضرورة على الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة الذي من المحتمل أن يكون أول الخاسرين.
ويرى صايغ أن عدم التزام المقاتلين باستراتيجية متفق عليها وقبول الإئتلاف ممثلا لهم سيفضي إلى فقدانهم التأثير والتماسك. ويرى الكاتب أن سياسة التصعيد السعودية نابعة من استياء الرياض من عدم توجيه الضربة العسكرية لسورية على خلفية استخدام النظام للسلاح الكيماوي في الغوطة
في آب (أغسطس) الماضي.
ومن هنا أبعدت موافقة سورية على تفكيك سلاحها الكيماوي شبح الحرب عنها. وهناك إحتمال لأن يعيد الإتفاق تأهيل الأسد كشريك للمجتمع الدولي، وهو ما أغضب السعودية المصممة على إسقاط الأسد. ويشير صايغ إلى أن تصريحات أحمد الجربا رئيس الإئتلاف في 8 آب/ أغسطس عن الجهود التي يقوم بها مع الجيش الحر لإنشاء قوة قوامها ستة آلاف عنصر لمواجهة الجماعات المسلحة وأمراء الحرب في المناطق المحررة، هي أول إشارة عن النية السعودية بهذا الإطار. فيما كشف مسؤولون آخرون أن المقصود من القوة ان تكون نواة جيش وطني قوامه ما بين سبعة إلى عشرة آلاف عنصر منهم ستة آلاف من المنشقين عن الجيش السوري الموزعين بين تركيا والأردن. ويقول مطلعون أنه يجري
الآن تدريب خمسة آلاف بالفعل في الأردن على يد مدربين فرنسيين وباكستانيين وأمريكيين، مع أن مصادر أردنية تقدم أرقاما أقل. ويشير الكاتب إلى أن تولي كل من الأمير سعود الفيصل وبندر بن سلطان ونائب وزير الدفاع الأمير سلمان بن سلطان ملف سورية وهم المعرفون بتشددهم إشارة عن النية لإنشاء جيش من المقاتلين قوامه ما بين 40- 50 ألف عنصر، وبتكلفة مليارات من الدولارات.
ولا يستبعد الكاتب أن تكون الخطة قد تمت مناقشتها من جانب وزراء خارجية السعودية
والأردن والإمارات الذين التقوا مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في 13 أيلول/
سبتمبر. ويقول إن السعودية التي نظرت إلى موقف أمريكا باعتباره انشقاقا عن الدول
الصديقة للمعارضة ولهذا اتجهت نحو القوات المسلحة الباكستانية كي تساعد في تدريب
الجيش الجديد. ويرى الكاتب أن السعودية ستجد صعوبة في العثور على مكان أو قاعدة
ثابتة لتدريب القوة الجديدة، في ظل تزايد المعارضة في الأردن لتحوله للبوابة
الخلفية لتدريب المقاتلين السوريين، ومع أن المملكة تحولت ومنذ عام 2012 إلى ممر
للمقاتلين والأسلحة، إلا أن الخطة السعودية الجديدة تتطلب التزاما أردنيا واضحا
وقد يواجه بمعارضة داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية. ويعتقد صايغ أن احتمال بناء
جيش للمقاتلين خارج سورية ضعيف، والسبيل الوحيد هو توحيد جماعات المقاتلين العاملة
في سورية ورعايتها، وهذا الخيار يبدو صعبا الآن في ظل تبدل وتغير تحالفات الجماعات
هذه والتي تقوم بتغير تشكيلاتها للتحضير لتلقي الدعم من السعودية.
ويضيف الكاتب أن من أبرز الجماعات التي تحظى بدعم سعودي هو "جيش الإسلام" الذي
يقوده محمد زهران علوش الذي تزامن اعلان انشائه مع دعوة سعودية لتشكيل جيش موحد
يهدف لتوحيد الجماعات المسلحة ونشر فكر وسطي. لكن هذا لم يوقف مسلسل التشرذم حيث
انسحب شركاء له في تنظيمه الاصلي "جبهة تحرير سورية الإسلامية"
بحجة عدم استشارتهم، فيما ظهرت بعد ذلك تنظيمات أخرى مثل تجمع "أمجاد
الإسلام" و"جيش أهل السنة والجماعة" في البوكمال.
ويرى صايغ ان السعودية التي باتت تلعب دورا مهما ومستعدة لتوفير الأموال "بلا حدود" قد تكون معذورة في محاولاتها إلا أن هذه المحاولة قد تأتي بنتائج عكسية. لان خطوط المعركة اصبحت أكثر تعقيدا عنها قبل عام. فبينما كان الجيش الحر في السابق يواجه نظام الأسد، فإن السعودية الآن تريد شن حرب مزدوجة حسب تركي الفيصل ضد النظام والجهاديين، مما قد يؤدي الى شق صفوف المعارضة. وأمام الجهود السعودية فقد استنفرت جماعات أخرى مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)
جهودها حيث تشعر بأنها مهددة من أمريكا وحلفائها خاصة السعودية. وعليه فقد تفاهمت مع شقيقتها "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" وشكلت مجلسا للقضاء، واتخذت اجراءات ضد جماعات مرتبطة بالجيش الحر وأجبرتها على مغادرة الرقة وحلب، واستولت على المعابر الحدودية في شمال سورية.
ويعتقد أن جهود السعودية لبناء جيش سني قوي يزيد من احتمال تشتت المقاتلين وانقسام
حتى الجماعات السلفية والوسطية التي تستهدفها الخطة السعودية. وفي نفس الوقت
فإن الجماعات المعتدلة/ العلمانية تتأثر سلبا بالخطة السعودية، حيث سعى بعض اعضاء
الائتلاف الوطني لخطوات مماثلة وتحدثوا عن إنشاء مجلس سياسي عسكري مركزي.
ويرى الباحث يزيد صايغ في النهاية ان محاولة السعودية الالتفاف على المجلس العسكري الأعلى
للثورة السورية وتوجيه الدعم مباشرة لجماعات على الارض يتجاهل تعقيدات البنية
السياسية والعسكرية السورية. ومع ان للسعودية مصيبة في موقفها وشعورها بالخيبة
والغضب تجاه ما يجري في سورية الا ان الخطة الحالية تهدد بتقويض اهدافها في سورية.
كما أن ربط الغضب السعودي من سياسات امريكا بالقضية السورية يجعل الاطراف
المرتبطة بها في وضع مريح، لأن الخلاف السعودي- الأمريكي مهما طال فإنه لن يدوم.