تترقب كل الأطراف
السورية اللعبة الدولية التي تجري في الساحة الآن لتصفير مشكلات الفاعلين في الشأن السوري قبل الدخول إلى جنيف 2. وتجري هذه اللعبة بتوافق من الدول الكبرى لدفع الوكلاء السياسيين في الداخل لقبول ما سيتفق عليه الكبار (روسيا - أمريكا -
إيران - الاتحاد الأوروبي) بشأن الداخل السوري بعد تخفيض سقف المشكلات السياسية بين الأطراف الفاعلة في الساحة السورية.
كما يرتقب الخليج بهلع وبذعر بجناحيه "القطري والسعودي" مجريات الاتفاق مع إيران، والذي سيؤثر بشكل كبير جدا على استثمارهم السياسي بسوريا ومحاولة قطع أذرع إيران في المنطقة عبر استنزافها في الأزمة السورية، وما يترتب عليه اتفاق طهران والغرب من تضخم للقوة السياسية الإيرانية كفاعل معترف به دوليا و منحه حق تخصيب اليورانيوم ولو كان بسقف محدود.
وبعد اتفاق طهران والغرب حول مشروعها النووي تتجه أنظار الخليج والغرب والروس والإيرانيين للداخل السوري لحسم المعارك به، ويطمح اللاعبون السياسيون الكبار لحسم المسألة سياسيا عبر اتفاق انتقال للسلطة أو عبر آليات إصلاح داخلي تتضمن عملية ديمقراطية وإعادة هيكلة، لكن وعلى ضوء اتفاق إيران والغرب يبدو أن هذا الاتفاق السوري سيحمل صبغة "الكل رابحون" على نمط اتفاق طهران والغرب الذي حقق جميع الأطراف فيه مكاسب خاصة بهم.
هذا النوع من الحلول يعني أن النظام السوري وحلفاء إيران لن يغادروا السلطة بشكل كلي، كذلك فإن المعارضة السورية - وبالأخص السياسية منها والفصائل المسلحة "القومية" منها والأقرب للصبغة الوطنية منها للصبغة الاممية الدينية- لن تبقى هي أيضا خارج دائرة السلطة مما يعني محاولات ضغط كبيرة جدا على جميع الأطراف اللاعبة داخليا في سوريا للقبول بهكذا حل لايرضي طموح أي طرف.
بيد أن هذه الحلول تصطدم بتنفذ وقوة فصائل الجهاد الإسلامي بسورية والتي توسعت ميدانيا وعسكريا لتصبح القوة الأبرز والأقوى في الساحة السورية بشكل كبير، وهي كذلك التي تتولى مواجهة حزب الله الذي يقاتل في الداخل السوري إلى جانب قوات النظام،وكما هو معلوم فإن التركيبة الفكرية لهذه التنظيمات وطبيعة الخصومة بينها وبين النظام وحلفائه هي من النوع الذي لا يمكن معه قبول أي شكل من تلك الاتفاقات، ما ينذر بتحول كبير في الصراع السوري برمته.
فعلى افتراض قبول قطاع كبير من المعارضة السياسية السورية بالحل السياسي على طريقة ال "Win-Win" فهذا يعني مواجهة رفض مسلح على الأرض من قبل الفصائل الجهادية والاسلامية لمثل هكذا اتفاقات، وهذا يسير بالصراع برمته نحو طريقين، فإما جنوح الطرف السياسي لعدم التورط في صلح سياسي مع النظام دون إقناع المسلحين وبهذا تفشل أي اتفاقات من نوع "الكل رابحون"، وإما يتكتل النظام ومعارضوه المتصالحون معه في حرب جديدة تحت عناوين الارهاب وسيادة الدولة مما يعني توجه الصراع باتجاه لانهائي ربما يتسبب مجددا في انفجارات اقليمية أوسع.
ويبقى القول أن كل ما سبق هو مجرد محاولة لاستقراء صراع من أكثر صراعات المنطقة تعقيدا، كما أنه من أكثرها تأثيرا، ليس على نطاق السياسة فحسب بل وعلى نطاق الأيديولوجيا والأفكار وأوزانها على أرض الواقع.