توقعتُ أن يُتهم القيادي في حركة "6 أبريل"، محمد عادل، بالتخابر مع حركة
حماس، لا بمخالفة قانون التظاهر. فمن يقرأ حسابه على موقع "تويتر"، يلحظ مدى حماسته لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتحديدا جناحها العسكري، كتائب عزالدين القسام، في وقت يمارس إعلام "الفلول" الذي يشكل الكتلة الرئيسة في
مصر، دورا تحريضيا عنصريا ضد كل ما يمت لفلسطين بصلة، ويروج لاتهام الرئيس محمد مرسي بالتخابر. لكن الرسالة واضحة: يريد وزير الدفاع، عبدالفتاح السيسي، أن يقطع تماما مع كل ما له صلة بثورة 25 يناير (2011)، وما تمثله من ثوار وقيم ثورة.
فقانون التظاهر أصلا لم يكن له داع. إذ إن من فض اعتصامي "الحرس" و"رابعة" وغيرهما، وقتل الطفلة هالة أبو شعيشع، والفتاة أسماء البلتاجي، وآلافا من شباب مصر، من دون سند قانوني، لا يحتاج قانونا يجلب له مزيدا من الانتقادات. لكن الرسالة واضحة أيضاً: لا مكان لقيم الثورة التي شرعت التظاهر، ولا مكان للثوار، حتى لو كانوا علمانيين ومعادين لمرسي. وللمفارقة، يعيد الثوار نشر الصور التي التقطها معهم السيسي أيام كان مديرا للمخابرات العسكرية بعد نجاح الثورة.
يومها كان بحاجة لصور معهم، ليمنح نفسه شرعية الثورة، ويغسل نفسه من نظام حسني
مبارك. أما اليوم، فمن يظهرون معه في الصورة هم بين السجن والمنافي. في المقابل، تنشر الشؤون المعنوية صورة مبارك قائلة: إعادة الاعتبار لمبارك الطيار!
إنها العودة الكاملة لنظام مبارك؛ رموزا وقيما، وجيشا وأمنا، وإعلاما وقضاء ورجال أعمال. ومن كانوا يوما رفاق ميدان من إسلاميين وعلمانيين، عادوا اليوم رفاق سجون وقبور. وعادت مصر إلى ما هو أسوأ من عهد مبارك، وغدا من الطموح العودة إلى حدود 25 كانون الثاني (يناير) 2011.
يسخر الناشطون بصورة أخرى لمبارك، معنونة بـ"الحرية للناشط حسني مبارك". والواقع في مصر منذ الانقلاب تحول إلى مشهد ساخر بلا توقف، حتى في التفجيرات التي سبق أن نفذها حبيب العادلي. مع فارق بسيط بين العادلي ومحمد إبراهيم؛ فالأول يتهم الإسلاميين بعد التفجير، والثاني ومن خلال إعلامي معروف يعلن قبل التفجير عن الاتهامات!
الاستفتاء المقبل على الدستور، لن يختلف عن استفتاءات مبارك. والقضاء الشامخ ذاته سيشرف على العملية التي ستقطر دماء، وسيقال إن الناخبين صوتوا بدمائهم. وبعد الانقلاب، لم يعد للدم المصري قيمة، وصار بشار الأسد قدوة. لذا، لم يكن مستغربا ما نشرته "رويترز" عن تهريب النفط العراقي لسورية من موانئ مصرية؛ فما يجمع النظامين أكثر من نفط.
المسلسل المصري طويل، وسيكون فيه كثير من الكوميديا السوداء. لكن حلقة النهاية لا شك آتية؛ فشباب مصر ممن ضاقت بهم القبور والسجون والمنافي، لهم المستقبل لا للكهول الذين التقطوا الصور معهم ذات انتصار. محمد عادل، عمرو القزاز، وائل غنيم، محمد عباس.. في مصر متسع لهم. المهم الحلقة الأخيرة من المسلسل الطويل.