يوم أمس كشف المحلل السياسي وثيق الصلة بالدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية (ناحوم برنياع) عن وجود قناة تفاوض سرية بين نتنياهو ومحمود عباس، وهو اليوم في مقاله المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت يؤكد كلامه الذي نفاه مستشار عباس، لكنه يقلل من أهمية القناة المشار إليها، مقارنة بقنوات تفاوض سرية تاريخية، بدءا بالسادات، ومرورا بأوسلو وحافظ الأسد.
هنا مقال
ناحوم برنياع الذي كان بعنوان "جسر لندن".
كان الدكتور حسن التهامي رجل سر أنور السادات رئيس مصر. في صيف 1977 أرسله السادات إلى المغرب، لإجراء محادثات سرية مع موشيه ديان وزير الخارجية في حكومة مناحيم بيغن. وتمت المحادثات برعاية ملك المغرب من وراء ظهري الحكومتين في القدس والقاهرة، ومن وراء ظهر الأمريكيين. وقد وعد ديان التهامي بأن يوافق بيغن في إطار اتفاق سلام على الانسحاب من سيناء كلها حتى آخر متر. ومهد هذا الوعد الطريق لزيارة السادات للقدس ومحادثات كامب ديفيد والتوقيع على اتفاقات السلام.
إن قناة المحادثات السرية بين نتنياهو وأبو مازن التي كتبت عن وجودها أمس في "يديعوت احرونوت" بعيدة عن الأهمية التاريخية التي كانت لقناة ديان – التهامي. وهناك من سيضيفون هنا، للأسف الشديد؛ أنها بعيدة أيضا عن القناة السرية التي انشأها نتنياهو في ولايته الاولى لرئاسة الوزراء مع حافظ الأسد رئيس سوريا.
كان الرجل الثقة الذي اختاره نتنياهو هو صاحب المليارات رون لايدر، وسافر لايدر بضع مرات إلى دمشق مبعوثا من نتنياهو، وأعطى وعودا مبالغا فيها وخط خطوط الحدود. وحينما تفجرت البعثة حاول نتنياهو أن يلقي بالمسؤولية عن الوعود على كتفي مبعوثه الضيقتين. فلم يوجد اتفاق لكن وجدت مهانة.
وأفضت قناة سرية آسرة إلى اتفاق اوسلو. فما بدأ بمبادرة من باحثين وجهات معنية في النرويج ارتفع إلى أعلى على مراحل، إلى مجموعة بيرس أولا، ثم الى بيرس نفسه وإلى رابين في النهاية. ونشأت بين المطلعين على السر في الطرفين علاقة حميمة لا نظير لها. ولم يقل إخلاصهم للمسيرة وإخلاص بعضهم لبعض عن إخلاصهم لمرسليهم. لكن ليس هذا هو الشأن هنا.
توجد عدة أسباب حسنة لإنشاء قنوات تحادث سرية. يرمي الأول إلى الإعداد لتحول استراتيجي وتصالح بين الأعداء؛ والثاني إلى حل يومي للمشكلات على الأرض، بين حكومات متجاورة أو بين محتلين وواقعين تحت الاحتلال؛ والثالث إحداث انطباع بوجود محادثات حتى حين لا توجد محادثات؛ والرابع تمكين القادة من الالتفاف على ممثليهم الرسميين في التفاوض – بالتفريق والسيطرة والتنكيل بينهما شيئا ما بمرؤوسيهم؛ والخامس إعطاء المبعوثين السريين أهمية في الحياة.
كان مبعوث نتنياهو إلى قناة التفاوض مع أبو مازن وما زال إسحق مولخو، وهو محام خاص كثير الاعمال، وهو شريك رفيع المستوى في مكتب يُمثل رئيس الوزراء شخصيا، وهو من أقربائه. ويقوم مولخو ببعثته السياسية مع أعماله الخاصة فهذا ما أُبيح له فعله. وكان من نتيجة ذلك أن انتظرته لندن مبعوثا سريا إلى أبو مازن ومحاميا تشمل أعماله العالم كله. ودفعت الحساب واحدة من أذرع الأمن. يقول أحد المصادر إن الرحلات كانت متقاربة والحسابات كبيرة أو ربما كبيرة جدا إذا ما قيست بنتائج المحادثات.
ويبدو أن مبعوث أبو مازن إلى القناة هو باسل عقل. وعقل وقد ولد في 1938 أصغر بثلاث سنوات فقط من أبو مازن وقد ولد في يافا. وهو حاصل على اللقب الثاني في علوم السياسة من الجامعة الأمريكية في بيروت. وعمل في بداية ستينيات القرن الماضي مستشارا في وزارة الخارجية الكويتية. وأتم حياته المهنية بعد ذلك في
منظمة التحرير الفلسطينية في موازاة
محمود عباس (أبو مازن)؛ فقد كان مدير القسم السياسي في المنظمة وممثل المنظمة الأول في مصر، وممثل المنظمة في الأمم المتحدة ومستشارا سياسيا لعرفات ومدير مكاتب الجامعة العربية في لندن. ولندن هي مقر إقامته الدائم.
بعد أن اعتزل جهاز م.ت.ف رسميا دأب في أعماله الخاصة. وقد كان في جملة ما كان مرتبطا باتحاد أعمال حسيب صباغ – وهو واحد من اتحادات الشركات التجارية الكبرى بملكية عربية.
حدّثني أمس إفرايم سنيه، وهو من رؤساء حزب العمل في الماضي، عن المحادثات السرية التي أجراها مع عقل في لندن مرسلا من رابين وبيرس. وقد عينه عرفات رجل اتصال وحل محل هاني الحسن وسعيد كمال اللذين أجريا محادثات مع رجال حزب العمل في باريس حتى 1988. ويقول سنيه إنه أكثر من السفر في السنوات 1989 – 1992 – في المرحلة الأولى حينما كان حزب العمل شريكا في حكومة الوحدة الوطنية، ومنذ 1990 في المعارضة – أكثر من السفر إلى لندن للقاء عقل.
وسألت سنيه كيف هو؟ "إنه رجل حضاري ومثقف ودمث ومعتدل نسبيا"، أجاب. وأوقفت المحادثات عشية عودة حزب العمل إلى الحكم في 1992.
يرى أبو مازن أن باسل عقل صديق مقرب ورجل سر. وهما يلتقيان من آن لآن في لندن وفي رام الله وفي أماكن اخرى. وبحسب مصادر فلسطينية كانت زيارة عقل الأخيرة لرام الله في الشهر الماضي.
احتاج نتنياهو وأبو مازن إلى قناة التفاوض السرية في الأساس في ولاية نتنياهو السابقة حينما رفض الفلسطينيون العودة إلى طاولة التفاوض. ومُرّرت في القناة رسائل وتم تبادل أفكار لكن لم يُسجل شق طريق. وقد قال لي واحد من قدماء الاتصالات بالفلسطينيين في هذا الأسبوع إن السؤال الأول الذي يجب أن يُسأل عن هذه القناة هو ما هي قوة مبعوث الطرف الآخر. إن مكانة مولخو واضحة، فهو ذراع نتنياهو. وكل كلمة منه مُلزمة لرئيس الوزراء لكن عقل ليست له مكانة رسمية بل هو صديق فقط.
يوجد شيء محزن بالطبع في أن يعود رئيس وزراء
إسرائيل ورئيس م.ت.ف بعد اتفاق اوسلو بعشرين سنة إلى نفس نوع التفاوض الذي خدم حزب معارضة قبل اتفاق أوسلو. إن 15 كم تفصل بين ديوان رئيس الوزراء في القدس والمقاطعة في رام الله. وحينما يحتاج الأمر للوصول من هنا إلى هناك إلى المرور بلندن أو بواشنطن فإن شيئا ما مُختل عند الطرفين.