يبدو أن الجدل حول إعلان "الدولة الإسلامية في العراق" ومغزاه لم ينقطع داخل الفضاء السلفي الجهادي، فقد بدا استياء تنظيم القاعدة المركزي آنذاك بزعامة
بن لادن واضحا للعيان، إلا أنه لم يصل إلى حد القطيعة والصدام، وبقيت العلاقات مستمرة رغم الفتور وضعف التنسيق.
فالرجل الثالث في التنظيم آنذاك عطية الله الليبي (جمال إبراهيم اشتيوي المصراتي) أصدر مقالة انتقادية في كانون أول/ ديسمبر 2006 تضمنت قضيتين أساسيتين شكلتا أساس ومحور الخلاف، الأولى: تتحفظ على تسمية "الدولة"، ويقترح عطية الله بدلا منها اطلاق اسم "إمارة"، والثانية: الابتعاد عن وصف "أمير المؤمنين" على القيادة الجديدة، والإبقاء على مسمى "أمير"، خوفا من اللبس والإيهام الذي يوحي بكونه الإمام الأعظم الواجب الطاعة خصوصا إذا انضاف إليه قرشية النسب.
اللافت للنظر في هذا السياق أن بيان إعلان تأسيس الدولة لم يشر إلى كون أبو عمر
البغدادي قرشي النسب، لكن الفرع العراقي تدارك ذلك لاحقا في خطاب بيعة أبو حمزه المهاجر زعيم القاعدة في العراق لأبي عمر البغدادي وذلك بعد أسابيع في 10 تشرين ثاني/ نوفمبر حين وصف البغدادي بقوله: "ذلك القريشي والهاشمي، حفيد الحسين، أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي "، وهي المرة الأولى التي يشار فيها إلى نسبه، ولم يذكر كتاب "إعلام الأنام" موضوع نسب الأمير الجديد، فالأساس الذي بني عليه الكتاب هو "فقه الأحكام السلطانية" الذي يسقط شرط القرشية في إمارة التغلب.
التشديد على موضوع النسب كان له صلة بالنقاش والجدل داخل القاعدة وفروعها وحلفائها، فأمير المؤمنين الذي بايعه بن لادن وأتباعه كان زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر، الذي تم تنصيبه باللقب في نيسان/ إبريل 1996 بعد أن سيطرة الحركه على أفغانستان التي تغيّر اسمها ليصبح "إمارة أفغانستان الإسلامية".
تجدد الجدل والنقاش عقب سقوط إمارة طالبان نهاية عام 2001، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة، فقد أثير موضوع استحقاق واستمرارية إطلاق لقب أمير المؤمنين على الملا عمر، وظهر الشيخ حامد العلي المقرب من القاعدة والسلفية الجهادية ليجيب بأن طرق اختيار الإمام إثنان الأول: الاتفاق وشرطه القرشية، والثاني الغلبة وشرطه القوة، ملمحا إلى الجدل الذي لم ينقطع حول كون الملا عمر من البشتون، وليس عربيا قرشيا، كما أن بيعته لم تكن بالاتفاق وإنما على من وقعت عليهم سلطته وشوكته، ولذلك فقد عاد مرة أخرى إمام جهاد فقط.
لا يغادر النقاش الحالي بين الظواهري وأنصاره والبغدادي وأتباعه، ما جرى بالأمس، إذ يعيد كل طرف ذات الحجج القديمه حول صواب نهجه ومشروعية اختياراته، فالظواهري لا زال يخاطب جنديا من جنوده، وأنصار نهج الظواهري كالمقدسي وأبو قتادة يشددون على الابتعاد عن وصف البغدادي بأمير المؤمنين الذي له حق الولاية العامة، والتي لا تتم إلا بالاتفاق والعقد والاختيار، وليس بالغلبة والقوة والإكراه، فالبغدادي لا يعدو كونه أمير جهاد وقتال، أما أتباع البغدادي فيصرون على أن الفرع القاعدي العراقي انصهر في كيان الدولة وقدم البيعة والطاعة، وبات الفرع منحلا ولاغيا بحكم الواقع، كما أن الدولة تتوافر على كافة الشروط الشرعية والواقعية، وأن أميرها السابق أبو عمر واللاحق أبو بكر البغدادي مستحقان للإمامة الكبرى بحكم النسب القرشي، وبيعة أهل الحل والعقد، وامتلاك الشوكة والقوة.
يبدو أن مستقبل تمرد دولة البغدادي على قاعدة الظواهري رهن بطبيعة المتغيرات على الساحتين العراقية والسورية، فالبغدادي (أمير المؤمنين) على ثقة تامة من نجاح مشروعه في ظل الحروب الجديدة التي تقوم على سياسات الهوية ومنطق الطائفية المتنامي بين السنة والشيعة، وفرض السيطرة والنفوذ على الأرض بالقوة المسلحة، كما وضع أصولها المؤسس اأبو مصعب الزرقاوي الذي حدد طبيعة طبيعة نهجه واستراتجيته القائمة على الهوية بالقول عن الشيعة والمشروع الإيراني: "العدو المترصد والسم الناقع إنها (الشيعة الرافضة)، قد اعلنت الحرب المبطنة على أهل الإسلام، وإنها العدو القريب الخطير لأهل السنة، وإن كان الأمريكان هم أيضا عدوا رئيسيا، ولكن الرافضة خطرهم أعظم وضررهم أشد وأفتك على الأمة من الأمريكان"، وبهذا فإن البغداديي واثق من صواب نهجه الشرعي والقتالي، فهو يقول في شريط صوتي بعنوان "باقية في العراق والشام" : "وما تلبث الأيام أن تنجلي عن بصر ثاقب في الرؤية على المدى البعيد عجزت أبصار القاعدين (يمكن أن تقرأ القاعديين أيضا) وأصحاب الأهواء والمتخاذلين عن إدراكها".
أما الظواهري (حكيم الأمة) فلا شك لديه بنجاح تكتيكات واستراتيجيات حرب الأنصار، فقد أصدر بيانا يعتبر دليلا ومنهاجا لعمل القاعدة بعنوان "توجيهات عامة للعمل الجهادي"، مشددا على ثبات وصواب ونجاعة نهجه، ومؤكدا على أن: "العمل العسكري (للقاعدة) يستهدف أولا رأس الكفر العالمي أمريكا وحليفتها إسرائيل، وثانيًا حلفائها المحليين الحاكمين لبلادنا"، ويشدد على: "عدم مقاتلة الفرق المنحرفة مثل الروافض والإسماعيلية والقاديانية والصوفية المنحرفة ما لم تقاتل أهل السنة، وإذا قاتلتهم فيقتصر الرد على الجهات المقاتلة منها، مع بيان أننا ندافع عن أنفسنا".
لا جدال بأن
الدولة الإسلامية في العراق والشام قد أعلنت تمردها على القاعدة، ويبدو أن العلاقة بينهما تتجه نحو التصعيد والمواجهة والصدام نهجا وممارسة، وإذا كان الأمير البغدادي قد كسب جولة، فإن الحكيم الظواهري يوشك على توجيه ضربات قد تحمل البغدادي على التواضع والامتثال، وخصوصا بعد انتفاضة جماعات المعارضة الإسلامية المسلحة في سوريا كالجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين على دولة البغدادي وتصاعد الخلاف مع جبهة النصرة التي باتت تشكل فرعا للقاعدة في بلاد الشام.