لا شك آن قرار الادارة الأمريكية باستبعاد
مصر من حضور القمة الأمريكية الإفريقية الأولي التي تعقد في آغسطس2014 يعكس حقيقة التحدي الذي تواجهه مصر الثورة في تفاعلاتها الخارجية.
أحسب أن الموقف الإفريقي من عزل الرئيس محمد مرسي يعبر عن أمرين متلازمين أولهما أزمة في الفهم وبالتالي في الحركة المصرية تجاه إفريقيا, وثانيا تغير
أفريقيا التي نعرفها. ولعل ما يؤكد ذلك هو أن جميع الجهود الدبلوماسية والتفاوضية المصرية الخاصة باستعادة إفريقيا والتوكيد علي الوجه الإفريقي لمصر قد باءت بالفشل أو علي الأقل لم تأت بالنتائج المرجوة. وإذا كانت كل نازلة كاشفة فإننا بحاجة إلي وقفة مع النفس ومراجعة سياسة مصر الإفريقية. وبدهي آن يطرح ذلك تحديا كبيرا أمام رئيس مصر القادم
ويفرض عليه ضرورة بناء استراتيجية كبري تجاه أفريقيا.
من جهة أخري فقد تكالبت العديد من القوي الدولية غير التقليدية علي إفريقيا طلبا للمكانة والنفوذ, مثال ذلك الصين والهند وروسيا والبرازيل وتركيا وإيران وهلم جرا. إن ذلك كله يعكس وجه أفريقيا الجديدة الذي يراه الجميع إلا نحن في أرض المحروسة! ولعل نقطة البداية الصحيحة عند صياغة أي توجه استراتيجي مصري جديد تجاه أفريقيا تتمثل في التوكيد علي أولولية العلاقة وحسم قضية الانتماء والوجه الإفريقي لمصر. وقد أحسن دستور الثورة صنعا عندما حسم تلك القضية. ولعل صعود كل من مصر الجديدة وإفريقيا الجديدة يقتضي ضرورة تبني مفاهيم وأطرغير تقليدية ملائمة للعلاقة بين الطرفين تؤكد معاني الشراكة, وهو ما يتجاوز رومانسية الخطاب التاريخي ولغة الابتزاز السياسي التي حكمت العلاقة فترة طويلة من الزمن.
وفي هذا السياق يمكن تصور أربع دوائر للحركة المصرية في إفريقيا هي السودان بدولتيه باعتباره امتدادا استراتيجيا لمحيط الأمن المصري, وحوض النيل بحسبان أن الارتباط المصري به قضية وجود وحياة, والكتلة الاسلامية الكبري في غرب أفريقيا ولاسيما نيجيريا والسنغال وغينيا, وهي مرتبطة باعتبارات المكانة والثقل الاقليمي لمصر, وأخيرا جنوب أفريقيا والتكتلات الاقليمية الإفريقية, وهنا يمكن الحديث عن احياء محور القاهرة-الكاب أملا في أن تلتحق مصر الجديدة بنادي الكبار ويمكن الاشارة إلي أربعة أبعاد مهمة لتنفيذ استراتيجية مصر الجديدة تجاه إفريقيا.
أولا: ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة المسئولة عن صنع القرار المصري تجاه إفريقيا. فإذا نظرنا إلي بنية وزارة الخارجية المصرية لوجدنا تعددا وتوزيعا للأدوار في أكثر من إدارة. إذ يوجد نائب للوزير للشئون الإفريقية, وهناك مساعد للوزير للشئون الأفريقية أيضا بالاضافة إلي الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا. لقد نبهنا في هذا المكان, أكثر من مرة, علي ضرورة إنشاء مفوضية عليا للشئون الإفريقية تكون تابعة لرئاسة الجمهورية وتتولي التخطيط والتنفيذ والمتابعة لكل ما يتعلق بالمصالح المصرية الاستراتيجية في إفريقيا.
ثانيا: الاستثمار في مبادرات الدبلوماسية العامة لشرح وتوضيح السياسة الخارجية المصرية. ويمكن الاستفادة من التجربة الهندية في إفريقيا. فقد أدركت الهند أهمية الأداة الدبلوماسية في توظيف قوتها الناعمة وهو الأمر الذي جعلها تقرر في عام2006 إنشاء إدارة خاصة للدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الهندية. وأحسب أن مصر الثورة مطالبة أكثر من أي وقت مضي بضرورة الاستثمار في قدراتها الثقافية والحضارية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. إننا بحاجة إلي الهجوم الناعم الذي يأسر قلوب الأفارقة وعقولهم.
ثالثا: الاستفادة من مصادر القوة الناعمة المصرية التي تشمل الرياضة والفن والآداب وتاريخ النضال المشترك ضد الاستعمار والدفاع عن قيم التحرر الوطني وعدم الانحياز. وطبقا لجوزيف الذي يعد أول من استخدم مفهوم القوة الناعمة فإننا نستطيع أن نشير إلي عدد من المؤشرات التي يمكن قياسها وتدفع بالقيم والثقافة المصرية لكي تصبح أكثر جاذبية للأفارقة,ومن ذلك: حصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل في الآداب, وحصول الأفلام المصرية علي سمعة إقليمية وعالمية معتبرة, ويكفي أن نشير كذلك إلي أهمية استثمار امكانات دار الأوبرا المصرية وفرق الفنون الشعبية للترويج للفن المصري, أضف إلي ذلك سمعة مصر الرياضية وشهرة نجومها البارزين..
رابعا: تبني آلية القمة المصرية الإفريقية أو منتدي التعاون المشترك. إذ لا يخفي أن الدول الكبري باتت تدرك أهمية آلية القمة المشتركة لتطوير العلاقات بين الطرفين. فإلي جانب القمة الإفريقية الفرنسية المعتادة في اطار جماعة الفرانكفونية لجأت دول أخري إلي النهج نفسه حيث نجد مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية الإفريقية ومنتدي التعاون الصيني الأفريقي ومنتدي الهند وإفريقيا وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تقرر عقد القمة الأمريكية الإفريقية الأولي في أغسطس المقبل. ولاشك أن علي مصر المحروسة أن تحذو هذا الحذو في انتهاج دبلوماسية القمة في تعاملها مع الدول الإفريقية حيث يمكن تدشين منتدي القاهرة للتنمية الإفريقية. علي أي حال فإن علينا إدراك حقيقة أن إفريقيا تغيرت وهو ما يحتاج منا تغيير منهج التفكير القديم وطرح أدوات وأساليب جديدة خلاقة للدفاع عن الوجود المصري.
لعل مبادئ الاحترام والشراكة والربح المشترك سوف تجد الدعم والمساندة من قبل الأفارقة لأن المصالح الاقتصادية والأمنية هي أكثر ضمانا لاستمرار العلاقات المصرية الإفريقية مقارنة بالدافع الانساني أو دبلوماسية الأزمة علي فترات متقطعة. لقد هالني علي المستوي الشخصي تغير المزاج الإفريقي الجديد تجاه السياسة المصرية في أفريقيا وذلك بصورة سلبية للغاية. إذ يمكن من خلال متابعة وسائل الاعلام التقليدية والحديثة في بلدان حوض النيل مثلا أن ندرك طبيعة التحول في الصور الذهنية والقوالب الجامدة تجاه مصر التي تدفع بها بعيدا عن محيطها الإفريقي.أليس هذا التحول الخطير في المدركات الذهنية المتبادلة بين المصريين والأفارقة يدعو إلي البحث والاستقصاء من أجل تصحيح الأوضاع والبناء علي أسس سليمة؟
(الأهرام)