هل تكون أوكرانيا 2014 ما كانت بودابست خريف عام 1956 وما كانت تشيكوسلوفاكيا ربيع 1968؟ هذا التساؤل يستدعيه الاشتباك بين
روسيا والغرب حول أوكرانيا، وما إذا كان ينبغي أن تبقى دولة تدور في الفلك الروسي أم يجب أن تتخلى عن عقدة التاريخ والجغرافيا وتنضم إلى الغرب.
إنه السؤال الوجودي الذي تواجهه أوكرانيا اليوم مع كل المجازفات المترتبة على أي خيار تتخذه، سواء لجهة بقائها داخل المعسكر الروسي أم لجهة انضمامها إلى الغرب. لكن الوقائع توحي بأن موسكو لن تتنازل بسهولة عن أوكرانيا.
هذا ما توحي به ملاحظات سيرغي غلازييف مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما ذكر قبل يومين بوجود اتفاق يعود إلى عام 1994 ينص على حق روسيا في الدفاع عن أوكرانيا في حال وجود تهديد لسلامة أراضيها وذلك في مقابل تسليم الأسلحة النووية التي ورثتها من الإتحاد السوفياتي السابق.
إن هذا التلويح الروسي بالتدخل يأتي معطوفاً على كلام روسي أيضاً عن "تسليح" واشنطن من سمتهم موسكو "الإنقلابيين" ضد النظام الحالي. لذا يقترب الغرب ولا سيما منه الولايات المتحدة من لحظة خطيرة جداً في أوكرانيا يصفها هنري كيسينجر بأنها تمثل لبوتين سيناريو غربياً مماثلاً لاختراق روسيا نفسها وقلب نظامها.
ومن البديهي أن يشعر بوتين بهذه الخطورة وهو يرى أن السيناريو الأوكراني يتخذ شكلاً مشابهاً للسيناريو السوري من حيث إقدام الغرب على احتضان المعارضة الأوكرانية واظهارها مظهر البديل من النظام وليس مظهر من يريد الحوار أو مجرد المشاركة في السلطة، مما يزيد ارتياب الكرملين الذي عبر عن حقيقة ما يشعر به على لسان غلازييف.
بيد أن المشكلة تكمن في أن الظروف الأن تختلف عن ظروف 1956 و1968. فليس في أوكرانيا شخصية مماثلة لشخصية إيمري ناجي في المجر، ولا شخصية مماثلة لشخصية الكسندر دوبتشيك يمكنها أن تصنع "ربيع براغ".
وفي المقابل يقف بوتين الذي يضع نصب عينيه أن يجعل روسيا قوة عظمى لا تقل مهابة عن الإتحاد السوفياتي السابق، في المرصاد لمحاولات الغرب لأن ينتزع منه كل الأسباب التي يمكن أن تساعده على تحقيق هدفه، لأن في الغرب نفسه من لا يزال ينظر إلى روسيا على أنها العدو الإستراتيجي.
وليست سوريا وأوكرانيا سوى ميدانين اليوم لاختبار المدى الذي وصل إليه بوتين في بناء روسيا من جديد. وقد يكون نجاح الدورة الشتوية للألعاب الأولمبية في سوتشي، إشارة رمزية إلى انبعاثها.