الانشقاق الذي حصل في حركة فتح الله
كولن في
تركيا لم يعلن بعد، ولكن هناك الكثير من المصادر تقول إنه وقع بالفعل، وقد يعلن في أي لحظة، خاصة وإن المعركة التي أدارتها الحركة ضد حكومة
أردوغان كانت نتيجتها سلبية على الحركة، وأصابت أعضاءها من أصحاب الأموال بضرر كبير، بعد الأزمة التي أصابت الاقتصاد، وانخفاض الليرة التركية، ويقال إن عددا كبيرا من هؤلاء انشقوا عن الحركة وأصبحوا من مؤيدي حزب العدالة والتنمية، بل إن بعض المصادر الخاصة تتحدث عن "وساطات" بدأت الحركة تقوم بها مع الحزب للتخفيف من أضرار المعركة الخاسرة التي فتحتها مع أردوغان، الذي تقول الاستطلاعات إن حزبه سيفوز بغالبية كبيرة في الانتخابات المحلية التي ستجري في نهاية آذار/مارس القادم، فما الذي جرى في تركيا؟ ومن أساء لمن: أردوغان أم كولن؟
سئل الأستاذ فتح الله كولن، في الحوار اليتيم والأخير الذي أجرته معه شبكة بي بي سي، السؤال التالي: هل تشاركون الرأي القائل بأن هذه الفترة هي أصعب فترة مرت على “الخدمة” طوال 50 سنة من تاريخها؟ وهل ترون تشابها بين ما تعيشونه وما عاشه سعيد النورسي سابقًا في عهد حكم الحزب الواحد؟
فأجاب: عندما لا تتحركون وفقا لتصوراتهم ومشاعرهم يَعُدُّون ذلك جريمة، وما نعيشه قد يكون نتيجة خطأٍ ارتكبناه. أما أنا فقناعتي الشخصية أن ما نعيشه اليوم عقاب من الله لنا. ذكرتم بديع الزمان، فهو يقول: “الآن أدركتُ حكمةَ الأذى والتعذيب الذي تَعرَّضتُ له منذ سنوات. جريمتي أنا أنني استعملتُ الخدمة الإيمانية أداةً لارتقائي المادي والمعنوي”. بينما كان ينبغي أن أبتغي وجه الله فحسب، وأتحرَّى الإخلاص في ما أقوم به. ما أفعله يجب أن يُفِيد الإنسانية، ينبغي أن تجد الإنسانية فائدة لها في ما أفعل. فلو نذر الإنسان نفسه للدين بُغْيَة التحليق في الهواء والمشي على الماء، فإن ذلك مناقض للإخلاص، ومن ثَمَّ يستحقُّ عقاب الله. وجاء في آية كريمة: “ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك”. فنحن نقول إننا ملتزمون بالسير على صراط مستقيم، ونؤكِّد أننا سائرون في سبيل الناذرين أنفسَهُم لله، ولكن لأننا لم نتصرف بما يليق بتصرُّفاتِ من نذروا أنفسهم لله حقًّا، فلربما ينبهنا الله بهذه اللطمات. ولكن لا يعني هذا أن تصرُّفات الآخرين صحيحة، فالله سيحاسبهم كذلك على ما فعلوا.
انتهى كلام الأستاذ كولن، وقد تعمدت أن أنقله هنا بحرفيته، لأن الرجل داعية معروف، وأعتبر ما قاله نوعا من المراجعة الذاتية التي يجدر بالداعية أن يقوم بها بعد كل خطأ!
فأين أخطأت جماعته؟ وما الذي يدفع رجلا في مكانة الأستاذ كولن، لقول ما قال؟
لقد قيل في مسألة الخلاف بين أردوغان وكولن الكثير، وصور البعض ما يجري في تركيا باعتباره "صراعا على السلطة" بين حركتين إسلاميتين في كنههما، اتفقتا في حين وافترقتا في حين آخر تنافسا على الفوز بتركيا، إن جاز التعبير، والحقيقية أن في هذا الكلام اجتزاء للمشهد، وقصورا في الفهم، خاصة لدى من يكتب عن تركيا عن بعد، دون أن يدرك كنه ما جرى، وهو على جانب كبير من الخطورة والأهمية، سأختصر هنا ما وسعني الأمر الحديث عن "الخطايا" التي ارتكبتها جماعة كولن، إلى الحد الذي دفعته للاعتراف بأنها تعيش الآن مرحلة "عقاب إلهي" على ما فعلت، وفق اعترافه الصريح، وبكلمات لا تقبل التأويل!
يبدو أن الحركة أباحت لنفسها "التوسع" في فهم المقولة الشهيرة "إن الغاية تبرر الوسيلة" فرأت أن على أردوغان وحزبه أن يكون رهن إشارتها، باعتبارها ساهمت في نجاحه، في وقت ما، ويبدو أن هذا الأمر لم يرق لمهندس مشروع تركيا الحديثة، خاصة وإن لديه ما يكفي من رصيد شعبي يؤهله لخوض أكثر المعارك شراسة، وهي معركة محاربة "الفساد" الذي كان نقطة قوته الكبرى، فأرادت حركة كولن أن تصيبه في مقتل، فكان تدبير سيناريو يستهدف إظهار أردوغان وحزبه بأنهم فاسدون، واستعمل بعض أفراد من حركة كولن في هذا أساليب لا تخطر ببال، ويكاد قراء العربية أن لا يعرفوا عنها شيئا، مثل التجسس على الحياة الخاصة لعدد من كبار رجال الدولة، إلى حد تصويرهم في غرف نومهم مع زوجاتهم، ثم ابتزازهم بهذه الصور والأفلام، بل حتى "دبلجة" بعض المقاطع من أفلام "البرونو" وإلصاقها ببعض الرموز من رجالات اردوغان، واستثمر مرتكبو هذه المنكرات نفوذهم داخل جهاز الشرطة والأمن لتنفيذها، كما تم تلفيق جملة من ملفات الفساد المفترض ضد رجال دولة معروفين، ووصل الأمر إلى ابن اردوغان نفسه، فضلا عن أبناء بعض الوزراء، ولم يثبت حتى الآن شيء من هذا، وفي المحصلة تم الكشف عن "جبل الجليد" الذي كانت حركة كولن تبنيه منذ سنوات لهدم كل ما أنجزه أردوغان، وكان تقدير الحركة أن يهتز الرجل وينسحب من المشهد، إلا أن عكس هذا هو الذي حصل، فشن هجوما معاكسا على ما أسماه "الدولة" التي بُنيت داخل الدولة، وبدا أن ما حصل مكنه من مناجزة آخر رموز "الدولة العميقة" وكشفها أمام الشعب التركي!
يقال هنا إن اردوغان خسر الكثير، ولكن العالمين ببواطن الأمور يعرفون عبر استطلاعات الرأي، أن اردوغان وحزبه سيفوز في الانتخابات المحلية التي ستجري في آذار/ مارس، إن لم يكن بنفس النسبة التي حققها في الانتخابات الماضية، فربما يحقق مزيدا من الشعبية، ويتجاوز ما أحرزه الحزب فيها، ووفق تقديرات تركية مطلعة جدا، فيبدو أن أردوغان تمكن من السيطرة على المشهد، وأحبط "
الانقلاب الناعم" الذي كان معدا له، بعد أن تعذر على من يناهضه، ومن يدعمهم، الانقلاب عليه عبر العسكر، الذين ذهبت شوكتهم، ويُحاكمون الآن على ما اقترفوا بحق الديمقراطية التركية، أكثر من هذا، فأردوغان أعد لمن تآمر عليه وعلى مشروعه الناجح، ملفا ضخما ستجري بمقتضاه محاكمة كل من اجترأ على القانون، وحاول النيل من سمعة تركيا، تحقيقا لمصالح تتجاوز الحدود التركية، وتصل إلى من عملوا بكل جد واجتهاد لضرب مشروع أردوغان، الذي يُـلهم الملايين من أبناء الأمة العربية والإسلامية، تزامنا مع إجهاض ثورات الربيع العربي، وتلطيخ منجزاتها بالدم والفوضى!