في أكتوبر من العام الماضي تدخلت
الإمارات لإنقاذ
الاقتصاد الصربي المثقل بالديون، ووعدت عبر صفقة بين الدولتين بضخ المليارات في شكل قروض واستثمارات لتجنب أزمة الديون التي لاحت في الأفق، ولتنشيط قطاعات الزراعة والطيران والإنشاءات.
ورغم تحقق بعض الشراكات رفيعة المستوى، إلا أن الشكوك لا زالت قائمة حول الأموال التي سيتم دفعها، لاسيما في قطاع الزراعة. جاء ذلك في مقال للكاتب البريطاني أليستر سلون، نشره في موقع ميديل إيست مونيتور.
ويوضح فلوريان بيبر الخبير في شؤون البلقان قائلا: "هناك الكثير من التقارير الصحفية حول المستثمرين العرب القادمين إلى
صربيا، لكن الحكومة كانت في الماضي في أمس الحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية، فقامت بإدراج الاستثمارات الأجنبية في ميزانيتها ثم لم يصل المال بعد ذلك".
ويقارن بيبر الوضع بالفيلم الأمريكي American Hustle أو "الزحام الامريكي"، والذي يقوم فيه بعض الفنانين المحتالين بخداع عمدة إحدى الولايات باستخدام شيخ زائف يعرض على العمدة استثمارا وهميا في مشاريعه لتربية الحيوانات. ويوضح بيبر قائلا: "من غير الواضح ما إذا كان الإعلام أو الحكومة قادرين على التمييز بين المستثمر الحقيقي والمستثمر الوهمي".
فعلى سبيل المثال، يضيف كاتب المقال، تعرض المسؤولون في بلجراد إلى إحراج شديد عندما انسحب أحد المستثمرين المالطيين بشكل مفاجيء في آب/ أغسطس 2013 من مشروع لبناء أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في العالم على الأراضي الصربية. ووفقا لبيبر، فإن مثل هذه المواقف (علاوة على تشكك الحكومة) تعني أن الصرب يتشككون حيال أي استثمار أجنبي كبير.
وفي حوار مع موقع "ميدل إيست مونيتر" قال فلاديمير بكيك (المحلل والخبير الزراعي من بلجراد) إن هناك شكوكا فعلية الآن حول الشركة الزراعية الإماراتية "الدهرة"، والتي أعلنت في يونيو الماضي عن برنامج استثماري كبير في القطاع الزراعي لصربيا.
ويوضح بكيك قائلا: "منذ توقيع الاتفاق المبدئي في كانون ثاني/ يناير، لم يتم توقيع اتفاق نهائي، وقد قلّ الحديث عن الصفقة في بلجراد بشكل ملحوظ. وفي الواقع لم تشهد الشهور القليلة الماضية أي حديث حول الموضوع إطلاقا".
ويمثل الأمن الغذائي أولوية بالنسبة للإمارات التي تستورد 85 في المئة من منتجاتها الغذائية. وقد أدت الاضطرابات الأمنية في الشرق الأوسط، وارتفاع الأسعار إلى تهديد تلك الواردات.
وقد خططت شركة الدهرة (التي تملك مزارع في مصر وباكستان والولايات المتحدة) لشراء ثماني مزارع كبيرة مملوكة للدولة كجزء من صفقة إنقاذ الاقتصاد الصربي. وصاحب الصفقة اتفاق لتصدير الغذاء عدة مرات في العام إلى الإمارات، مما قوبل بعاصفة من النقد. حيث يقول بكيك: "كانت تلك المزارع في السابق مشاريع تديرها الدولة، وكان المزارعون المحليون يتوقعون أن يتمكنوا من تقديم عطاءات على الأرض". وقد اتهم النقاد حكومة بلجراد بالتخلي عن الأراضي مقابل 250 يورو للهكتار الواحد، في حين تبلغ قيمته 900 يورو.
وفي حديثه مع إحدى الإذاعات الصربية في كانون أول/ ديسمبر الماضي، قال نائب رئيس الوزراء الصربي ألكسندر فوسيك إنه من غير المحتمل أن تستمر الصفقة مع شركة الدهرة بعد الانتقادات العنيفة التي واجهتها والاحتجاجات ضد الشركة الإماراتية. وقد وبخ نائب رئيس الوزراء المتظاهرين بسبب سخريتهم من "شركة جادة"، مشيرا إلى أن بعضهم ارتدى ملابس عربية اثناء المظاهرات في معرض السخرية من الشركة.
وأوضح فوسيك أن هناك شركة جديدة تقوم بمفاوضات لشراء المزارع، وأكد أن الدعاية السلبية أثنت شركة الدهرة عن شرائها. ولكنه أضاف قائلا "أتوقع أن يدخلوا صربيا بشكل جاد جدا في لحظة ما. فهم أكدوا أنهم سوف ينتظرون الوقت المناسب عندما تكون شركتهم مرحب بها".
وبعد أزمة شركة الدهرة أعلنت الحكومة مؤخرا أنها تمكنت من جلب مشاريع بقيمة 38 مليون دولار فقط، بعد أن كان من المزمع استثمار 300 مليون دولار في البنية التحتية الزراعية. وسوف يؤثر ما حدث للشق الزراعي من صفقة الإنقاذ بشكل خطير على الاقتصاد الصربي الذي تمثل فيه الزراعة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ينظر إلى الصفقة على أنها أكبر فرصة اقتصادية لزيادة الصادرات. وتعتمد ثلث الوظائف في صربيا على قطاع الزراعة.
ولكن التوقعات بخصوص العناصر الأخرى للصفقة تبدو أكثر إيجابية. فشركة الطيران الصربية الضعيفة "جيت إيرويز" تم إعادة إطلاقها مؤخرا تحت اسم "إير صربيا" وحصلت شركة الاتحاد الإماراتية على 49 في المئة من حصتها، مع عقد لإدارة الشركة لمدة خمس سنوات.
وفي الشهر الماضي أعلنت شركة أرابتك (أكبر شركة إنشاءات في منطقة الخليج) عن وصولها إلى أعلى سعر لأسهمها في الخمس سنوات الماضية، وقامت بالاحتفال بفتح فرع لها في بلجراد.
كما يعرب المحللون عن تفاؤلهم بخصوص "شركة مبادلة للتنمية" التي تستثمر في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والطيران والطاقة المتجددة والاتصالات في صربيا. وكذلك شركة إيجل هلز التي أنشاتها شركة إعمار التي شيدت برج العرب بدبي.
أما المشروع الأهم في الصفقة فهو مشروع "بلجراد على المياه" الذي يحتوي على شقق سكنية وفنادق وأرصفة مائية ودار أوبرا وسط بلجراد. وتبلغ قيمة المشروع 3 مليارات دولار.
وسوف يشهد المشروع تشييد مبانٍ جديدة على طول 3 كيلومتر من ضفة النهر. ويقال إن الإماراتيين قاموا بإعداد الخطة في غضون أقل من شهر. وقد وصف نائب رئيس الوزراء الصربي هذا المشروع بأنه بمثابة طفرة بالنسبة لصربيا.